النوبة.. تلك البقعة الجنوبية الغالية من أرض مصر، تتسم بسحر خاص يميز كل ما ينتمي إليها، وهي المطلة على شاطئ نهر النيل شريان الحياة في مصر، شرقًا وغربًا.

وتعد الأطعمة الشعبية، واحدة من أبرز العناصر الثقافية ارتباطًا بطبيعة البيئة في النوبة، إذ تتسم بالتعدد والتنوع، كما وصفتها ذكية حسان، إحدى سيدات قرية "أبو حنضل"، بمركز نصر النوبة، قبل أن تؤكد في الوقت نفسه، أنها أيضا بسيطة المكونات، عظيمة الفائدة الغذائية، سهلة الهضم، مريحة للمعدة، منها ما يتم تناوله في الأيام العادية، ومنها ما يتم تناوله فقط في المناسبات العامة، سواء الاجتماعية أو الدينية مثل شهر رمضان.

الكَابيده الأشهر

ويعد ما يعرف اصطلاحًا بـ"الكَابد"، أو "الكَابيده"، من أبرز أنواع هذه الأطعمة انتشارًا في شهر رمضان، سواء في منطقة النوبة أو خارجها، كما قالت "ذكية"، موضحة أنه يصنع عادًة من دقيق القمح المخلوط أحيانًا بقليل من دقيق الذرة الرفيعة أو دقيق الشعير، مضافًا إليه القليل من الملح والماء، وفي بعض القرى النوبية الأخرى، يضاف إليه بعض الأنواع من الأعشاب الطبيعية مثل "حلف بر، أو الينسون، أو الكمون"، ومنه نوعان: أحدهما بالخمير، والآخر بدون، ولكلًا منهما استخدامه الخاص، فالأول يؤكل عادًة مع العسل واللبن، أما الآخر فيؤكل مع عموم المطبوخات الأخرى من الخضرة.


وأضافت،  أن هناك بعض الأنواع الأخرى من المخبوزات النوبية، منها ما يعرف اصطلاحًا بـ"الشدي، والسلابه، والجرجبيده، والأولبد أو دوين دوشكير، والدوركد، والشيلد"، وجميعها تتكون من دقيق القمح، أو الذرة الرفيعة، أو الذرة الشامية، مضافًا إليها القليل من الماء والملح، إلا أن كل نوع من هذه الأنواع المختلفة له استخدامه الخاص.

أوراق النباتات

كما توجد هناك بعض الأطعمة الأخرى التي يتم تقديمها على المائدة النوبية في شهر رمضان الكريم، منها ما يعرف بـ "الإتر" على سبيل المثال، والذى يتم إعداده كما قال "محيي الدين صالح" في كتابه "النوبة وتراث الأجداد" - من مجموعة من أوراق الخضروات كالموخية، والخبيزة، والسبانخ، والرجلة، وأوراق البامية، وأوراق البسلة، وأوراق القرطم، اضافة إلى بعض الخضروات المعروفة بأسمائها النوبية "قنت، كشرنجيه"، حيث يتم طبخ إحدى هذه الخضروات بالماء والعترون، ويضاف إليه نوع من اللحوم المقددة أو بالزيت فقط أحيانًا، بالاضافة إلى ما يعرف بـ "الكورتاد"،  وهو يعد نوع جيد من "الإتر" يطبخ من أوراق اللوبيا، وأيضًا ما يعرف بـ "الويكه"، وهى عبارة عن البامية.

ولا تخلو المائدة النوبية، في شهر رمضان،  من تقديم اللحوم، سواء الحمراء أو البيضاء، حيث يقدم عليها ما يعرف بالنوبية بـ "الأسلاد"، وهو نوع من تقديد اللحم بإنضاجه مع التمليح العالي، وكذلك ما يعرف أيضًا بـ "الكمونية، أو الكشاد، أو الكاشيد"، وهو اختيار أجزاء معينة من أمعاء الحيوان، وطهيه بدون اضافات.

المشروبات النوبية

ومن أبرز المشروبات التي تقدم بشكل أساسي على المائدة النوبية في شهر رمضان الكريم، وذلك قبل الإقدام على تناول الطعام، كما ذكرت "ذكية" ابنة النوبة، ما يعرف بـ "الآبريه"، وهو نوع من "الشدي"، حيث ينقع في الماء البارد المحلى بالسكر والليمون، ثم يضاف إليه الزبيب، والبلح، وقمر الدين، بالاضافة إلى تقديم بعض الأنواع الأخرى من المشروبات المعروفة كالكركديه، والتمر هندي، والدوم، والبرتقال، وعسل البلح،  وغيرها من عصائر الفواكهة الطبيعية.

ومن المأكولات الحلوة، ما يعرف بـ "الشعرية" المحلاة بالعسل والسمن واللبن، وكذلك الأرز باللبن، وما يعرف أيضًا بـ "المديدة" أو "العصيدة"، والذى يتم إعدادها من الدقيق، أو مطحون الحلبة، أو أوراق الحلبة الخضراء، أو من نبات الدخن، ويضاف إليها اللبن.

وعند التسلية، يقدم ما يعرف بـ "أسليه"، وهو يشبه حبات الفشار المعروف، حيث يتم صنعه من خليط حبوب القرطم والقمح، إضافة إلى النوع المعروف الذى كان يصنع من الذرة الرفيعة أو الذرة الشامية.

أدوات المطبخ

وتحدثت "ذكية"، عن أدوات المطبخ النوبي، فقلت إن "الدوكة" - والتي تعرف بالنوبية بـ "ترسين ديو" - تعد الأداة الأساسية المستخدمة حديثًا في صنع المخبوزات النوبية، مشيرة إلى أنها عبارة عن قرص معدني دائري الشكل، مصنوعة من الحديد المصقول، سهلة الحمل من مكان إلي آخر، إلا أن أحجامها قد تختلف أحيانًا، فمنها ذات الحجم الكبير، ومنها ذات الحجم الصغير، ومصدر وقود هذه الأداة الغاز الطبيعي.

 وفي الماضي البعيد، كانت تصنع هذه الأداة من الطين المحروق، ومصدره الأساسي (طمي النيل)، وكان الوقود المستخدم آنذاك روث البهائم وحطب الأشجار وبعض الأجزاء من أشجار النخيل، وكانت تعرف بالنوبية بـ (إركن ديو)، وجميع الأدوات التقليدية الأخرى المستخدمة في المطبخ النوبي القديم كانت مصنوعة من الفخار أو الطين المحروق.