تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
تُعدُّ المتاحف حول العالم حصونًا للذاكرة الإنسانية ومخازن للتراث الذي يروي تاريخ الحضارات. ورغم الإجراءات المشددة التي تعتمدها المؤسسات الثقافية لحماية مقتنياتها، فإن عمليات السرقة ما زالت تتكرر من حين لآخر، سواء في كبرى المتاحف العالمية أو داخل متاحف الشرق الأوسط، ما يطرح أسئلة واسعة حول قدرة النظم الأمنية التقليدية على مجابهة أساليب العصابات المنظمة، وحول ضرورة تطوير التشريعات وآليات الحماية.
وفي مصر، مثل غيرها من الدول ذات المخزون الحضاري الكبير، شهدت المتاحف أيضًا وقائع سرقة لقطع نادرة، بعضها أثار جدلًا واسعًا خلال السنوات الماضية.
حوادث سرقة تهز المتاحف
شهد العالم خلال الأعوام الأخيرة سلسلة من السرقات التي طالت متاحف دولية كبرى، أبرزها ما تعرض له متحف اللوفر بباريس مؤخرًا حين تمت السرقة بطريقة مختلفة حيث تمت الواقعة في دقائق معدودة وحطّم الجناة ثلاث خزائن عرض زجاجية (فتارين) واستولوا على تسع قطع أثرية من المجوهرات الملكية، بينها تيجان مرصعة بالألماس والياقوت، قبل أن يفرّوا من النافذة ذاتها مستخدمين الرافعة نفسها، وكأنهم في مشهد سينمائي محكم الإخراج.
وعلى الرغم من ندرة حوادث السرقة المباشرة في اللوفر، فإن الجدل الذي يثار بين حين وآخر حول تسريب قطع أو فقدها خلال النقل يكشف جانبًا من هشاشة المنظومة الدولية لتداول الآثار.
وفي مصر، لم تكن المتاحف بمنأى عن هذه الظاهرة، فقد شهد المتحف المصري بالتحرير واقعة اختفاء أسورة ذهبية ملكية تعود للعصر الفرعوني، وهي من القطع الدقيقة التي تحمل نقوشًا ملكية نادرة، ورغم إعادة هيكلة منظومة المخازن لاحقًا وتشديد الرقابة، فإن الحادثة بقيت شاهدًا على خطورة الإهمال الداخلي، خاصة في المؤسسات التي تضم مئات الآلاف من القطع.
كما طالت السرقات مواقع أثرية مفتوحة، حيث استُهدفت قطع صغيرة يسهل تهريبها، أو تم التلاعب في سجلات الجرد خلال فترات الاضطرابات، وتعكس هذه الوقائع كلها سياقًا عالميًّا يزداد فيه الطلب على الآثار النادرة، وتتنوع فيه أساليب التهريب من خلال شبكات منظمة ومحترفة.
وفي عام 2010 سرقت لوحة «زهرة الخشخاش» من متحف محمد محمود خليل، ولم تُستعد حتى الآن، وفي العام التالي تم الإعلان عن فقدان ثماني قطع أثرية أثناء الجرد بالمتحف المصري، أما عام 2014 فقد شهد اختفاء مشكاوات أثرية وبيعها لهواة جمع التحف، وبعد مرور العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين أعلنت السلطات العثور على لوحة الفنان عبد الهادي الجزار بعد اختفائها نصف قرن، كل حادثة من هذه الحوادث كانت جرس إنذار لم يُستمع إليه بما يكفي.
ليست رفاهية بل مسئولية حضارية
تؤكد الدكتورة نور جلال، أستاذ الآثار بجامعة عين شمس، أن قيمة الأثر لا تُقاس فقط بعمره أو مادته، بل بما يمثّله من هوية وذاكرة مجتمعية، وتشير إلى أن كل قطعة أثرية لها "سيرة ذاتية" مرتبطة بتاريخ حضارة كاملة، وفقدانها يعني ضياع جزء من سردية الوطن.
وتضيف أن حماية الآثار أصبحت ضرورة عالمية تتجاوز المفهوم التقليدي للأمن، إذ تعتمد على وعي العاملين وزوار المتاحف، وعلى وجود أنظمة جرد دقيقة، وخطط إنقاذ للطوارئ، ورقمنة شاملة للقطع والمقتنيات.
وترى د. نور، أن أهم خطوة للحماية تبدأ من تقييم المخاطر في كل متحف، وتحليل الثغرات الأمنية، ووضع خطط استجابة سريعة، مؤكدة أن الآثار أكثر عرضة للخطر في فترات التجديد، أو خلال عمليات النقل التي تستغلها عصابات التهريب.
مواجهة شبكات التهريب
من جانبه، يوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، أن منظومة حماية التراث تحتاج إلى تحديث تشريعي شامل، فالقوانين الحالية - رغم أهميتها - لم تعد كافية لردع الشبكات الدولية التي تعمل على سرقة وتهريب الآثار.
ويشير د. ريحان إلى ضرورة تغليظ العقوبات على كل من يشارك في تهريب أو حيازة قطعة أثرية، سواء كانت منقولة من المتحف أو مُستخرَجة من موقع أثري، كما يدعو إلى وضع تشريع يلزم بتوثيق رقمي كامل لكل قطعة داخل المتاحف، بحيث تصبح سجلات الجرد غير قابلة للتلاعب، ومتصلة بقواعد بيانات إقليمية ودولية، بما يساعد في تتبع أي قطعة مفقودة.
ويؤكد أن التعاون الدولي هو السلاح الأهم، موضحًا أن استرداد الآثار المسروقة يحتاج شبكة من الاتفاقيات الثنائية، وتواصلًا مستمرًا مع الأسواق الخارجية، إلى جانب دعم أجهزة الدولة بفرق متخصصة في استخبارات الآثار، وهو التخصص الذي تعتمد عليه دول أوروبية عدة في مكافحة الجريمة المنظمة.
التكنولوجيا خط الدفاع الأول
أما اللواء علي شاكر، مساعد وزير الداخلية الأسبق، فيرى أن تأمين المتاحف يجب أن يعتمد على أحدث أنظمة الحماية الإلكترونية، فالعصابات التي تستهدف الآثار لم تعد تعمل بأساليب بدائية، بل توظف التكنولوجيا والمعرفة الدقيقة بالثغرات الأمنية.
ويشير إلى أن حلول التأمين الحديثة تشمل كاميرات ذكية تعمل بالذكاء الاصطناعي، وأنظمة إنذار حساسة للّمس والاهتزاز، وأجهزة تتبع للقطع القابلة للنقل، فضلًا عن بوابات دخول تعتمد على القياسات الحيوية، كما يؤكد على ضرورة تدريب فرق أمنية متخصصة داخل المتاحف، بدلًا من الاعتماد على أنماط الحراسة التقليدية.
ويحذر من الاعتماد الكامل على التكنولوجيا دون دمجها مع العنصر البشري، موضحًا أن أكثر السرقات خطورة تحدث نتيجة تواطؤ داخلي أو سوء إدارة للمقتنيات، ولهذا ينبغي مراقبة حركة القطع بدقة، وتوثيق عمليات النقل، وتطبيق إجراءات صارمة للجرد الدوري.
الشركات مظلة إضافية للحماية
يرى خبراء التراث أن أحد أهم أدوات الحماية الحديثة هو التأمين التجاري للمعروضات، خاصة القطع النادرة التي تقدر قيمتها بملايين الدولارات، حيث يتيح التأمين لمؤسسات المتاحف الحصول على تغطية مالية في حال الفقد أو التلف، كما يجبر شركات التأمين على إجراء تقييم دوري لمستوى الأمان، وتقديم توصيات ملزمة لرفع كفاءة أنظمة الحماية.
ويُعد دمج شركات التأمين في منظومة المتاحف وسيلة ذكية لضمان رقابة خارجية مستمرة، فضلًا عن توفير مظلة مالية تساعد على مواجهة أي طارئ، وإن كان الخسارة المعنوية للقطعة الأثرية لا يمكن تعويضها بأي قيمة مادية.
تهديد حقيقي للتراث الإنساني
سرقات المتاحف ليست حوادث عابرة، بل تهديد حقيقي للتراث الإنساني، تتداخل فيه عوامل الإهمال، وضعف التشريعات، وتطور الجريمة المنظمة، حماية الآثار تتطلب منظومة متكاملة تشمل تشريعات رادعة، وتأمينًا تكنولوجيًّا متطورًا، ورقابة صارمة، وتأمينًا ماليًّا، إلى جانب وعي مجتمعي بأهمية ما تمثله هذه القطع النادرة، فالحضارة لا تُصان بالشعارات، بل بعمل يومي جاد يحفظ ذاكرة الأمة للأجيال القادمة.
وفي مصر، مثل غيرها من الدول ذات المخزون الحضاري الكبير، شهدت المتاحف أيضًا وقائع سرقة لقطع نادرة، بعضها أثار جدلًا واسعًا خلال السنوات الماضية.
حوادث سرقة تهز المتاحف
شهد العالم خلال الأعوام الأخيرة سلسلة من السرقات التي طالت متاحف دولية كبرى، أبرزها ما تعرض له متحف اللوفر بباريس مؤخرًا حين تمت السرقة بطريقة مختلفة حيث تمت الواقعة في دقائق معدودة وحطّم الجناة ثلاث خزائن عرض زجاجية (فتارين) واستولوا على تسع قطع أثرية من المجوهرات الملكية، بينها تيجان مرصعة بالألماس والياقوت، قبل أن يفرّوا من النافذة ذاتها مستخدمين الرافعة نفسها، وكأنهم في مشهد سينمائي محكم الإخراج.
وعلى الرغم من ندرة حوادث السرقة المباشرة في اللوفر، فإن الجدل الذي يثار بين حين وآخر حول تسريب قطع أو فقدها خلال النقل يكشف جانبًا من هشاشة المنظومة الدولية لتداول الآثار.
وفي مصر، لم تكن المتاحف بمنأى عن هذه الظاهرة، فقد شهد المتحف المصري بالتحرير واقعة اختفاء أسورة ذهبية ملكية تعود للعصر الفرعوني، وهي من القطع الدقيقة التي تحمل نقوشًا ملكية نادرة، ورغم إعادة هيكلة منظومة المخازن لاحقًا وتشديد الرقابة، فإن الحادثة بقيت شاهدًا على خطورة الإهمال الداخلي، خاصة في المؤسسات التي تضم مئات الآلاف من القطع.
كما طالت السرقات مواقع أثرية مفتوحة، حيث استُهدفت قطع صغيرة يسهل تهريبها، أو تم التلاعب في سجلات الجرد خلال فترات الاضطرابات، وتعكس هذه الوقائع كلها سياقًا عالميًّا يزداد فيه الطلب على الآثار النادرة، وتتنوع فيه أساليب التهريب من خلال شبكات منظمة ومحترفة.
وفي عام 2010 سرقت لوحة «زهرة الخشخاش» من متحف محمد محمود خليل، ولم تُستعد حتى الآن، وفي العام التالي تم الإعلان عن فقدان ثماني قطع أثرية أثناء الجرد بالمتحف المصري، أما عام 2014 فقد شهد اختفاء مشكاوات أثرية وبيعها لهواة جمع التحف، وبعد مرور العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين أعلنت السلطات العثور على لوحة الفنان عبد الهادي الجزار بعد اختفائها نصف قرن، كل حادثة من هذه الحوادث كانت جرس إنذار لم يُستمع إليه بما يكفي.
ليست رفاهية بل مسئولية حضارية
تؤكد الدكتورة نور جلال، أستاذ الآثار بجامعة عين شمس، أن قيمة الأثر لا تُقاس فقط بعمره أو مادته، بل بما يمثّله من هوية وذاكرة مجتمعية، وتشير إلى أن كل قطعة أثرية لها "سيرة ذاتية" مرتبطة بتاريخ حضارة كاملة، وفقدانها يعني ضياع جزء من سردية الوطن.
وتضيف أن حماية الآثار أصبحت ضرورة عالمية تتجاوز المفهوم التقليدي للأمن، إذ تعتمد على وعي العاملين وزوار المتاحف، وعلى وجود أنظمة جرد دقيقة، وخطط إنقاذ للطوارئ، ورقمنة شاملة للقطع والمقتنيات.
وترى د. نور، أن أهم خطوة للحماية تبدأ من تقييم المخاطر في كل متحف، وتحليل الثغرات الأمنية، ووضع خطط استجابة سريعة، مؤكدة أن الآثار أكثر عرضة للخطر في فترات التجديد، أو خلال عمليات النقل التي تستغلها عصابات التهريب.
مواجهة شبكات التهريب
من جانبه، يوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، أن منظومة حماية التراث تحتاج إلى تحديث تشريعي شامل، فالقوانين الحالية - رغم أهميتها - لم تعد كافية لردع الشبكات الدولية التي تعمل على سرقة وتهريب الآثار.
ويشير د. ريحان إلى ضرورة تغليظ العقوبات على كل من يشارك في تهريب أو حيازة قطعة أثرية، سواء كانت منقولة من المتحف أو مُستخرَجة من موقع أثري، كما يدعو إلى وضع تشريع يلزم بتوثيق رقمي كامل لكل قطعة داخل المتاحف، بحيث تصبح سجلات الجرد غير قابلة للتلاعب، ومتصلة بقواعد بيانات إقليمية ودولية، بما يساعد في تتبع أي قطعة مفقودة.
ويؤكد أن التعاون الدولي هو السلاح الأهم، موضحًا أن استرداد الآثار المسروقة يحتاج شبكة من الاتفاقيات الثنائية، وتواصلًا مستمرًا مع الأسواق الخارجية، إلى جانب دعم أجهزة الدولة بفرق متخصصة في استخبارات الآثار، وهو التخصص الذي تعتمد عليه دول أوروبية عدة في مكافحة الجريمة المنظمة.
التكنولوجيا خط الدفاع الأول
أما اللواء علي شاكر، مساعد وزير الداخلية الأسبق، فيرى أن تأمين المتاحف يجب أن يعتمد على أحدث أنظمة الحماية الإلكترونية، فالعصابات التي تستهدف الآثار لم تعد تعمل بأساليب بدائية، بل توظف التكنولوجيا والمعرفة الدقيقة بالثغرات الأمنية.
ويشير إلى أن حلول التأمين الحديثة تشمل كاميرات ذكية تعمل بالذكاء الاصطناعي، وأنظمة إنذار حساسة للّمس والاهتزاز، وأجهزة تتبع للقطع القابلة للنقل، فضلًا عن بوابات دخول تعتمد على القياسات الحيوية، كما يؤكد على ضرورة تدريب فرق أمنية متخصصة داخل المتاحف، بدلًا من الاعتماد على أنماط الحراسة التقليدية.
ويحذر من الاعتماد الكامل على التكنولوجيا دون دمجها مع العنصر البشري، موضحًا أن أكثر السرقات خطورة تحدث نتيجة تواطؤ داخلي أو سوء إدارة للمقتنيات، ولهذا ينبغي مراقبة حركة القطع بدقة، وتوثيق عمليات النقل، وتطبيق إجراءات صارمة للجرد الدوري.
الشركات مظلة إضافية للحماية
يرى خبراء التراث أن أحد أهم أدوات الحماية الحديثة هو التأمين التجاري للمعروضات، خاصة القطع النادرة التي تقدر قيمتها بملايين الدولارات، حيث يتيح التأمين لمؤسسات المتاحف الحصول على تغطية مالية في حال الفقد أو التلف، كما يجبر شركات التأمين على إجراء تقييم دوري لمستوى الأمان، وتقديم توصيات ملزمة لرفع كفاءة أنظمة الحماية.
ويُعد دمج شركات التأمين في منظومة المتاحف وسيلة ذكية لضمان رقابة خارجية مستمرة، فضلًا عن توفير مظلة مالية تساعد على مواجهة أي طارئ، وإن كان الخسارة المعنوية للقطعة الأثرية لا يمكن تعويضها بأي قيمة مادية.
تهديد حقيقي للتراث الإنساني
سرقات المتاحف ليست حوادث عابرة، بل تهديد حقيقي للتراث الإنساني، تتداخل فيه عوامل الإهمال، وضعف التشريعات، وتطور الجريمة المنظمة، حماية الآثار تتطلب منظومة متكاملة تشمل تشريعات رادعة، وتأمينًا تكنولوجيًّا متطورًا، ورقابة صارمة، وتأمينًا ماليًّا، إلى جانب وعي مجتمعي بأهمية ما تمثله هذه القطع النادرة، فالحضارة لا تُصان بالشعارات، بل بعمل يومي جاد يحفظ ذاكرة الأمة للأجيال القادمة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية