تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
كتب بوب بوكر، سفير أستراليا السابق لدى الأردن ومصر وسورية، مقالاً نشرته مجلة ناشيونال إنترست بعنوان "هل قضت الحرب في غزة على حل الدولتين؟"، استهله قائلاً إن اعتراف الحكومات الغربية بحجم الموت والدمار في غزة كان مصحوباً على نطاق واسع بإشارات إلى الحاجة إلى العودة إلى حل الدولتين للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
ولكن هذا الحل الذي كان الإجابة السياسية الافتراضية في الأمم المتحدة لمشكلة مستعصية لا يمت بصلة إلى الواقع المعاصر. فقد أصبحت هناك حقيقة مفادها أنه دون التزام إسرائيلي بإنهاء الاحتلال ودون جهد إسرائيلي حازم لمعالجة تلك المشكلات الحاسمة التي تقف وراء تدهور السلطة الفلسطينية، لن يكون هناك شريك فلسطيني ذو مصداقية للمشاركة في مفاوضات التوصل إلى دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
ويتمثل أحد العوامل التي تساهم في زوال حل الدولتين في التحول في نهج إسرائيل الاستراتيجي، منذ هجمات 7 أكتوبر، من الردع وتدابير تنظيم الصراع. ففي السابق، كانت إسرائيل تكتفي بـ"قص العشب"، وربما تعميق الانقسامات بين حماس ومنافستها فتح؛ ولكنها الآن، تسعى إلى تغيير النظام. وحيثما جرت تجربة تغيير الأنظمة في أماكن أخرى من العالم العربي ( لبنان عام 1982؛ والعراق عام 2003؛ وسورية بين عامي 2011 و2015)، فقد فشلت فشلاً ذريعاً، لأسباب ليس أقلها غياب الأهداف السياسية الواضحة والواقعية والاستراتيجيات ذات المصداقية.
وبعيداً عن الشعارات، لم توضح إسرائيل بعد أهدافها السياسية في غزة ولا الوسائل التي تنوي تحقيقها بها؛ وبدلاً من ذلك، تُرك الأمر للولايات المتحدة للبدء في صياغة أفكار للنهج التالي للحملة العسكرية. وقد تحدث وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن وبعض الأصوات البارزة في مجتمع مراكز الأبحاث الأمريكية عن الرغبة في استئناف السلطة الفلسطينية "الفعالة والمنشطة" السيطرة على غزة - دون تحديد سبب وصول السلطة الفلسطينية إلى مستوى الحضيض الحالي من الاضمحلال السياسي والأخلاقي. وترتبط أسباب هذا التراجع ارتباطاً وثيقاً بالاحتلال الإسرائيلي وفشل السلطة الفلسطينية في حماية أمن وكرامة الفلسطينيين الخاضعين لسيطرة إسرائيل.
ولن تتغير هذه العوامل إلا إذا حدث تحول غير متوقع مطلقاً في توجه السياسات الإسرائيلية. وبدلاً من ذلك، من المشكوك فيه ما إذا كانت السلطة الفلسطينية ستنجو من فقدان مصداقيتها إذا استمرت الضغوط الإسرائيلية على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية دون رادع. وأشار بلينكن أيضاً إلى إمكانية وجود "ترتيبات مؤقتة أخرى قد تشمل عدداً من الدول الأخرى في المنطقة" و"وكالات دولية من شأنها أن تساعد في توفير الأمن والحكم".
وتتناقض فكرة أن مثل هذه الترتيبات ستكون مؤقتة مع التجارب الإقليمية، حيث لا تزال الأمم المتحدة موجودة في جنوب لبنان منذ أربعة عقود من الزمن. ولكن الأهم من ذلك هو أنها تستند إلى افتراض إشكالي مفاده أن مصر، أو أي دولة عربية أخرى مترددة، يمكن حثها على أن تتولي دور القوة الأمنية في غزة.
وعلاوة على ذلك، أشار المسؤولون الإسرائيليون إلى أنهم يتوقعون الاحتفاظ بالقدرة على التدخل عسكرياً مرة أخرى في غزة كلما خلصوا إلى وجود مخاطر أمنية. وقد حافظت إسرائيل على هذا النهج في مدن الضفة الغربية، بما في ذلك نابلس وجنين وغيرها من المناطق الحضرية التي يُفترض أنها تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، ولن تعتمد إسرائيل على آخرين للتعامل مع تلك المخاطر. غير أن نموذج الصراع قد تغير مرة أخرى، وسيكون من الحماقة الآن التقليل من التأثير الدائم للعدد الهائل لوفيات الأطفال وغيرهم من غير المقاتلين وفقدان نسبة كبيرة من السكان لمنازلهم على الفلسطينيين في غزة وخارجها.
إذ يفقد الفلسطينيون أطفالهم وأسرهم وبيوتهم وكرامتهم، ويعتقدون أن الولايات المتحدة يمكن أن تمنع حدوث ذلك ولكنها تختار عدم القيام بذلك، ويرون المعايير الغربية (والعربية) المزدوجة فيما يتعلق بحياتهم. وعلى هذه الخلفية، سيحكم الفلسطينيون بالفشل على أي قوة عربية أو خارجية أخرى في غزة تعجز عن مقاومة المزيد من التوغلات الإسرائيلية بالقوة العسكرية، تماماً كما يُنظر إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية كشريكة في الاحتلال الإسرائيلي. وتتمتع القيادة المصرية بالذكاء الكافي لتقدير هذه المخاطر، وهي ملتزمة بمواصلة السلام مع إسرائيل وتعلم أن تكاليف الاحتلال والتحديات الأمنية والسياسية لقمع الإحباط الشعبي ومطالبات الانتقام - ليس بين الفلسطينيين فحسب، بل بين الكثير من أبناء المجتمع المصري أيضاً - ستجعل، في مرحلة ما، الاحتلال المصري لغزة غير مستدام.
ويلفت الكاتب إلى أن المساعدات ستبدأ تتدفق من الدول الغربية والخليج عندما ينتهي الصراع؛ وفي الوقت المناسب، من المحتمل أن تكون هناك آلية تنسيق دولية وتابعة للأمم المتحدة لإعادة إعمار المساكن واستئناف الخدمات التعليمية والصحية والطبية في غزة. وسوف تستغل حماس ونظيراتها المسلحة جهود إعادة الإعمار لإعادة بناء قدراتها، مستفيدة من الدعم من مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي، ومن إيران.
وعلى هذا، فإن نتيجة الهجوم الحالي وعواقبه المحتملة لن تكون رفض حماس. فإذا لم ينته احتلال فلسطين، وهو أمر غير مرجح، ستكون العواقب على الأرجح هي ظهور نسخة أكثر عنفاً وتشدداً وإيديولوجية، وربما أكثر تركيزاً على المستوى العالمي من ذي قبل، من حركة حماس. ويختتم الكاتب المقال بالإشارة إلى أنه رغم الخطاب الغربي، لن يكون هناك حل الدولتين، ولن يكون هناك احتمال كبير لاتخاذ خطوات ذات معنى نحو تحقيق هذا الحل. وبدلاً من ذلك، ستكون هناك دورات متكررة من العنف تنتصر فيها إسرائيل على الفلسطينيين، إلى أن تعجز عن تحقيق هذا النصر ذات يوم. وعندها، سيكون يوم الحساب مروعاً.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية