تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
بين جدران الطفولة الهشة، يترك انفصال الأبوين ندوبًا لا تُرى بالعين المجردة، لكنها تظهر لاحقًا في صحة الطفل وسلوكه وربما حتى في عمره المتوقع، دراسة حديثة نُشرت في مجلة نيوزويك كشفت أن الأطفال الذين ينفصل آباؤهم وهم دون سن الخامسة يصبحون أكثر عرضة للوفاة المبكرة بنسبة تصل إلى 55%، وقد شارك في الدراسة باحثون من جامعة كاليفورنيا ميرسيد، وجامعة ميريلاند، بالتعاون مع مكتب الإحصاء الأمريكي.
هذا الرقم ليس مجرد إحصاء، بل ناقوس خطر يدق على أبواب البيوت التي تفكر في الانفصال دون إدراك كامل لعواقب ذلك على الأطفال، فالطلاق كما تؤكد الدراسات وآراء الخبراء، لا ينتهي عند وقوعه، بل يبدأ تأثيره العميق في نفسية الطفل وجسده، ليطال صحته النفسية والعقلية، وقد يتطور إلى أمراض مزمنة تلاحقه حتى مراحل البلوغ والشيخوخة.
البنية النفسية والجسدية
توضح الدكتورة إيمان عبد الله، استشاري الطب النفسي والأسري، إن انفصال الأبوين يعد من أكثر الأحداث التي تؤثر على بنية الطفل النفسية والجسدية، خاصة في المراحل المبكرة من العمر، وتشير العديد من الدراسات إلى أن تأثير الطلاق لا يقتصر على اضطرابات سلوكية مؤقتة، بل يمتد ليشمل مشاكل صحية مزمنة واضطرابات نفسية قد تستمر مدى الحياة.
وتابعت، لابد أن نعلم أن التأثير النفسي له علاقة وثيقة بالتأثير الصحي والعضوي، وإذا تحدثنا عن التأثيرات النفسية لانفصال الأبوين فنجد أن الأطفال الذين يعيشون تجربة خلافات الأبوين والتي تنتهي بالطلاق هم أكثر عرضه للاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية المتعددة، لأن تلك الخلافات تولد لديهم شعور بالخوف وعدم الاستقرار النفسي، والخوف على مستقبلهم وحياتهم في الكبر، وأحيانًا يشعر بعض الأطفال بالذنب وكأنهم السبب وراء هذا الانفصال.
عدواني وانطوائي
الطفل يصبح أكثر عدوانية أو على العكس قد يكون انطوائي ويرغب في الانعزال، وهذا يحدث نتيجة انفصال الأبوين وهو طفل صغير لا يستطيع أن يدرك حقيقة هذا الانفصال بشكل صحيح، وتقول د. إيمان أن الطفل يحدث له صعوبات في التعامل مع الآخرين من أقرانه ويتراجع أداؤه الدراسي بشكل كبير، لأن تلك الاضطرابات النفسية تسبب له قلة النوم أو الكوابيس المتكررة والعديد من المشاكل الأخرى.
قلق مزمن واضطرابات
وقد أثبتت دراسة نرويجية عام 2024 أن الأطفال الذين انفصل آباؤهم في سن مبكرة يعانون بنسبة 30٪ أكثر من غيرهم من مشكلات القلق المزمن واضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD).
وهذا ما أكدته د. إيمان وأوضحت أن الطفل في عمر الخامسة أو الأصغر من هذا العمر إذا شاهد نزاع أبويه وشجارهم المستمر، يحدث له ضعف في الثقة بالنفس، وقلق مستمر، وقد يشعر بالرفض من الأبوين وعدم الأمان، لأنه أحيانًا يكون قرار الطلاق غير مبني على أسس منطقية بل على رغبات فردية من الطرفين دون التفكير في الطفل.
وأضافت، حدوث تغيرات مفاجئة في نمط الحياة للطفل نتيجة الانفصال مثل تغيير المدرسة ومكان السكن، يحدث له نوع من التوتر، وزيادة التوتر في الدماغ يؤدي إلى إفراز هرمون الكورتيزول بشكل مستمر، وهو ما يسبب أثار خطيرة على جسمه ويضعف الجهاز المناعي، ويزيد من الالتهابات، كما يسرع من ظهور الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والسكري والضغط، والذي يكبر معه وقد يؤدي في النهاية إلى الوفاة المبكرة، وهذا هو تفسير الدراسة الامريكية حسبما أكدت استشاري الطب النفسي.
سمنة وقولون عصبي
وعلى الجانب الآخر يؤكد الدكتور محمد القاضي، استشاري الطب النفسي، أن الأطفال المتأثرون نفسياً من انفصال الأبوين أكثر عرضه للإصابة بارتفاع ضغط الدم نتيجة الضغط النفسي المتكرر، ويكون أكثر عرضه للإصابة بالعدوى، لافتًا إلى أن القلق المستمر يؤدي إلى حدوث اضطرابات في الجهاز الهضمي مثل القولون العصبي وآلام البطن، والقيء المتكرر بدون سبب واضح.
ويحدث للطفل الصغير العديد من الاضطرابات في الشهية نتيجة التوتر العصبي فيحدث له إما إفراط في تناول الطعام أو عزوف عنه، وكلاهما يضر النمو الجسدي للطفل بشكل سليم.
نمو الدماغ والإدمان
تداخل المرض النفسي مع العضوي للأطفال الذين ينفصل أبويهم يحدث بشكل كبير، وأوضح د. القاضي إلى أن الضغوط النفسية في مرحلة الطفولة يمكن أن تؤثر على نمو الدماغ، وتحدث تغييرات في التعبير الجيني مما يؤدي إلى ضعف الاستجابة المناعية وزيادة قابلية الجسم للأمراض المزمنة لاحقًا.
الأطفال الذين يعانون من انفصال أبويهم في سن مبكرة، يكونون أكثر عرضة في المراهقة والشباب للتدخين، والإدمان، واضطرابات النوم المزمنة، كل هذه العوامل مرتبطة علميًا بزيادة مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وأمراض القلب، وداء السكري من النوع الثاني، والسرطان، والوفاة المبكرة، والعزلة الاجتماعية واضطرابات العلاقات، وضعف في مهارات التكيف، ومشكلات في الثقة بالآخرين، وصعوبة في تكوين علاقات مستقرة.
علاج سلوكي وبيئة مستقرة
وفي السياق ذاته، تحدثت الدكتورة بسمة محمود، استشاري العلاج النفسي، عن كيفية الوعي بالأخطار السالف ذكرها، وكيفية التصدي لها، وقالت يجب على الأبوين الذين ينفصلون ولديهم أطفال صغار السن لم يتعدوا الخامسة من أعمارهم، تقديم العلاج السلوكي المعرفي لهم أو جلسات دعم جماعي، مع ضرورة تعاون الأبوين بعد الطلاق والعمل على توفير بيئة مستقرة ومحبة.
حيث يجب مساعدة الطفل على التعبير عن مشاعره دون خوف، واستبدال خوفه وقلقه بإشعاره بالأمان المستمر، وأن أبويه معه دائمًا حتى وإن انفصلوا، والحرص على تناوله غذاء متوازن، ومشاركته في أي نوع من الرياضة على أن يختارها بنفسه وتكون محببه إلى قلبه، كذلك الحرص على أخذ ساعات نوم كافية، لافتة إلى أنه في حالة ملاحظة تغيرات نفسية على الطفل يجب على الفور استشارة طبيب مختص لتهيئته نفسياً حتى لا يتأثر صحيًا وبدنيًا.
واختتمت د. بسمة حديثها وتقول إن الأطفال الذين ينفصل آباؤهم في سن مبكرة معرضون لأثر "تراكمي" سلبي على الصحة النفسية والجسدية، يبدأ باضطراب التوازن النفسي وينتهي بضعف المناعة وظهور الأمراض المزمنة، وهو ما يفسر زيادة احتمال الوفاة المبكرة بنسبة تصل إلى 55٪، لذا يجب الوعي من مخاطر الطلاق على هؤلاء الأطفال الصغار.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية