تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مع حلول العيد، تتزين الشوارع وتتلألأ الوجوه بضحكات المنتظرين للفرح، لكن خلف الأبواب المغلقة، وفي قلب كثير من العلاقات الزوجية، تختبئ مشاعر متضاربة من التوتر والإنهاك. ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن يكون العيد مناسبة للتقارب وإعادة شحن المشاعر، يتحول في بعض البيوت إلى اختبار صعب تُرهق فيه الروح، وتغيب فيه لغة الحوار لصالح الجداول المزدحمة والزيارات المتتالية والالتزامات العائلية المتوارثة.
فكيف يمكن للزوجين ألا يفقدا بعضهما وسط هذا الزحام؟ وما السُبل التي تضمن احتفاظ العلاقة ببعض الدفء، ولو تحت ضغط المجاملات والطقوس الاجتماعية؟
عبء عاطفي
تحذر ميرفت رجب، استشاري العلاقات الأسرية والزوجية، من أن الأعياد يمكن أن تتحول إلى "فخ عاطفي" إذا لم تُدار بوعي، مشيرة إلى أن الكثير من الأزواج – خاصة من مضى على زواجهم سنوات طويلة – اعتادوا التضحية بخصوصيتهم لصالح التزامات العائلة، مما يؤدي مع الوقت إلى تآكل المشاعر.
وتوضح أن غياب الحدود بين ما هو واجب اجتماعي، وما هو حق شخصي، يجعل من العيد مناسبة مرهقة عاطفيًا، بدلًا من أن يكون فرصة للتقارب والتجدد، وتضيف: "هذا التآكل لا يحدث فجأة، بل يتسلل بصمت من خلال تفاصيل صغيرة: انشغال دائم، مجاملات مفروضة، تجاهل غير مقصود، وتراكم التزامات خارجية تستهلك الوقت والاهتمام، وتترك العلاقة خاوية من الدفء".
لمسات بسيطة
رغم هذا الواقع المثقل، تؤمن ميرفت أن استعادة التقارب بين الزوجين لا تتطلب تغييرًا جذريًا، بل تبدأ بخطوات صغيرة، يمكن أن تُحدث أثرًا حقيقيًا حتى في أكثر المواسم ازدحامًا، ومن هذه الخطوات:
- لحظة صباحية خاصة: إعداد إفطار العيد معًا وتناوله بهدوء بعيدًا عن الصخب، مع تبادل هدايا رمزية أو رسائل محبة مكتوبة.
- خلوة قصيرة: حتى نزهة بسيطة أو مشي مشترك قبل جولة الزيارات كفيل بإدخال طاقة إيجابية للعلاقة.
- يوم راحة بلا التزامات: تخصيص أحد أيام العيد ليكون خاليًا من الزيارات، يقضيه الزوجان سويًا لاستعادة الهدوء.
- فيديو العيد المشترك: اقتراح غير تقليدي، كأن يُسجّل الزوجان لحظة طريفة أو أمنية للعام الجديد، لتكون ذكرى دافئة لاحقًا.
- نصف ساعة مسائية بلا هواتف: جلسة حوار قصيرة مساءً، بدون هواتف أو مقاطعات، تعيد الخصوصية بين الأزواج.
الأزواج الجدد
من الناحية النفسية، تلفت الدكتورة زينب مهدي، استشارية العلاقات النفسية والزوجية، إلى أن الأزواج الجدد يمثلون الفئة الأكثر هشاشة في الأعياد، إذ يواجهون لأول مرة ما تسميه "الصدمة الثقافية العائلية"، عندما تختلف طقوس الأعياد بين عائلتي الزوجين، وتبرز التوقعات المختلفة من كل طرف.
توضح د. مهدى أن الخلافات تبدأ من تفاصيل بسيطة؛ أين سنقضي أول يوم؟ من يحدد قائمة الطعام؟ من يُملي جدول الزيارات؟ كلها أسئلة تبدو عادية لكنها قد تُفجّر توترًا مبكرًا إذا لم تُدار بحكمة.
وتنصح د.زينب الأزواج الجدد بتبني أسلوب "التفاوض المرن"، القائم على الاحترام والتفاهم وتقديم التنازلات المتبادلة دون شعور بالهزيمة أو الغضب، وتؤكد أن هذه الفترة تُشكل اللبنة الأولى التي تُبنى عليها العلاقة، وقد تحدد ما إذا كانت ستصمد أم لا.
ضغط العيد على الأزواج
تشير تقديرات ميدانية ودراسات نفسية إلى أن الضغوط النفسية المصاحبة للمناسبات الاجتماعية، مثل الأعياد، تُعد من العوامل التي قد تُفاقم من التوتر داخل العلاقات الزوجية، خاصة في ظل التضارب بين التوقعات العائلية والاحتياجات الشخصية.
ففي دراسة نُشرت في المجلة الدولية للصحة النفسية (International Journal of Mental Health)؛ وجدت أن المناسبات الاجتماعية الكبرى (مثل الأعياد، رمضان، الكريسماس) تؤدي لارتفاع مستويات التوتر والقلق، خاصة بين النساء والأمهات والعاملين في الرعاية المنزلية.
وفى دراسة أجراها قسم علم النفس بجامعة عين شمس، أظهرت أن المناسبات الاجتماعية قد تُفاقم من التوتر الزوجي خاصة في البيئات محدودة الدخل بسبب الضغط الاقتصادي وتضارب التوقعات العائلية.
كما تشير دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إلى أن 67% من الأزواج في مصر يشعرون بإرهاق نفسي ملحوظ خلال أيام العيد، بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية وتضارب التوقعات داخل الأسر.
وكشفت الدراسة أن نسبة الخلافات الزوجية الناتجة عن المشكلات المادية ارتفعت من 10.2% في 2002 إلى 26.8% في 2022، بينما قفزت المشادات الكلامية بين الأزواج من 6.4% إلى 15.1% خلال نفس الفترة.
وتعليقًا على هذه الأرقام، تؤكد د. زينب أن الأزواج بحاجة ملحة إلى إدراك أن هذه الضغوط جزء من واقعهم، لكنها لا يجب أن تُقصي الحب والدفء من العلاقة.
وتضيف: "العيد يجب أن يكون مناسبة لإعادة شحن المشاعر، لا مناسبة لصب كل التوترات في وجه الشريك، وإلا تحول إلى ساحة للنقد واللوم المتبادل."
الكمال الاجتماعي
تحذر د. زينب من فخ "السعي للكمال الاجتماعي"، خاصة من جانب الزوجات، حيث يُتوقع منهن تجهيز الطعام واستقبال الضيوف وترتيب كل التفاصيل، دون أن يكون لهن الحق في التعب أو حتى الاحتجاج.
وتقول: حين يُفرض العيد كواجب اجتماعي كامل، بلا مساحة شخصية، يتحول من مناسبة للفرح إلى عبء نفسي، المطلوب هو توازن يعترف بحق الزوجين في مشاركة العيد كطرفين في علاقة، وليس كمنفذين فقط للطقوس.
الوقت الخاص... ليس رفاهية
من جهتها، تؤكد سارة ممدوح، استشارية العلاقات الأسرية، أن من حق كل زوجين أن يخصصا وقتًا خاصًا لهما في أيام العيد دون أن يُتهما بالتقصير الاجتماعي، وتوضح أن كثيرًا من الأزواج بالكاد يجدون لحظات مشتركة على مدار العام، مما يجعل ساعات العيد المشتركة فرصة ذهبية لا يجوز التفريط فيها.
وتضيف إن إدارة الوقت بين زيارات العائلة والمساحة الخاصة ليست رفاهية، بل من أساسيات الحفاظ على العلاقة الزوجية، فالعيد ليس مناسبة لتكريس البعد بين الزوجين، بل هو فرصة لصيانة ما قد يكون اختل خلال الأيام العادية.
احتفال رمزي
وتطرح سارة ممدوح فكرة رمزية ولكنها فعالة، أن يُخصص الزوجان يومًا داخل العيد يسميانه "عيدنا"، يحتفلان فيه بعلاقتهما فقط، كطريقة رمزية لتجديد المشاعر.
وتقول إنه لا يشترط أن يكون اليوم فاخرًا، يمكن أن يتبادل فيه الزوجان رسائل حب مكتوبة، أو يشاهدان فيلمًا مشتركًا، أو يحتسيان القهوة في لحظة هادئة على الشرفة، المهم أن يقول كل طرف للآخر: أنت أولويتي.
وتؤمن أن هذا النوع من المبادرات يُعيد التوازن للعلاقة، ويخلق أثرا نفسيا عميقا يعيد لها بريقها وسط صخب المجاملات
إعادة تعريف العيد
وأخيرًا، تجمع آراء الخبراء على أن العيد بحاجة إلى إعادة تعريف داخل إطار العلاقة الزوجية، لا باعتباره موسمًا للالتزامات الاجتماعية فقط، بل كمناسبة لإعادة شحن المشاعر، وإحياء الحوار بين شريكين قد يكون كل ما يحتاجانه هو نصف ساعة من الوقت النقي..
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية