تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
في لحظة عابرة، وأنت جالس داخل الفصل، أو تمسك كتابك للمذاكرة، أو حتى تقود سيارتك في طريقك المعتاد، قد يخونك جسدك فجأة، فتغلبك رغبة قهرية في النوم دون سابق إنذار، لا تعب، ولا كسل، ولا سهر متأخر، فقط نوم يقتحم وعيك في وضح النهار.
هنا لا نتحدث عن نعاس عابر، بل عن متلازمة النوم القهري، ذلك الاضطراب العصبي النفسي الذي يجعل النوم قوة أقوى من الإرادة، ويحوّل اليقظة إلى معركة يومية يخوضها المصاب وحده، وسط نظرات لا تفهم، وأحكام خاطئة تفسر المرض على أنه إهمال أو ضعف.
هنا لا نتحدث عن نعاس عابر، بل عن متلازمة النوم القهري، ذلك الاضطراب العصبي النفسي الذي يجعل النوم قوة أقوى من الإرادة، ويحوّل اليقظة إلى معركة يومية يخوضها المصاب وحده، وسط نظرات لا تفهم، وأحكام خاطئة تفسر المرض على أنه إهمال أو ضعف.
اضطراب عصبي
وفي هذا السياق، أوضحت الدكتورة إيمان عبد الله، استشاري الصحة النفسية، أن متلازمة النوم القهري تُعد أحد الاضطرابات العصبية النفسية المعقدة، إذ تنتج عن خلل في المراكز المسئولة عن تنظيم النوم واليقظة داخل المخ، وهو ما يؤدي إلى رغبة قهرية وشديدة في النوم في أوقات غير مناسبة، وغالبًا ما يحدث ذلك نهارًا، لأن حدوث النوم ليلًا يكون طبيعيًا في أغلب الحالات.
وأضافت أن هذا الاضطراب يفسر ما نراه أحيانًا من نوم التلاميذ داخل الفصول الدراسية أو أثناء المذاكرة، وكذلك نوم بعض البالغين فجأة في وسائل المواصلات أو خلال اجتماعات العمل، دون قدرة حقيقية على مقاومة هذا الإحساس الطاغي بالنعاس.
خلل كيميائي يربك العقل
وتشير د. إيمان إلى أن هناك أسبابًا صحية واضحة وراء متلازمة النوم القهري، أبرزها نقص مادة «الهيبوكريتين»، وهي مادة كيميائية في المخ مسئولة عن الحفاظ على اليقظة والانتباه، ومع انخفاض هذه المادة يفقد المخ قدرته على التفرقة الدقيقة بين حالتي النوم واليقظة، فيصبح المريض في حالة ذهنية مشتتة بين الاثنين.
وأوضحت أن الدماغ الطبيعي يعتمد على توازن دقيق بين ثلاث دوائر رئيسية؛ دائرة اليقظة، ودائرة النوم العميق، ودائرة نوم الأحلام، لكن في حالة النوم القهري يحدث خلل في هذا التوازن، فيمنع النوم العميق، ويميل المخ إلى البقاء في حالة يقظة غير مستقرة، مما يؤدي إلى الدخول المفاجئ في النوم دون مقدمات.
ارتخاء العضلات ونوبات مفاجئة
ومن الأعراض المميزة، بحسب استشاري الصحة النفسية، تعرض المصاب لنوبات متكررة من ارتخاء العضلات، خاصة في الرقبة والركبتين وعضلات الوجه، حيث تفقد العضلات شدّها الطبيعي فجأة، وهو ما قد يعرّض المريض للسقوط أو فقدان السيطرة على الجسد لثوانٍ.
وأكدت أن الخطورة الكبرى في متلازمة النوم القهري تكمن في أن النعاس الشديد يحدث نهارًا وليس ليلًا، مما يجعل المريض عرضة للنوم أثناء القيادة أو السير في الشارع، وهو ما قد يؤدي إلى حوادث جسيمة.
علامات شائعة
ومن العلامات الشائعة للمتلازمة أيضًا عدم قدرة المريض، بعد الاستيقاظ مباشرة، على الحركة أو التحدث لعدة دقائق، إضافة إلى اضطرابات في النوم قد يصاحبها هلاوس سمعية أو بصرية، نتيجة عدم الاستغراق الكافي في النوم الطبيعي.
وتوضح د. إيمان أن معظم حالات النوم القهري ترجع إلى أسباب وراثية أو اضطرابات مناعية، حيث يهاجم جهاز المناعة في بعض الحالات الخلايا المسئولة عن تنظيم النوم، فيما يُعرف بـ «الاضطراب المناعي الذاتي الانتقائي».
وأشارت إلى أن المتلازمة غالبًا ما تظهر في سن المراهقة أو بداية الشباب، ونادرًا ما تصيب الأطفال، وقد ترتبط أحيانًا باضطرابات هرمونية تؤثر في كفاءة الجهاز العصبي.
واختتمت حديثها بالتأكيد على أن النوم القهري مرض حقيقي وليس كسلًا أو إهمالًا، مشددة على أهمية التشخيص المبكر والدعم النفسي والطبي للمصابين، حتى لا تتحول المتلازمة إلى عبء نفسي واجتماعي يعيق حياة المريض ومستقبله.
التوتر والاكتئاب والنوم
ومن جانبه، أكد الدكتور محمد القاضي، استشاري الصحة النفسية، أن الضغط النفسي، وبخاصة المزمن، يُعد من مسببات متلازمة النوم القهري، حيث إن الشعور المستمر بالتوتر يرهق الجهاز العصبي، مما يجعل المخ غير قادر على الحفاظ على اليقظة، فيتسبب في حالات النعاس.
وأشار إلى أن المتلازمة قد تصيب الأشخاص الذين يعانون من ضغوط اجتماعية وكبت مشاعر، مثل الزوجة التي تعيش في خلافات دائمة مع زوجها. وأضاف أن مرضى الاكتئاب تزداد لديهم حدة النوم القهري، موضحًا أن الاكتئاب لا يسبب المتلازمة بشكل مباشر، لكنه يضاعف من تكرار نوباتها، كما أن التعرض لصدمة نفسية أو عاطفية قد يسهم في ظهورها.
وأوضح أن هذه العوامل النفسية لا تنشئ المرض من الأساس، لكنها تسهم في تفاقمه وتفجير أعراضه، خاصة في حال وجود خلل عضوي أو عصبي سابق.
النوم وقت الامتحانات
وأكد د. القاضي أن شعور التلاميذ بالنعاس الشديد عند بدء المذاكرة خلال فترة الامتحانات يُعد آلية دفاع نفسية ضد الضغوط، حيث يلجأ البعض إلى النوم كنوع من الهروب من عبء المذاكرة، وهو ما يُعرف بالنوم التجنبي أو «الهروب بالنوم».
وأشار إلى أن هذا النوع من النوم يختلف عن متلازمة النوم القهري، إذ يكون مرتبطًا بموقف ضاغط، ويزداد مع التوتر ويقل مع الراحة، ويمكن مقاومته نسبيًا، ولا يصاحبه ارتخاء عضلات أو شلل مؤقت.
أما النوم القهري الحقيقي، فيحدث فجأة دون ارتباط مباشر بالضغط النفسي، وقد يظهر حتى في مواقف نشطة، ولا يمكن مقاومته، ويصاحبه أحيانًا ارتخاء عضلات أو شلل مؤقت عند الاستيقاظ، كما يستيقظ المريض دون إحساس بالانتعاش.
طرق العلاج
وأكد د. القاضي أنه في حالة الاشتباه في النوم القهري، يجب التوجه فورًا إلى الطبيب المختص، لأن المتلازمة لا تُعالج بالحلول السريعة أو الاجتهاد الشخصي، بل تحتاج إلى خطة علاج متكاملة تهدف إلى السيطرة على الأعراض وتحسين جودة حياة المريض.
وأوضح أن العلاج يبدأ بالتدخل الدوائي لزيادة اليقظة خلال النهار وتقليل نوبات النعاس المفاجئة، إلى جانب أدوية تعمل على تنظيم دورة النوم والحد من اضطرابات النوم الليلي ونوبات ارتخاء العضلات، مشددًا على أن هذه الأدوية لا تُستخدم إلا تحت إشراف طبي متخصص.
وأضاف أن العلاج النفسي يُعد جزءًا أساسيًا من خطة العلاج، حيث يساعد المريض على تقبل طبيعة المرض، والتعامل مع القلق والخوف الناتج عن فقدان السيطرة المفاجئ على النوم، فضلًا عن علاج المشاعر السلبية مثل الإحساس بالضعف أو الذنب.
وشدد على أهمية تنظيم نمط الحياة من خلال الالتزام بمواعيد نوم ثابتة، وأخذ قيلولات قصيرة ومنتظمة خلال النهار، والابتعاد عن المنبهات قبل النوم، إلى جانب ممارسة نشاط بدني معتدل، لما لذلك من دور كبير في تقليل حدة الأعراض.
كما أكد أن الوعي المجتمعي والدعم الأسري عنصران لا يقلان أهمية عن العلاج الطبي، فالتعامل مع النوم القهري كمرض حقيقي يخفف العبء النفسي عن المريض، ويساعده على الاستمرار في حياته بشكل أكثر أمانًا واستقرارًا.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية