تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مصطلح جديد انتشرت في مصر في ظل التغيرات الاقتصادية وتسارع الرقمنة، وهو ما يعرف بـ "الوظائف المرنة"؛ مثل العمل كسائق عبر تطبيقات إلكترونية، عامل توصيل في شركات ذات تطبيقات، مندوب مبيعات لشركات أونلاين، أو غيرها من الوظائف غير المستقرة، والتي تقدم حرية ظاهرية في الوقت والاختيار، لكنها تفتقر إلى الأمان الوظيفي، والتأمين الصحي، والتأمينات الاجتماعية، والمعاشات، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرتها على تحقيق الاستقرار للأجيال الجديدة.
دون غطاء قانوني
يقول محمد علي 27 عاماً، مهندس يعمل كسائق في إحدى تطبيقات التوصيل منذ عامين، لجأت للعمل في توصيل المواطنين لأماكن طلبهم عبر منصة إلكترونية شهيرة، بسبب عدم وجود دخل لي، حيث بحثت عن عمل في مجال تخصصي الدراسي، ولكني لم أجد، ولم يكن أمامي سبيل سوى ذلك، فلا أمتلك عقد عمل، ولا أحصل على تأمين صحي، أو اجتماعي، ولكني أحصل على دخل جيد طالما أعمل، ولكن ينقطع هذا الدخل في حالة مرضي، أو وقف عملي بالتطبيق لأي سبب، سواء إجازة أو انقطاع إنترنت أو مشكلة في التطبيق الإلكتروني، ولذلك اضطررت لتحميل عدة تطبيقات لشركات إقلال أخرى في نفس التخصص، وأفتحها جميعا وأقبل طلبات المواطنين عليها.
ومثله سيد أحمد، 55 عاماً، سائق في عدد من المنصات الإلكترونية، والذي أكد على عدم وجود تأمينات اجتماعية تضمن حقوقه في هذه المنصات، والتي يعمل بها منذ انطلاقها في مصر قبل 8 سنوات تقريباً، وبالتالي ليس له حق في الحصول على معاش، ولكن ليس أمامه حل آخر، ويأمل أن تقنن أوضاع هذه المهن حفاظاً على حقوق العاملين بها.
حرية زائفة
محمد النجار، مندوب توزيع في إحدى المنصات، قال أن هناك حرية ظاهرية في اختيار أوقات وأماكن العمل في جهة عمله، ولكن في الحقيقة هي حرية زائفة، فهو مجبر على تنفيذ "الأوردر" كما هو، دون مناقشة، متحملاً أعباءه وتبعاته، دون التزام الجهة طالبة الأوردر بأي حقوق تجاهه، حتى أنها لا تضمن تحصيل مقابل الشحن من العملاء عندما تطلب حقوقها من العملاء، وهو ما يتسبب له في خسارة مادية محتملة طوال الوقت، وخاصة في حالة عدم رضاء العميل عن الخدمة، أو المنتج المطلوب توصيله نفسه، وبالتالي يرفض استلامه، أو دفع تكاليف الشحن، بينما هي أجر المندوب في الأساس، فيضطر لتحمل تكاليف الانتقال إلى العميل، وإعادة المنتج لمخزن التوزيع مرة أخرى.
حجم انتشار الوظائف المرنة
وفقًا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن أكثر من 63% من الشباب العاملين، في الفئة العمرية من 18 إلى 35 عاما، يعملون في وظائف غير منتظمة، وحسب محمد إبراهيم، الخبير الاقتصادي، الكثير منهم يعملون في أنشطة مثل التوصيل والخدمات عبر التطبيقات الإلكترونية، وهناك تقديرات غير رسمية تشير إلى أن عدد السائقين المسجلين على منصة أوبر وحدها، يتجاوز 90 ألف شخص في مصر، في حين يعمل عشرات الآلاف في ديليفري وطلبات وغيرها.
وقال أن غالبية من يعملون في هذه الوظائف لا يمتلكون عقود عمل رسمية، وبالتالي لا يوجد ما يثبت عملهم بها، أو آية حقوق لهم، وهذا ما رصدته ووثقته مراكز بحثية ومنظمات حقوقية، منها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والتي أكدت على أن أكثر من 70% من العاملين في الاقتصاد الرقمي لا يمتلكون عقودًا رسمية.
غياب التأمينات الاجتماعية
لفت محمد إبراهيم، إلى أن أكبر مشكلات العمل المرن، هي غياب الضمانات، فلا يوجد تأمين صحي أو اجتماعي للعاملين بها، ولا حتى تعويضات عند الإصابات، فرغم توسع العمل في هذه المنصات غير الرسمية، إلا أن ذلك يأتي على حساب حقوق العمال، ولذلك فهم يفتقدون الحد الأدنى من الأمان المهني، ويضطرون للجوء إليها كحل مؤقت بسبب البطالة، وقلة فرص التوظيف المستقرة، وخاصة أنها لا تتطلب مهارات خاصة، وتُوفر دخلا يوميا قد يفوق الوظائف التقليدية، ولذلك يلجأ الكثير من الموظفين للعمل بها بعد مواعيد العمل الرسمية، لتحسين الدخل.
التهرب من الالتزامات
ويؤكد أحمد عمر، خبير التنمية البشرية، على أن الوظائف المرنة، قد تكون فرصة وقتية للهروب من البطالة، لكنها تُشكل تهديدًا على مستقبل الشباب، خاصة في ظل غياب الأطر القانونية، فبدون ضمانات حقيقية، تبقى حرية العمل سرابًا في صحراء الواقع الاقتصادي.
وأشار إلى أن الشباب العامل في هذه التطبيقات الإلكترونية، هو من يتحمل المخاطر والتكلفة، لأن الشركات التي يعمل بها لم تحفظ حقه، وغالبيتها غير مرخص في مصر، ولا تدفع مستحقات الدولة من ضرائب ورسوم وغيرها، فهي تجني الأرباح فقط دون التزام بحقوق أو معايير أو بالتزامات تجاه الدولة أو العمال، وخاصة في ظل عدم وجود قانون محدد في مصر ينظم علاقة العمل بين هذه المنصات والعاملين بها، حتى زادت المطالب بوضع تشريعات تلزم الشركات بالتأمين على العاملين، ومنحهم حدًا أدنى من الدخل، وتسجيلهم ضمن فئات العمالة الرسمية.
خطوات إصلاحية
ويرى عمر، أنه على وزارة العمل، حصر العاملين في الاقتصاد غير الرسمي، وتقديم دعم تأميني لهم، لكنها لم تشمل حتى الآن عمال التطبيقات بشكل مباشر ومنهجي، مما يخلق أثراً سلبياً مستقبلاً على المجتمع والاستقرار الاقتصادي، منها حرمان جيل كامل من الحق في المعاش والرعاية الصحية، وعدم القدرة على الادخار أو بناء مستقبل أسري مستقر، وزيادة الفجوة بين الطبقات نتيجة عدم المساواة في الحقوق، إضافة إلى ضعف الإنتاجية الوطنية نتيجة غياب التأهيل المهني.
حلول مقترحة
وحصر خبير التنمية البشرية، الحلول المقترحة لأزمة العمالة في المنصات والوظائف المرنة، في إصدار قانون أو لائحة عمل شاملة تنظم العلاقة بين المنصات والعاملين، وتخصيص صندوق تأمين اجتماعي خاص بالعاملين في الوظائف المرنة، وإلزام الشركات باقتطاع نسبة من الأرباح لصالح تغطيات تأمينية، وإطلاق برامج تدريب وتأهيل لتحسين فرص العاملين للانتقال إلى وظائف مستقرة.
قانون التأمينات
ألزم قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الجهات الحكومية والخاصة، بتقديم بيانات دقيقة عن العاملين وأجورهم واشتراكاتهم، مهددا المخالفين بعقوبات صارمة، وتشمل العقوبات الحبس حتى سنة وغرامة من 50 إلى 100 ألف جنيه، حال الإخلال بالإجراءات، مثل عدم نقل المصاب للعلاج أو عدم إبلاغ الشرطة بالحادث، وتُغلّظ العقوبة إلى الحبس حتى 3 سنوات، وغرامة تصل لمليون جنيه إذا نتج عن الإهمال وفاة أو عجز دائم، كما يعاقب بغرامة من 20 إلى 50 ألف جنيه، كل من يمتنع عن تقديم بيانات العاملين أو ملفاتهم التأمينية، أو عن تنفيذ طلبات الهيئة، وتُضاعف العقوبة في حال تكرار المخالفات.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية