تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : ماء الفيتامين.. الوهم المعبأ في زجاجة
source icon

سبوت

.

ماء الفيتامين.. الوهم المعبأ في زجاجة 

كتب:مروة علاء الدين 

مع تصاعد موجة "المشروبات الصحية" التي تغزو منصات تيك توك وإنستجرام، يبرز «ماء الفيتامين» كأحدث تريند يخطف الأنظار بعبواته اللامعة ووعوده البراقة بالترطيب السريع، وزيادة الطاقة، وتعويض الفيتامينات، وبينما تروّج له الشركات كخيار عصري يدعم نمط الحياة الصحي، يحذر خبراء التغذية والأطباء من أنه لا يختلف كثيرًا عن المشروبات الغازية إلا في الشكل، وأن ما يبدو كمنتج «ذكي» ليس سوى فخ تسويقي يعتمد على الألوان الجذابة أكثر من القيمة الغذائية.

ومع هذا التضارب بين الصورة اللامعة والحقائق العلمية، يبقى السؤال: هل يُعد «ماء الفيتامين» بالفعل خطوة نحو صحة أفضل.. أم مجرد خدعة أنيقة تُباع تحت شعار "العافية السريعة"؟

ما هو «ماء الفيتامين»؟
يُعرف «ماء الفيتامين» (Vitamin Water) بأنه مشروب يتم خلطه بالماء وبعض الفيتامينات والمعادن، مثل فيتامينات B وC وE، ويُقدم بنكهات مختلفة كالفواكه الحمضية أو التوت أو المانجو، مما يجعله جذابا للشباب ومحبي المشروبات العصرية.

يُباع عادة في عبوات أنيقة بألوان زاهية، وتُروَّج له الشركات باعتباره مشروبًا صحيًا ومنعشًا يمنح طاقة ويقوّي المناعة ويحافظ على نضارة البشرة.

بدأ انتشاره من الولايات المتحدة، ثم انتقل سريعاً إلى الأسواق العربية مدعومًا بحملات مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يظهرون وهم يحتسون الزجاجة الملونة تحت شعار "الترطيب الذكي".

فائدة محدودة
توضح لنا الدكتورة أسماء صالح، أخصائي التغذية العلاجية، أن ما يسمى بـ«ماء الفيتامين» لا يقدم القيمة الغذائية التي يوحي بها اسمه؛ فالجسم يتخلص سريعا من الفائض من الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء، "ما يعني أن جزءًا كبيرًا مما تحتويه هذه المشروبات لا يستفيد منه الجسم فعليًا".

وتحذر من أن الاعتماد عليها بشكل متكرر قد يؤدي إلى زيادة الوزن واضطرابات في مستوى السكر، إضافة إلى ارتفاع احتمالات تسوس الأسنان، خاصة لدى من يتعاملون معها كمشروب رياضي، رغم اعتمادها على سكر سريع الامتصاص يمنح طاقة مؤقتة يعقبها هبوط واضح.

فئات حساسة
وتحذر د. أسماء من أن المشروب ليس خيارًا صحيًا لعدد من الفئات الحساسة، وعلى رأسهم الأطفال، بسبب محتواه من السكر والمحليات التي قد تزيد فرط الحركة وترفع فرص تسوس الأسنان، كما تؤكد أنه غير مناسب للحوامل، خصوصا الأنواع التي تحتوي على كافيين أو نكهات صناعية.

أما مرضى السكري، فتوضح أنه قد يتسبب لهم في ارتفاعات مفاجئة في مستوى السكر، مما يجعله مشروبا غير آمن. وتلفت إلى أنه لا يُعتبر بديلا للمشروبات الرياضية المخصصة لتعويض الأملاح والمعادن، وبالتالي لا يلبي احتياجات الرياضيين الباحثين عن ترطيب فعلي ودعم بدني حقيقي.

أعباء صحية
هذه الآثار التغذوية تترجم إلى أعباء طبية حقيقية على أجهزة الجسم، كما يوضح الدكتور سامح الملاح، استشاري الباطنة وأمراض الكلى، إن الإفراط في هذه المنتجات "يُجهد الكلى على المدى الطويل"، لأن الجسم يتعامل مع الفيتامين الزائد كمادة يجب التخلص منها، ومع ارتفاع السكر "يصبح العبء مضاعفا".

ويضيف أن الشعور بالنشاط بعد شربها "ليس نتيجة الفيتامينات كما يظن البعض، بل بسبب ارتفاع مفاجئ في مستوى السكر".

كما يحذر من الأنواع التي تحتوي على كافيين أو محليات صناعية، لما قد تسببه من زيادة التبول وجفاف خفيف واضطراب في الأملاح وصداع مرتبط بتذبذب سكر الدم.

وهم مُصنّع
يُعلّق الدكتور أحمد داود، باحث في الصحة العامة بالمركز القومي للبحوث، بأن «ماء الفيتامين» لا يستند إلى أي دليل علمي يدعم ادعاءاته الشائعة حول رفع المناعة أو تحسين التركيز، موضحًا: "إذا كان الشخص يتناول غذاء متوازنًا، فلن يحتاج إلى فيتامينات إضافية من مشروبات مصنعة، أغلب ما يقال عنها هو تسويق وليس طبًا."

ويشير د. داود إلى أن قطاع "المشروبات الوظيفية" عالميًا يعتمد على بيع الإحساس بالصحة أكثر من تقديم فائدة حقيقية، لافتا إلى أن انتشار المشروب يعود إلى عاملين أساسيين: اللون الجذاب الذي يربطه المستهلك بالانتعاش، والشعور الوهمي بأن اختيار هذا المشروب أكثر صحة من الصودا، "رغم أنه لا يختلف عنها كثيرا في محتوى السكر".

كما يوضح أن الشركات تتعمد استخدام مسميات دعائية براقة مثل «Energy Boost» و«Immune Support» و«Focus» لإيحاء المستهلك بفوائد صحية سريعة.

خدعة العافية
ويعلّق الدكتور كريم الطاهري، استشاري التغذية العلاجية، تقدم هذه المشروبات في صورة صحية تفوق بكثير قيمتها الغذائية الحقيقية، ويشير إلى أن جزءًا كبيرًا من رواجها يعود إلى تحول الترندات الغذائية إلى «موضة اجتماعية» تُتبع بهدف الظهور أو التقليد، لا من منطلق وعي صحي مدروس، وهو ما يدفع كثيرين لتبنى عادات لا تحقق أي منفعة فعلية، وقد تصرفهم عن تناول الأطعمة الطبيعية الغنية بالعناصر الدقيقة.

ويؤكد د. الطاهري أن الكميات المضافة من الفيتامينات غالبًا لا تكفي لإحداث أي تأثير فعلي في الجسم، بينما يظل محتوى السكر هو العنصر الأكثر تأثيرا في الجسم-لا الفيتامينات، ويوضح أن الخطر لا يكمن في المشروب نفسه، بل في استبداله لمصادر غذائية حقيقية، مما يؤدي بمرور الوقت إلى نمط غذائي فقير.

ويضيف أن وصف هذه المشروبات بأنها «رياضية» أو «ذكية» مجرد ادعاء تسويقي يعتمد على الألوان والتعبئة الجذابة لا على أدلة علمية معتمدة.

ويختتم بالتأكيد على أن الماء العادي يظل البديل الأكثر صحة، ويمكن تحسين مذاقه بإضافة شرائح فواكه طازجة أو أعشاب دون سكر، أما الفيتامينات، فمصادرها الطبيعية -كالخضروات الورقية والفواكه الحمضية والمكسرات والحبوب الكاملة- تظل الأكثر أماناً وكفاءة حيوية مقارنة بأي مشروب صناعي.

اضطراب هرمونى
يقول الدكتور وليد الطوخي، استشاري الغدد الصماء والسكر، إن مشكلة «ماء الفيتامين» لا تتعلق بالسكر فقط، بل بطريقة استجابة الجسم الهرمونية لهذه المشروبات.

ويشرح، عندما يتناول الشخص مشروبًا محلى مهما كان شكله -حتى لو كان بعنوان صحي- يحدث ارتفاع سريع في مستوى الجلوكوز، يتبعه إفراز حاد للإنسولين، تكرار هذا النمط عدة مرات يوميًا يربك الإشارات الهرمونية المسئولة عن الشبع والجوع، وأهمها هرمون اللبتين.

ويضيف أن هذا الارتباك الهرموني يجعل الجسم يميل لتخزين الدهون، ويزيد نوبات الجوع والرغبة في تناول حلويات أو نشويات بعد فترة قصيرة من شرب هذه المنتجات.

ويحذر من أن بعض الأنواع التي تحتوي على محليات صناعية "قد تبدو آمنة لأنها بدون سكر، لكنها تخدع مستقبلات التذوق وترفع الإنسولين بنفس الطريقة تقريبًا، ما يسبب نفس النتيجة الهرمونية."

ويؤكد أن مرضى الغدد، مثل المصابين بـتكيس المبايض أو اضطرابات الغدة الدرقية، هم الأكثر تأثرا بهذه المشروبات، لأن أجسامهم تكون أكثر حساسية تجاه التذبذبات في الإنسولين.

ويتابع، مشروبات الفيتامين ليست مناسبة لمرضى الغدد بأي شكل، لأنها تعطل خطط العلاج الغذائي، وتساهم في مقاومة الإنسولين على المدى الطويل.

دراسات مؤكدة
وهذه الآثار ليست نظرية، ففي دراسة على 12 ألف مشارك نشرتها Journal of Nutrition، لم يتحسن مستوى الفيتامينات لدى مستهلكي هذه المشروبات مقارنة بالغذاء الطبيعي، بينما ارتفع استهلاكهم للسكريات الحرة بنسبة 14% يوميًا.

كما تشير البيانات إلى أن تناول المشروبات المحلاة، بما فيها المدعمة بالفيتامينات، يرتبط بزيادة خطر السمنة بنسبة 26% وارتفاع مقاومة الإنسولين.

ويؤكد تقرير EFSA أن هذه المنتجات لا تُحسن المناعة أو النشاط دون وجود نقص طبي واضح، وأن استهلاكها المتكرر يرفع إجمالي السكريات، وأن الفئات الأكثر انجذابًا لهذه المشروبات هم الشباب تحت 30 عاما، خاصة عبر تأثير منصات التواصل الاجتماعي، رغم غياب أي توصية صحية رسمية تُشجع على استخدامها لأغراض تعزيز المناعة أو الطاقة.

وتخلص المراجعات الحديثة إلى أن فائدتها الغذائية هامشية، وأن انتشارها يعتمد أساسًا على التسويق والصورة الذهنية أكثر من الحاجة الصحية.

وهم المكافأة 
ورغم كل هذه الأدلة العلمية، يبقى السؤال الأهم؛ لماذا يستمر الإقبال على هذه المنتجات؟ الإجابة تكمن في آليات نفسية وتسويقية محكمة، يفسر الدكتور طارق عبد السلام، استشاري الصحة النفسية والسلوكية، سبب انجذاب الناس لهذه المنتجات رغم افتقارها للقيمة الغذائية، قائلاً إن «ماء الفيتامين» يعتمد على ما يسمى سلوك "الاختيار المريح"، فالناس يفضلون شراء منتج جاهز يمنحهم شعورًا سريعًا بأنهم اتخذوا قرارًا صحيًا، بدلاً من تغيير نمط الغذاء الفعلي، هذه الزجاجة الملونة تمنحهم مكافأة نفسية آنية تُسمى وهم المكافأة الصحية.

ويشير إلى أن منصات التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز هذا السلوك؛ فالمؤثرون يعرضون المشروب كجزء من "روتين صباحي" أو "لايف ستايل متوازن".

ويتابع، المفارقة أن هذه المشروبات تُستهلك غالباً من أشخاص لا يعانون من نقص في الفيتامينات أساسا، بل يسعون للإحساس بالالتزام الصحي، وهذا ما يجعل الترند خطرًا، لأنه يرسخ عادة تعتمد على الصورة لا على الفائدة.

ويحذر من أن هذا النمط السلوكي قد يدفع فئة من المراهقين والشباب لاستبدال الماء الطبيعي بالمشروبات المنكهة، ما يسبب تراجعًا تدريجياً في استهلاك الماء الحقيقي وهو ما يُعرف بظاهرة "الجفاف المرتبط بنمط الحياة الرقمي".
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية