تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
في وقت تتغير فيه خرائط القوة وموازين الردع حول العالم، يثبت الجيش المصري أنه ليس مجرد قوة عسكرية تقليدية، بل عقل استراتيجي قادر على صناعة التفوق، فالتنوع في مصادر السلاح، والدخول بقوة إلى مجال تطويره وصناعته، يعكس عقلية مصرية واعية تدرك أن السلاح الحقيقي يبدأ من الفكر قبل الآلة، ومن القدرة على استيعاب التكنولوجيا وتسخيرها لخدمة الأمن القومي، إنها معادلة الردع التي لا تقوم فقط على شراء السلاح، بل على امتلاك سرّه وإعادة تشكيله بما يتناسب مع التحديات، لتظل مصر في طليعة الدول القادرة على حماية أرضها وصون هيبتها، بسلاح تصنعه الأيدي المصرية وعقل يصوغه فكر استراتيجي لا يعرف المستحيل.
مصادر السلاح
وفى هذا السياق، يقول اللواء الدكتور محمد الغباري، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، إن الفكر المصري في إدارة السياسة الخارجية للدولة قائم على مبدأين أساسيين هما المصالح المشتركة والمصالح المتبادلة، بما يضمن استقلال القرار المصري، ولتحقيق ذلك كان لابد من تأمين مصادر السلاح، فكان الاتجاه منذ البداية إلى تنويع مصادر التسليح باعتبار أن السلاح هو القوة الأولى للقوات المسلحة، ومن ثم فإنه يقوي الدولة ويحافظ على أمنها القومي، ويضيف د. الغباري أن تقوية القوات المسلحة هي الرادع لأي تهديد، خاصة أن عملية تطويرها جرت في وقت كانت فيه مصر تخوض حربًا شرسة ضد الإرهاب وتواجه في الوقت نفسه مشروع الشرق الأوسط الكبير، الأمر الذي تطلب وجود قوة عسكرية قادرة على مجابهة التحديات كافة.
التطوير وتحديث المنظومة
ويواصل د. الغباري حديثه موضحًا أن تطوير القوات المسلحة جاء متناغمًا مع طبيعة الحرب على الإرهاب، فتمت إعادة تنظيم التشكيلات العسكرية بما يتناسب مع مواجهة هذا الخطر، كما جرى تحديث الأسلحة الخفيفة والمهمات الخاصة التي يحتاجها المقاتل في تلك المواجهات، مؤكداً أن معرض "إيديكس" للصناعات الحربية كان نموذجًا حيًا لما أنجزته مصر في مجال التصنيع الحربي، من خلال تقديم معدات وأسلحة ملائمة للحرب غير التقليدية.
تأمين الحدود والاتجاهات الاستراتيجية
وأشار د. الغباري إلى أن مصر تعرضت للتهديد على مختلف الاتجاهات الاستراتيجية، وهو ما فرض ضرورة التفكير في آليات الردع، ففي الشمال كان لابد من مواجهة التحديات البحرية عبر تطوير القوات البحرية، فانضمت حاملتا المروحيات "مسترال" وعدد من الغواصات الحديثة ولنشات الصواريخ، كما تم إنشاء أسطولين في الشمال والجنوب بما أتاح تأمين البحرين الأحمر والمتوسط.
أما في الاتجاه الشمالي الشرقي فقد واصلت القوات المسلحة تمركزها في شمال سيناء لمواجهة الإرهاب وضمان عدم عودته، مع القضاء على الأنفاق التي كانت تهدد الأمن القومي وتأمين الحدود مع غزة بشكل كامل.
وفي الاتجاه الغربي كان الإرهاب متمركزًا على الحدود الليبية، ومع التنسيق مع الجيش الليبي تم طرد الجماعات المسلحة من الشرق الليبي وحصرها في الغرب، وجاء إعلان خط سرت-الجفرة خطًا أحمر ليؤكد أن مصر استخدمت الردع عبر التهديد بالقوة.
وواجهت مصر من جهة الجنوب أزمة تدفق الفارين من الحرب في السودان، حيث بذلت جهودًا كبيرة لفرزهم ومنع تسلل العناصر الإرهابية، حتى تمكن السودان من استعادة جزء من استقراره وتمت إعادة كثير من النازحين إلى بلادهم، وهو ما عكس نجاح القوات المسلحة في تأمين حدودها الجنوبية.
قفزات نوعية
وعن أبرز الأسلحة التي جرى تطويرها، أوضح د. الغباري أن القوات الجوية حصلت على طائرات "رافال" لتعزيز المدى العملياتي، إلى جانب طائرات "ميج 29" القادرة على الطيران لفترات طويلة، فضلًا عن الطائرة الروسية "كا 52" التي حصلت مصر على حق إنشاء مركز صيانة لها في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي خطوة تمثل بداية قوية لدخول مصر مجال الصناعات الحربية وصيانة الطائرات المتطورة، كما شهدت القوات الجوية تطويرًا للطائرات المجهزة بالتزود بالوقود في الجو.
أما سلاح المدرعات فقام بإدخال تعديلات جوهرية على الدبابة "إم 1" لتناسب طبيعة مسرح العمليات المصري، إضافة إلى تطوير المركبات المجنزرة والمركبات المقاومة للألغام التي كان لها دور محوري في الحرب على الإرهاب، مع تدعيم المشاة بمركبات حماية متطورة.
وفي سلاح المدفعية تم تطوير المدفع الكوري بعيد المدى وربطه بمنظومة قوية ترفع من كفاءة الاستخدام، خاصة أثناء المناورات.
أما في القوات البحرية فقد نجحت مصر في تصنيع الفرقاطة "فريم" داخل قاعدة الإسكندرية بالتعاون مع فرنسا، كما وصلت نسبة التصنيع المحلي في الدبابة "إم 1" إلى نحو 90%.
استراتيجية شاملة
ويقول اللواء عادل العمدة، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، إن الرئيس السيسي منذ توليه الحكم في يونيو 2014 وضع استراتيجية شاملة لبناء وتطوير القوات المسلحة، ارتكزت على رفع الكفاءة القتالية من خلال تحديث التسليح والتدريب وتنويع مصادر السلاح وتعزيز الجاهزية القتالية والروح المعنوية، فضلًا عن أعمال تنظيمية محكمة، وأكد العمدة أن تلك الخطوات كانت مثمرة وناجحة لأنها بنيت على أسس علمية سليمة وواكبت متطلبات العصر.
توطين الصناعات الحربية
وأضاف العمدة أن الصناعات العسكرية المصرية شهدت طفرة كبيرة خلال السنوات الماضية، حيث ارتبط ظهورها بمعارض "إيديكس" التي شكلت منصة مهمة لعرض القدرات المصرية، سواء من خلال التصنيع المحلي أو عبر الشراكات مع دول كبرى في مجال التسليح، وأوضح أن مصر وقعت العديد من مذكرات التفاهم التي أتاحت لها الاستفادة من الخبرات العالمية ونقل المعرفة العلمية والتكنولوجية في مجال تطوير السلاح، إلى جانب تنظيم تدريبات مشتركة مع قوى عظمى متعددة لصقل مهارات المقاتلين ورفع كفاءتهم القتالية، بما يضمن جاهزية كاملة لمواجهة التهديدات في مختلف الاتجاهات.
قواعد عسكرية حديثة
وأشار العمدة إلى أن تعزيز قدرات الردع تجسد كذلك في إنشاء قواعد عسكرية حديثة مثل قاعدة برنيس، التي جاءت في إطار انتشار استراتيجي يحقق السيطرة على جميع الاتجاهات، كما لفت إلى أن القوات المسلحة المصرية تولي اهتمامًا كبيرًا بإرسال بعثات من أبنائها للتعلم في المؤسسات العسكرية بالدول الصديقة، واستضافة وفود عسكرية للتدريب داخل مصر، وهو ما يعكس انفتاحًا مدروسًا على تجارب الدول الأخرى للاستفادة منها وتطوير المنظومة العسكرية المصرية.
عقلية فريدة
وفيما يتعلق بعقلية المقاتل المصري، أكد العمدة أن القوات المسلحة تمتلك مراكز أبحاث متخصصة تعمل على تطوير السلاح والمعدات باستخدام الهندسة العكسية للتعرف على نقاط القوة والضعف والاستفادة منها، وأوضح أن الجيش المصري يضم عناصر فنية وبحثية على درجة عالية من الكفاءة والقدرة على استيعاب أحدث العلوم والتكنولوجيا المتاحة، وهو ما يطمئن الشعب المصري إلى أن عقول أبنائه في القوات المسلحة قادرة على تعظيم الاستفادة من المعدات والأسلحة بما يتوافق مع الأعراف الدولية ويحقق لمصر الأمن والاستقرار.
من الاستيراد إلى التصنيع
واختتم العمدة مشيرًا إلى أن القوات البحرية المصرية لم تعد تكتفي بالحصول على القطع البحرية جاهزة من الخارج كما كان الحال في الماضي، بل أصبحت تبنيها داخل الترسانة البحرية المصرية، حيث نجحت في تصنيع عدد من القطع مثل "الجلالة" و"بورسعيد" بالتعاون مع الجانب الفرنسي، وهو ما يعكس بوضوح قدرة العقلية المصرية على تبني أفكار جديدة وتحويلها إلى إنجازات ملموسة تؤكد أن مصر تخطو بثبات نحو امتلاك صناعة عسكرية متكاملة قادرة على تلبية متطلبات أمنها القومي وردع أي تهديدات محتملة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية