تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : صور| نزلاء دور المسنين في رمضان.. يجمعهم الجدران وحلم الاهتمام
source icon

سبوت

.

صور| نزلاء دور المسنين في رمضان.. يجمعهم الجدران وحلم الاهتمام

كتب:سناء الطاهر

في صمت جلست وكأنها في محراب للتعبد.. تمسك خيوطها وإبرتها للكورشيه، تغزل إحدى قطعها.. هذا المشهد هو ملخص متكرر يوميا لحياة الحاجة سماح، إحدى نزيلات واحد من دور المسنين في القاهرة يوميا.. هذا الملخص قد يبدو مختلفا مع جارتها في نفس الغرفة، أو جارها في غرفة مجاورة بنفس الدار.. لكنه في الحقيقة لا يختلف إلا في تفاصيل بسيطة للغاية.. لكنه يتشابه في الكثير من المعاناة.

الحاجة سماح وأقرانها من نزلاء دور الرعاية،  يجمعهم حلم زيارة أحد من ذويهم، في شهر رمضان، باعتباره موسم التراحم والمودة وصلة الرحم، يتوقون للحديث مع أبنائهم وأحفادهم، وتبادل الضحكات والابتسامات التي تقتل يأسهم، وتروي ظمأهم لنكهة الشهر الكريم وتحضيرات العيد، وعناق الأحباب ورائحة الخير،  فيذوقوا طعم حصاد سنينهم، التي ذهبت سرابا.

صانعة الكورشيه

"باتكسف لما بقول بقالي كام سنه هنا".. بتلك الكلمات البسيطة، بدأت الحاجة سماح حديثها معي،  قبل أن تواصل، أنه لا تتذكر غير أنها جاءت إلى الدار بعد وفاة ابنتها التي كانت تهتم لأمرها، وبعد أن اصابها سرطان الثدي، وهزمتها بعض أمراض الشيخوخة،  لم يتحملها أبنائها وتركوها، دون أن يقم أحدهم بالسؤال عنها منذ سنوات .

الحاجة سماح، التي  تقضي  يومها في الدار في عمل الكورشيه، وصنعت لنفسها منه مفرش وجواكت والعديد من الأشياء التي تزين مكانها حتي تكسر حصار الذكريات، كانت في مثل تلك الأيام منذ سنوات لم تعد تحصي عددها،  تقف في مطبخها بشقتها الواقعة في أحد أحياء القاهرة الراقية تعد الصواني والحلويات ويعمر منزلها بصوت أسرتها التي تخلت عنها في كبرها، هكذا روت قبل أن تستطرد: "مازلت أحبهم وانتظرهم وأعيش على أمل أن يزوروني"

سكتت لبضع ثواني وكأنها تسترجع شريط ذكرياتها، قبل أن تختتم كلامها معي بقولها:  "تعالي لزيارتي من جديد ولا تنسيني".

على قيد الحياة

وعلى كرسي، هزمته أيضا السنوات فراح يصدر أصواتا بجالسه، في بهو الدار التي ازدانت جدرانها ببعض رسومات وبقايا لزينة رمضان، جلس المهندس حامد،  فبعد خروجه لسن المعاش، مرضت زوجته بالسرطان،  فلم يتحملها أبنائها وأرسلوها لشقيقتها لتهتم بها،  وتركوه وحيدا، بعد انشغل كل منهم بحياته،  حتي اضطر إلى أن  يذهب بنفسه لدار رعاية المسنين، ليجد من يهتم بأمره.

 حامد يكسر حزنه بمداعبة الآخرين من نزلاء الدار،  وتبادل الحديث والضحكات معهم، وعندما يخلو لنفسه،  تقتله العزلة واليأس بعدما جار عليه أولاده ، فهو قدم لهم طوال سنين شبابه ما جادت به نفسه من كرم الأبوة والعطف والحنان، لكنهم لم يقدموا له إلا النكران.

 داعبني خلال حديثي معه عندما سألته كيف يقضي يومه في رمضان باسما: "رمضان في دارنا حاجه تانية "، قبل أن يصمت لبرهة، ويعود للحديث مواصلا: "رمضان كأي وقت آخر، نأكل ونشرب وننام ونصحو.. لكنه فرصة لمزيد من قراءة القرآن والصلاة، والدعاء، ومساعدة من حولي على قدر استطاعتي".

وقال: "رغم إننا نتناول هنا أحسن أنواع الطعام.. إلا إني أفتقد رائحة المحشي في بيتي مع زوجتي وأولادي.. زمان كان فيه عائلة وعزائم ودفء.. إنهاردة بفرح لما أي حد ييجي يزور الدار وباحس إننا مش منسيين ولسه عايشين".

إنتظار لرائحة الأسرة

 لم يتوقع عم حسني محاسب سابق بالجهاز المركزي للمحاسبات يوما يجد فيه نفسه مع اخرين في دار مسنين، وخصص له غرفة صغيرة يسودها الصمت، بعيدًا عن صوت أحفاده الذين اعتاد سماعهم، ويصمت قليلا لينعش ذاكرته بتلك الأصوات تترقب عيناه باستمرار باب غرفته لعل زائرا دافئا يطل عليه، وهو يحمل معه بعضا من رائحة الأسرة التي عاش فيها راعيًا ومسؤولا.

فبعد أن توفيت زوجته ظل يعاني من الوحدة، وانشغل أبنائه بحياتهم ولم تتحمله زوجة ابنه جاء الي الدار قبل أربع سنوات وعندما تسمح له صحته الذهاب ليراهم ساعات قليلة ويعود.

عم حسني، حاله كحال جيرانه في الدار،  يفتقد "الونس".. صوت زوجته في المطبخ وهي تنادي عليهم بفرح لتبلغهم أنها جهزت لكل واحد من الأسرة،  طبقه المفضل لتمتلأ السفرة بالأطباق، وأيضا الضحكات والحكايات.

 يفتقد عم حسني أيضا لسوبيا وعرقسوس زمان، هكذا أخبرني، قبل أن يستطرد: " الطعم اتغير"،  وبرغم أنه يواظب علي طقوس رمضان في نزول المسجد وتلاوة القرآن ومتابعة التليفزيون، لكنه لا يشعر بطعم الحياة .

هربا من الوجع

مني أحمد مديرة الدار، أكدت أن كبير السن يحتاج إلى الاهتمام به، والمساعدة على الاعتناء بصحته وتغذيته وسلامته، قبل أن تتابع :"وهذا ما تقوم به الدار،  لتوفير الدعم المعنوي لنزلائها،  برغم قلة الإمكانيات فلكل منهم حكاياته التي يخفيها هربا من الوجع ".

وأضافت: "يوجد بالدار 15 مسنا منهم 11 من الذكور و4 من الإناث، البعض بحكم السن يعانوا من أمراض مزمنة والأغلب إن لم يكن جميعهم يعانون دوما من حالات الاكتئاب لافتقادهم الحياة الأسرية،  وشوقهم لأبناء استغرقتهم شئون الحياة فقسوا عليهم" .

كفالة مسن

وأشارت مني ، إلى أن التواصل من قبل ذويهم قليل للغاية، وفي بعض الحالات منعدم، لدرجة أنه منذ شهور توفيت إحدى النزيلات ، ولم يأت أحد من ذويها لدفنها وتولينا مع الجهات المختصة دفنها، وتابعت: "لكن علي الجانب الآخر يأتي لزيارتهم أو الاتصال والاطمئنان عليهم بعض المهتمين أو مجموعات من الشباب بشكل شخصي،  بالإضافة إلى المبادرات مثل حياه كريمة، خاصة في الشهر الفضيل".

ودعت مديرة الدار،  المؤسسات الرسمية والجمعيات الكبري ورجال الأعمال  لتوفير جزء من خدماتها العينية لدور المسنين، وأن  يكونوا مشرفين عليها، مشيرة إلى أهمية إنشاء فكرة مشروع "كفالة مسن"، في الوقت الذي تمر في المؤسسات الرعائية لكبار السن بأوضاع اقتصادية صعبة.

 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية