تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
تستقبل مصر موسم فيضان، لمدة أربعة أشهر، من يوليو وحتى أكتوبر، وذلك على طول مجرى نهر النيل، الذي يمتد لمسافة 1530 كيلومترًا داخل مصر، بمساحة 3.4 مليون كيلومتر مربع.
وتنسق الدولة لشق القنوات المائية، وتبطينها، لسهولة توصيل المياه إلى المناطق المختلفة، في شكل استعدادات وطنية، وذلك في ضوء توقعات المخاطر المحتملة والتي تتعامل معها الدولة بمنظور مختلف، حيث تعتمد مصر على نهر النيل لتوفير 97% من احتياجاتها المائية، مما يحتم وضع الخطط لحسن إدارة تدفق المياه، وتوجيهها لمشروعات الاستصلاح، في سيناء والصحراء الغربية والدلتا الجديدة.
ضغوط مائية
ومع تزايد الضغوط المائية الناجمة عن التغيرات المناخية، وتحديات الأمن المائي والري الحديث، وزيادة السكان، وثبات الحصة السنوية من مياه النيل -55.5 مليار متر مكعب منذ عام 1959- في مقابل احتياجات تتخطى ضعف هذه الكمية، اعتبر الدكتور مصطفى إبراهيم، خبير المياه، أن مياه الفيضان تأتي كمورد استثنائي يجب استغلاله بكفاءة عالية، عبر منظومة حديثة تدمج بين التكنولوجيا، والتخطيط الاستراتيجي، واستهداف المناطق الأكثر حاجة للتنمية الزراعية.
وتعكس المشروعات الجارية لنقل المياه إلى سيناء، وتوسيع شبكة الري الذكي، والاستفادة من محطات معالجة المياه مثل مصرف بحر البقر، وحجم الجهد الذي تبذله الدولة لإعادة رسم خريطة التنمية، وتوسيع الرقعة الخضراء، واستقرار السكان في أراضي جديدة، لتكون سيناء والصحراء الغربية ليستا مجرد امتدادات جغرافية، بل حاضنات مستقبلية للإنتاج والاستقرار، ولذلك فإن فيضان 2025، ليس حدثًا موسميًا عابراً، بل فرصة تاريخية تعيد الحياة إلى أراضي عطشى، وتحمل في جوهرها ملامح مشروع قومي متعدد الأبعاد.
من الدلتا إلى أرض الفيروز
تتدفق مياه نهر النيل في سيناء عبر أنفاق تحت قناة السويس في شرق بورسعيد، لتصب في ترعة السلام، وتسير حتى بئر العبد شمالاً، في إنجاز وطني ضخم يعيد الحياة إلى أراضي كانت خارج نطاق التنمية.
أكد الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، مدير مركز الموارد المائية بمعهد البحوث الأفريقية، أن الإيراد الجديد لنهر النيل يصل مصر في نهاية يوليو من كل عام، ولذلك يبدأ العام المائي أول أغسطس، ويخزن هذا الإيراد خلف السد العالي في بحيرة ناصر، ويستخدم على مدار العام، وفي حالة وجود زيادة في هذا الإيراد يظهر هذا في نهاية أكتوبر، يتم تصريف جزء منه في توشكي بمشروعات الاستصلاح، أو يتم فتح بوابات القناطر في إدفينا وفارسكور على فرعي رشيد ودمياط، لتسريب جزء من هذه المياه في البحر المتوسط.
أما المياه التي تدخل سيناء، فهناك تخطيطًا مصرياً استراتيجياً لتخصيص جزء من حصة مصر الأساسية من المياه، لتوجيهها إلى سيناء، تتراوح بين 2- 2.5 مليار متر مكعب، حيث تمزج بالمياه المعالجة من الصرف الصحي ببحر البقر" يمر بـ 6 محافظات بطول 207 كيلو مترا"، لتسير في ترعة السلام بشمال سيناء بموازاة البحر المتوسط، وذلك عبر 4 أنفاق تحت قناة السويس تمتد بطول 420 مترًا، منهم نفقان لمياه النيل وآخران لمياه مصرف بحر البقر، ليتم استخدامها في المشروعات التنموية داخل سيناء.
المياه كافية
ويؤكد د. شراقي، أن خطة الدولة في سيناء هي زراعة نصف مليون فدان، تغذيها ترعة السلام، ولكن ما تم إنجازه فعليًا هو 100 ألف فدان، وهي أقل من المستهدف، ولذلك فإن كمية المياه الموجهة لشبه الجزيرة كافية وزائدة، ولكن حال التوسع في الاستصلاح بما يحقق خطة الدولة فإن الحاجة الفعلية للمياه ستكون ضعف الكمية المخصصة الآن، وتسير ترعة السلام في سيناء حتى بئر العبد.
وكان مقررًا لترعة السلام الوصول للعريش، ولكن هناك بعض الصعوبات الفنية نتيجة ارتفاع مستوى الأرض، والاحتياج لمحطات رفع إضافية، وطبيعة التربة، وغيرها، مما يضاعف من تكلفة الاستصلاح والزراعة هناك، ولكن لكي يكتمل المشروع إما أن تصل للعريش، أو تمتد جنوبًا تجاه سهل الطينة، حيث ينخفض انحدار الأرض لتتمكن المياه من السير في القنوات بسهولة، وبذلك تتمكن الدولة من إقامة استثمارات متنوعة عليها، سواء كانت زراعية أو صناعية أو سياحية، أو جامعات جديدة، أو تكوين مجتمعات جديدة، وغيرها.
وقال د.شراقي، أن الزراعة وحدها تستهلك 80% من المياه، فالمتر المكعب ينتج عنه حصاد 1 كيلو قمح أو ذرة بـ 20 جنيها، ولكن نفس الكمية في حال توجيهها للصناعة، فإنها تحصد فوق 100 جنيها.
تطوير نظم الري
ونصح د. عباس شراقي، بضرورة تطوير نظم الري الحديث، وترشيد استهلاك المياه، وكفاءة استخدامها، بحيث يستهلك الفدان الواحد 3 آلاف متر مكعب من المياه بدلاً من 10 آلاف حاليًا، الأمر الذي يمكن معه الاستفادة من التوسع في زراعة مساحات أكبر من الأراضي المصرية، وخاصة في أماكن منها مشروعات الدلتا الجديدة، بالصحراء الغربية، والمستهدف استصلاح 2.2 مليون فدان بها، وتكلفت قنواتها المائية أكثر من 160 مليار جنيه، ويكلف استصلاح الفدان 300 ألف جنيها.
مضاعفة المساحات المنزرعة
ويمكن مع تحسن كفاءة استهلاك المياه، مضاعفة المساحات المنزعة حول القناة الموصلة من النيل إلى الدلتا الجديدة، وكذلك القناة الممتدة من محطة الحمام للصرف الصحي بمطروح إلى الدلتا الجديدة، وبجانب إنشاء تجمعات سكنية جديدة حولها، يمكن استحداث مناطق صناعية، فالقناة موجودة ويجب استغلال وجودها بالشكل الأمثل، وهو أفضل بكثير من شق قنوات جديدة لتصل للتجمعات السكنية، لأن هذه الحالة تهدر المياه نتيجة زيادة أعداد القنوات، وبالتالي زيادة نسبة البخر في المياه.
وأشار د. شراقي، إلى أن استغلال المياه بالشكل الأمثل، قد يحتاج لتطوير في السياسات الزراعية، من حيث مثلًا الحاجة إلى العودة للزراعة من خلال الدورة الزراعية، وتحديد المحاصيل الاستراتيجية أو الأقل استهلاكًا للمياه بينما لها عائدًا اقتصادياً أعلى، أو غير ذلك، طالما أن الظروف السياسية طبيعية ولا توجد أوبئة، ولكن في حالة وجودها يتم زراعة المحاصيل الاستراتيجية "كالقمح" مهما كانت التكلفة.
الذكاء الاصطناعي مساعد جديد
وكان الدكتور هاني سويلم، وزير الري، قد أكد على الاعتماد على منظومة الري الحديث، التي ترتكز على الذكاء الاصطناعي والأقمار الصناعية، لتتبع كميات المياه، ومعدلات تدفقها، إلى جانب مراكز تنبؤ توفر بيانات آنية تمتد لخمسة أيام مقبلة، بالتعاون مع هيئة الأرصاد الجوية، وهذا في الوقت الذي تنفذ فيه الوزارة خطة التطوير التي تشمل مئات المنشآت المائية، وآلاف الكيلو مترات من التأهيل والتطهير للترع والقنوات المائية، لتأمين توزيع المياه بكفاءة في الدلتا والصعيد، وكذلك ترعة السلام، التي تمتد لنحو 175 كيلومترًا، حيث تنقل مياه الفيضان إلى أراضي شمال سيناء، حيث يجري استصلاح مساحات جديدة، ضمن خطط الدولة للتنمية في هذه المنطقة.
السد العالي حصن الأمان
ولمواجهة التقلبات الموسمية، تعتمد مصر على السد العالي بأسوان، الذي تبلغ سعته التخزينية 162 مليار متر مكعب، منها نحو 90 مليارًا في بحيرة ناصر، ما يوفر هامش أمان استراتيجي في سنوات الفيضان أو الجفاف.
وفي ظل التغيرات المناخية والضغوط المتزايدة على الموارد المائية، يتم التعامل مع موسم الفيضان كفرصة للتوسع في التنمية الزراعية، وتحقيق طفرة في استصلاح الأراضي، ومن خلال التنسيق بين وزارتي الري والزراعة، يتم استخدام التقنيات الحديثة، لنقل المياه إلى مناطق نائية، لكي تتحول كل قطرة مياه إلى قيمة مضافة، من أجل تحقيق أمن مائي وغذائي مستدام، يدعم أجيال المستقبل، ويحول كل الأراضي المصرية إلى جنة خضراء.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية