تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : من رمز للنظافة إلى مصدر للسموم.. الوجه الآخر لصابون المواعين
source icon

سبوت

.

من رمز للنظافة إلى مصدر للسموم.. الوجه الآخر لصابون المواعين

كتب:مروة علاء الدين

في كل منزل، تقف زجاجة صابون غسيل الصحون شامخة، رمزًا لا غنى عنه للنظافة والبريق، نثق في رغوتها الكثيفة ورائحتها المنعشة لتُعيد لأوانينا لمعانها، لكن ماذا لو كانت هذه الثقة عمياء؟ ماذا لو كانت الرائحة التي تملأ مطابخنا قناعًا يخفي وراءه "سمومًا صامتة" تتسلل إلى أجسادنا ببطء وتُهدد صحتنا على المدى الطويل؟

هذا التقرير يدق ناقوس الخطر، ويكشف الستار عن الوجه الآخر الخفي لصابون غسيل الصحون، محولًا إياه من مجرد أداة للتنظيف إلى مصدر محتمل لمخاطر صحية، سنغوص في أعماق التركيبات الكيميائية لهذه المنظفات لنكتشف كيف أن النظافة الحقيقية لا يجب أن تُكلفنا صحتنا، وأن الوعي هو خط الدفاع الأول ضد هذه المخاطر الصامتة التي قد نستخدمها يوميًا دون أن ندري.

الجلد والمنظفات
تُعد الأمراض الجلدية من أكثر المشكلات شيوعًا بين من يتعاملون مع المنظفات يوميًا، خصوصًا ربات البيوت والعاملين في المطابخ، يؤكد الدكتور وائل عبد الرحمن، استشاري الأمراض الجلدية، أن المنظفات السائلة تحتوي على مواد تُعرف باسم المواد الخافضة للتوتر السطحي، وهي المسئولة عن إزالة الدهون والأوساخ لكنها في الوقت نفسه تُضعف الطبقة الدهنية الواقية للبشرة.

ويوضح د. عبد الرحمن، هذه المواد تعمل على كسر التوتر السطحي للماء والدهون، مما يمكنها من اختراق البشرة وإذابة الطبقة الدهنية الواقية، والمعضلة أن هذه المواد تذيب الزيوت الطبيعية في الجلد، ومع الاستخدام اليومي دون قفازات، تظهر حالات الإكزيما والتهاب الجلد التماسي بكثرة.

ويضيف، رأيت في العيادة عشرات الحالات من سيدات يعانين من تشقق اليدين واحمرار مزمن بسبب غسيل الأواني يوميًا دون حماية، بعض هذه الحالات تتطور إلى تشققات عميقة ونزيف، خاصة في الأصابع وما بين الأصابع حيث الجلد أكثر حساسية.

وينصح د. عبد الرحمن بـارتداء القفازات القطنية أسفل البلاستيكية لتقليل الاحتكاك المباشر مع المواد الكيميائية، مع ترطيب اليدين بعد الانتهاء مباشرة باستخدام مرطبات تحتوي على السيراميدات أو الجلسرين التي تساعد في إعادة بناء الحاجز الجلدي.

ويشدد على أن الحل ليس في التوقف عن التنظيف، بل في استخدام المنظفات بحذر وتجنّب الإفراط في الكمية أو خلطها بمواد أخرى مثل الكلور أو الخل المركز.

السموم الصامتة
تحذر الدكتورة منى الشاذلي، أستاذة الكيمياء الحيوية، من أن الخطر في صابون غسيل الصحون ومنتجات التنظيف لا يكمن في الاستخدام المباشر، بل في التعرض المستمر لمكوناتها على مدار سنوات، وتوضح أن بعض المواد الحافظة والعطور الصناعية، مثل البارابين، تُصنف ضمن المواد المشتبه في كونها مخلّة بالغدد الصماء، أي أنها قد تتداخل مع نظام الهرمونات في الجسم.

وتضيف د. الشاذلي، هذه المركبات قد تحاكي عمل الهرمونات الطبيعية أو تمنعها، ما يؤدي إلى اختلال التوازن الهرموني الدقيق في الجسم، تراكمها مع الزمن من مصادر متعددة مثل المنظفات والشامبو والعطور قد يؤدي إلى خلل هرموني، خصوصًا لدى النساء والأطفال، رائحة النظافة لا تعني الصحة، فالعطور الصناعية من أكثر المكونات المرتبطة بالحساسية واضطرابات الهرمونات، لذا يُفضل استخدام منتجات خالية من العطور والبارابين كلما أمكن.

وتشير أستاذ الكيمياء الحيوية، إلى توصيات هيئات علمية مثل البرنامج الوطني الأمريكي لعلم السموم (NTP) والوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية (ECHA)، التي أوصت بتقليل استخدام هذه المركبات في منتجات التنظيف المنزلية، خاصة لحماية الفئات الحساسة مثل الحوامل والأطفال.

تهديد للرئتين
أظهرت دراسة أوروبية واسعة أجراها المعهد النرويجي للصحة العامة على أكثر من 6000 مشارك أن الاستخدام المتكرر للمنظفات الكيميائية يؤدي إلى تراجع في وظائف الرئة بمعدل يُقارن بتأثير التدخين طويل الأمد، وقد نشرت النتائج في المجلة الأمريكية لأمراض الجهاز التنفسي والعناية المركزة، مشيرة إلى أن أبخرة المنظفات والعطور المتطايرة قد تهيّج الشعب الهوائية وتزيد من خطر الإصابة بالربو.

وتوضح د. منى أن المركبات العضوية المتطايرة (VOCs) في المنظفات قد تسبب التهابًا في الشعب الهوائية وتؤدي إلى تضيقها، مما يزيد صعوبة التنفس، التعرض المنتظم لهذه الأبخرة يعادل تدخين 20 سيجارة يوميًا لمدة 10 إلى 20 عامًا من حيث تأثيرها على وظائف الرئة.

ويؤكد الخبراء أن التهوية الجيدة أثناء الغسيل خطوة أساسية لتقليل استنشاق هذه الأبخرة، وأن اختيار المنظفات الخالية من الروائح القوية يقلل من خطر التحسس التنفسي بنسبة تصل إلى 30٪ وفقًا لدراسات متعددة.

اختراق الحواجز البيولوجية
تشير دراسات حديثة إلى أن تأثير المنظفات لا يقتصر على الجلد، بل قد يمتد إلى الأعضاء الداخلية في حالات التعرض المزمن أو غير الآمن، فقد أظهر بحث منشور في Journal of Allergy and Clinical Immunology أن بعض المواد السطحية في المنظفات قد تضعف الحاجز المعوي وتزيد من نفاذيته، وهو ما يُعرف بـ"تسرّب الأمعاء"، في تجارب مختبرية محدودة.

وتعلق د. الشاذلي، هذه الدراسات ما زالت أولية وتحتاج إلى مزيد من البحث، لكنها تشير إلى أن الجزيئات الصغيرة من المنظفات قد تتفاعل مع الخلايا المعوية وتؤثر على نفاذيتها، مما يسمح بمرور مواد ضارة إلى مجرى الدم.

الصابون والسرطان
رغم انتشار تحذيرات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن علاقة صابون غسيل الصحون بالسرطان، إلا أن الدراسات الوبائية الكبرى بما في ذلك تقارير الجمعية الأمريكية للسرطان (ACS)، لم تثبت وجود علاقة مباشرة بين استخدام صابون غسيل الصحون والإصابة بالسرطان، وتشير إلى أن المادة الوحيدة المثيرة للقلق هي 1,4-ديوكسان، وهي لا تُضاف عمدًا بل تنتج أثناء التصنيع، لكنها تخضع لرقابة صارمة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، التي تشجع المصنعين على إزالتها، كذلك فإن الجرعات التي قد تصل للإنسان من خلال صابون غسيل الصحون ضئيلة جدًا، ومع ذلك، ننصح المستهلكين بشراء المنتجات من شركات معروفة تلتزم بمعايير الجودة والسلامة.

وتشير د. منى إلى أن الأطفال والرضع أكثر عرضة لتأثير الرواسب الكيميائية بسبب ضعف جهازهم المناعي والهضمي، وتكرار وضع الأشياء في الفم يزيد من احتمالية التعرض، لذلك يُنصح بالشطف الجيد للأواني والزجاجات لتقليل المخاطر.

نصائح الاستخدام الآمن
-ارتدِ القفازات المصنوعة من النتريل أو الفينيل بدلاً من اللاتكس لتجنب تهيج الجلد والحساسية.
-استخدم التهوية المناسبة، افتح النوافذ وشغّل الشفاط أثناء الغسيل لتقليل استنشاق الأبخرة.
-اختر منتجات خالية من البارابين والعطور الصناعية لتقليل المخاطر الهرمونية والحساسية.
-اقرأ الملصقات بعناية وتجنب المنتجات التي تحتوي على DEA وTEA وSLS.
-لا تخلط الخل بالصابون السائل، فالتفاعل بين الحمض والقلوي يُفقد كليهما فاعليته، استخدمي كل مادة على حدة—الصابون لإزالة الدهون أولًا، ثم الخل المخفف في مرحلة الشطف الأخيرة.
-اشطف الأواني جيدًا بالماء الجاري للتأكد من إزالة جميع بقايا المنظفات.

بدائل طبيعية 
يقول الدكتور أحمد سامي، أستاذ الكيمياء الحيوية، إن هناك بدائل طبيعية فعالة يمكن أن تحل محل صابون غسيل الصحون التجاري الذي يحتوي على مركبات كيميائية قد تهيّج الجلد والجهاز التنفسي عند الاستخدام المتكرر، ويوضح أن من أبرز هذه البدائل الآمنة:

-خليط الخل وبيكربونات الصوديوم الذي يعمل كمزيل قوي للدهون ومعقم طبيعي دون أي آثار جانبية.
-الليمون والملح كمزيج يزيل البقع ويمنح لمعانًا للأواني المعدنية.
-صابون زيت الزيتون الطبيعي الذي ينظف بلطف ويحافظ على ترطيب البشرة.
-فوط الألياف الدقيقة (Microfiber) التي يمكنها تنظيف الأواني بالماء فقط بفضل تركيبها الفريد القادر على التقاط الدهون.
-وأخيرًا الخل الأبيض الذي يعد مطهرًا طبيعيًا ويزيل الرواسب الكلسية بفعالية.

ويؤكد د. سامي أن العودة إلى المواد الطبيعية لا تعني التنازل عن النظافة، بل اختيار طرق آمنة تحمي صحة الإنسان والبيئة في آن واحد.

وأخيرًا، صابون غسيل الصحون ليس عدوًا للصحة، لكنه أداة تحتاج إلى وعي في الاستخدام. فالمشكلة لا تكمن في المنتج بحد ذاته، بل في طريقة التعامل معه، القفازات، التهوية الجيدة، والاختيار الذكي للمنتج، خطوات بسيطة كفيلة بأن تجعل النظافة لا تأتي على حساب صحة اليدين أو الجهاز التنفسي.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية