تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
متلازمة نادرة، سُمّيت باسم مكتشفها، إنها متلازمة بهجت والتي سميت بهذا الاسم تكريماً للطبيب التركي هولوشي بهجت، الذي رصدها للمرة الأولى عام 1937 بعد ملاحظته تكرار ثلاثية مميزة من الأعراض؛ تقرحات الفم، القرح التناسلية، والتهابات العين، ورغم أنها من الأمراض النادرة، فإنها تُعد كابوساِ صامتاِ يطارد الشباب في العشرينات والثلاثينات، إذ تهاجم الأوعية الدموية وتخلّف مضاعفات قد تمتد إلى العينين والمخ والرئتين.
ورغم أن بدايتها قد لا تتعدى قرحة في الفم أو التهاباً في المفاصل، فإن إهمالها قد يقود إلى فقدان البصر أو جلطات تهدد الحياة.
وفي غياب تحليل دم محدد للتشخيص، يظل الوعي الطبي والاكتشاف المبكر هما خط الدفاع الأول لحماية المرضى من عواقب قد تغيّر مسار حياتهم.
الأعراض والتشخيص
يوضح دكتور أحمد عزت، استشاري أمراض المناعة والروماتيزم، أن متلازمة بهجت تُعد التهاباً مناعياً مزمناً يستهدف الأوعية الدموية في مختلف أنحاء الجسم، ليظهر على هيئة هجمات متكررة تصيب الجلد والعينين والمفاصل والجهاز العصبي.
ومن العلامات المميزة للمرض، تكرار تقرحات الفم أكثر من ثلاث مرات في العام، وظهور تقرحات في الأعضاء التناسلية، إضافة إلى التهابات العين مثل التهاب القزحية أو الشبكية، والطفح الجلدي، وآلام المفاصل، كما قد يعاني بعض المرضى من أعراض عصبية تشمل الصداع المزمن أو ضعف الأطراف، وفي حالات أخرى قد تتطور الحالة إلى جلطات بالأوردة.
ويؤكد أن صعوبة التشخيص تكمن في تشابه الأعراض مع أمراض أخرى، إذ لا يوجد اختبار دم قاطع للمرض، بل يعتمد الأطباء على معايير دولية تتطلب وجود قرح فموية متكررة مصحوبة بعرض آخر مثل القرحة التناسلية أو التهاب العين أو الآفات الجلدية أو اختبار الباثرجى الإيجابي. ويشدد دكتور عزت على أن التشخيص المبكر يمثل نقطة تحول حاسمة، خاصة عند ظهور الأعراض العينية، لأن التأخر في العلاج قد يؤدي في كثير من الحالات إلى فقدان البصر.
مضاعفات خطيرة
ويحذر الدكتور عبد اللاه رضوان، أستاذ الروماتيزم والمناعة بجامعة سوهاج، من أن خطورة متلازمة بهجت لا تكمن فقط في أعراضها الظاهرة، بل في المضاعفات التي قد تصيب أعضاء حيوية في الجسم. وأوضح أن الالتهاب المزمن قد يهاجم العينين مسبباً تدمير القزحية أو الشبكية، وهو ما قد ينتهي بالعمى إذا لم يُعالج المريض في الوقت المناسب، مشيراً إلى أن الدراسات تؤكد أن ما بين 20 - 25% من المرضى مهددون بفقدان البصر في حال غياب العلاج المبكر.
وأضاف أن الخطر لا يقتصر على العينين؛ إذ يمكن أن يتسبب المرض في جلطات بالمخ أو أوردة الساقين، وأحياناً نزيف بالشريان الرئوي أو تليف في الرئتين، وهي مضاعفات قد تهدد الحياة مباشرة، لذلك شدد على ضرورة خضوع أي مريض يعاني من قرح فموية متكررة مصحوبة بأعراض أخرى إلى تقييم طبي شامل، مؤكداً أن تجاهل هذه العلامات قد تكون له عواقب وخيمة.
واختتم د. رضوان حديثه بالتأكيد على أن الوعي بالمرض، سواء من جانب الأطباء أو المرضى، يعد خط الدفاع الأول لمواجهته، لافتاً إلى أن التشخيص المبكر يضاعف فرص السيطرة على المرض والوقاية من مضاعفاته الأخطر.
تأثير بصري
ويؤكد الدكتور سامي الخولي، أستاذ طب وجراحة العيون، أن العين تعد من أكثر الأعضاء عرضة للتأثر بمتلازمة بهجت، مشدداً على أن إصابتها تمثل أحد المؤشرات الخطيرة للمرض، وأوضح أن البداية قد تكون بأعراض بسيطة مثل الاحمرار، الألم، أو الحساسية للضوء، لكن سرعان ما تتطور الحالة إلى التهاب في القزحية أو الشبكية، وإذا لم يتم التدخل العلاجي بشكل عاجل فقد يحدث تلف دائم في أنسجة العين ينتهي بالعمى، لافتاً إلى أن نحو ربع المرضى مهددون بفقدان البصر في حال تأخر العلاج.
وأشار الخولي إلى أن التحدي الأكبر يتمثل في أن الأعراض العينية قد تبدو غير واضحة في بدايتها، ما يجعل بعض المرضى يظنون أنها مجرد التهاب عابر، بينما الواقع أن أي التهاب متكرر أو ضبابية في الرؤية لدى مريض بهجت تستدعي التدخل الفوري.
وقال: "العلاج لا يقتصر على قطرات العين، بل يعتمد بالأساس على السيطرة على نشاط الجهاز المناعي، وهو ما يتطلب تعاونا وثيقا بين أطباء العيون وأطباء المناعة والروماتيزم."
وأضاف أن التطورات العلاجية الحديثة، وعلى رأسها الأدوية البيولوجية مثل مضادات TNF، أسهمت في خفض معدلات فقدان البصر بشكل ملحوظ مقارنة بالعقود الماضية، لكنه شدد على أن مفتاح النجاح يظل في التشخيص المبكر والمتابعة الطبية المنتظمة كل شهرين أو ثلاثة على الأكثر.
واختتم حديثه برسالة مباشرة للمرضى: "لا تهملوا أي عرض بصري مهما بدا بسيطاً، فالفحص المبكر قد يكون الفارق بين الرؤية والعمى."
وتؤكد الدراسات أن ما بين 20–25% من مرضى بهجت غير المعالجين قد يصابون بفقدان البصر الدائم، في حين أن نسب الإصابة انخفضت بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين بفضل العلاجات الحديثة والمتابعة المنتظمة، ما يعكس أهمية التدخل المبكر في حماية البصر.
أسباب محتملة
أوضحت الدكتورة هالة رمضان، أستاذ أمراض المناعة الإكلينيكية، أن السبب الدقيق لمتلازمة بهجت لا يزال غير معروف، لكنها تصنف ضمن أمراض المناعة الذاتية التي يهاجم فيها الجهاز المناعي بطانة الأوعية الدموية بشكل غير طبيعي، ما يؤدي إلى التهابات مزمنة متعددة.
وأضافت أن الاستعداد الوراثي يلعب دوراً مهماً، ويُعد الجين HLA-B51 من أبرز عوامل الخطورة التي ارتبطت بزيادة احتمالية الإصابة، إلى جانب دور العوامل البيئية والعدوى البكتيرية أو الفيروسية التي قد تُحفز الاضطراب المناعي.
تشير الدراسات أن انتشار المرض يختلف من منطقة إلى أخرى؛ فتركيا تسجل أعلى معدلات الإصابة عالميا بواقع 80–370 حالة لكل 100 ألف نسمة، تصل في بعض المناطق إلى نحو 420 حالة، بينما لا يتجاوز المعدل في أوروبا الغربية والولايات المتحدة 1–5 حالات فقط لكل 100 ألف، وفي اليابان يبلغ نحو 10 حالات، وهذا التباين يعكس التداخل المعقد بين العوامل الجينية والبيئية.
خيارات علاج
وحول العلاج، أكدت د. هالة، أنه لا يوجد حتى الآن علاج نهائي لمرض بهجت، لكن الهدف الأساسي من التدخل الطبي هو السيطرة على الأعراض والحد من المضاعفات. وأوضحت أن العلاجات تبدأ غالباً بعلاج تقرحات الفم والمفاصل في الحالات البسيطة، بينما تستدعي الحالات الأكثر شدة علاجات للحد من نشاط الجهاز المناعي.
وأضافت أن السنوات الأخيرة شهدت طفرة علاجية مع ظهور الأدوية البيولوجية، والتي حققت نتائج ملموسة خصوصًا في حماية العين من المضاعفات الخطيرة، وأشارت إلى أن الأبحاث الحديثة تتجه نحو علاجات أكثر تقدما تشمل المثبطات، إضافة إلى العلاج بالخلايا الجذعية الذي أظهر نتائج أولية واعدة لكنه ما يزال في طور التجارب السريرية.
حياة يومية
واختتمت د. هالة حديثها بالتأكيد على أن التعايش مع بهجت ممكن إذا التزم المريض بخطة علاجية منتظمة ونمط حياة صحي. وقالت: "النظام الغذائي المتوازن الغني بالخضروات والأسماك، مع تقليل السكريات والأطعمة المصنعة، وممارسة نشاط بدني معتدل، كلها عوامل تساعد في تحسين الحالة، لكن الأهم هو الانتظام في المتابعة الطبية، لأن المرض رغم شدته يمكن السيطرة عليه إذا عُولج بشكل مبكر ومنتظم."
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية