تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
نعيش اليوم في ظل التحوُّلات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم، حيث لم يَعُد الذكاء الاصطناعي مجرد ترفٍ معرفي أو تقنية مستقبلية بعيدة المنال، بل أصبح عنصرًا محوريًا في صناعة القرار، وتوجيه السلوك، وإعادة تشكيل مفاهيم السلطة والمعرفة في العصر الرقمي.
وقد ألقى هذا التطوّر بظلاله على مجال الإفتاء الشرعي، مما استدعى إعادة النظر في دور المفتي البشري باعتباره مرجعية شرعية لا تقتصر وظيفته على استحضار النصوص وحدها، بل تشمل أيضًا استيعاب متغيرات الواقع الذي يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيله بشكل متواصل.
من هنا تبرز الحاجة المُلِحّة إلى صياغة إطار أخلاقي وضوابط شرعية للتعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى، بما يحافظ على نقاء المصادر ووضوح المقاصد، ويحول دون الانحراف أو التشويه.
فقد ثبت أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ليست دائمًا محايدة، بل قد تكون منحازة وفق اختيارات المصممين والمطورين، سواء في طريقة بنائها أو البيانات التي دُرِّبت عليها، أو آلية عرضها للمستخدمين. ومع ذلك، لا مانع من الاستفادة من بعض أدوات المنطق البرمجي في تحليل تماسك البنية المنطقية للفتوى أو اتساق الأدلة، ما دامت هذه الأدوات لا تتدخل في إصدار الحكم الشرعي نفسه. وهذا تمييز ضروري بين ما يُعين المفتي وما يحل محله، فالأول مطلوب، أما الثاني فمرفوض.
وقد ألقى هذا التطوّر بظلاله على مجال الإفتاء الشرعي، مما استدعى إعادة النظر في دور المفتي البشري باعتباره مرجعية شرعية لا تقتصر وظيفته على استحضار النصوص وحدها، بل تشمل أيضًا استيعاب متغيرات الواقع الذي يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيله بشكل متواصل.
من هنا تبرز الحاجة المُلِحّة إلى صياغة إطار أخلاقي وضوابط شرعية للتعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى، بما يحافظ على نقاء المصادر ووضوح المقاصد، ويحول دون الانحراف أو التشويه.
فقد ثبت أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ليست دائمًا محايدة، بل قد تكون منحازة وفق اختيارات المصممين والمطورين، سواء في طريقة بنائها أو البيانات التي دُرِّبت عليها، أو آلية عرضها للمستخدمين. ومع ذلك، لا مانع من الاستفادة من بعض أدوات المنطق البرمجي في تحليل تماسك البنية المنطقية للفتوى أو اتساق الأدلة، ما دامت هذه الأدوات لا تتدخل في إصدار الحكم الشرعي نفسه. وهذا تمييز ضروري بين ما يُعين المفتي وما يحل محله، فالأول مطلوب، أما الثاني فمرفوض.
المفتي الرشيد
يؤكد الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، أن "الرشد" هو الغاية من الدين وشرائعه وأحكامه، وهو القيمة المركزية التي يجب أن ننطلق بها نحو عالم الذكاء الاصطناعي. ويوضح أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ليست مجرد محرّك بحث فائق السرعة يجمع المعلومات من مصادر إلكترونية متاحة، ولا تقتصر على تطبيقات سطحية مثل (شات جي بي تي) أو (ديب سيك)، بل هي صناعة ثقيلة تستثمر فيها الدول مليارات الدولارات في مجالات الطب، الصناعة، التعليم، الاتصالات، البرمجة، جمع البيانات، تحليلها، والأمن السيبراني.
ويشير د. الأزهري إلى أن المواهب والعقول البشرية تضيف يومًا بعد يوم إلى المخازن البحثية الإلكترونية، ومنها تستقي محركات البحث الذكية مادتها، لينشأ في هذا العالم الرقمي المفتي، والفيلسوف، والمفكر، والخطيب، والواعظ الرشيد.
مقوّمات ومبادئ
من جانبه، يصف الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر، الفتوى بأنها "صناعة" لها مقومات وأركان ومبادئ، يُصنع المفتي من خلالها صناعة متكاملة، ويؤكد أن الفتوى ليست كلمة عابرة مثل "يجوز" أو "لا يجوز"، بل عملية علمية مركبة تبدأ بفهم المسألة من واقع السائل، ثم تكييفها على القواعد الفقهية، وصولًا إلى الحكم الشرعي مع النظر في المآلات.
ويشدد د. الضويني، على أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل المفتي المؤهَّل، الذي يتحمل أمانة البيان عن الله تعالى، ويستنبط الأحكام بفهم عميق لمقاصد الشريعة وإدراك دقيق لأحوال الناس المتجددة، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى دور الذكاء الاصطناعي البنّاء في خدمة العلماء، من خلال تيسير الوصول إلى المصادر والمراجع، تنظيم البيانات، تحديثها، وتحليل كميات كبيرة من الفتاوى الشرعية، إضافةً إلى تقديم إجابات أولية سريعة مبنية على معلومات موثوقة، مما يعزز من قيمة منظومة الفتوى ويثري محتواها.
كما أوصى بضرورة وضع ميثاق أخلاقي يضبط التعامل مع هذه التقنيات، لتجنب تحولها إلى وسيلة تهدد القيم وتنتَهك الخصوصية، وكشف أن الأزهر يعمل حاليًا على صياغة وثيقة أزهرية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي بإشراف فضيلة الإمام الأكبر، مع ضرورة إعداد قائمة بالمهارات والكفاءات التي يجب أن تتوفر فيمن يستخدم هذه الأدوات في الفتوى.
تحوّلات غير مسبوقة
أما فضيلة الدكتور نظير محمد عياد مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، فأوضح أن ثورة الذكاء الاصطناعي أحدثت تحولات غير مسبوقة في مختلف المجالات، من الطب إلى التعليم والإدارة، لكنه شدد على أن استخدامها في الفتوى يتطلب توازنًا دقيقًا بين المرجعية الشرعية وأدوات العصر الرقمي، محذرًا من خطر تحويل الدين إلى خطاب مادي جامد إذا أُسند الأمر إلى الخوارزميات وحدها.
وأشار إلى أن الأسئلة الفقهية الجوهرية المطروحة في هذا السياق تشمل: قدرة الآلة على فهم تعارض النصوص، مراعاة النيات الإنسانية، إدراك السياقات الاجتماعية والاقتصادية، وفهم أثر الزمان والمكان في صياغة الفتاوى.
وأكد د. نظير أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في جمع النصوص وتنظيمها، وتحليل الأبعاد المختلفة للمسائل، لكنه لا يملك صلاحية إصدار الحكم الشرعي، وهنا تكمن خطورة ما يسمى بـ "هلوسة الذكاء الاصطناعي"، حيث قد تنتج هذه النماذج فتاوى مختلقة لكنها مقنعة شكليًا، ما يستدعي يقظة المؤسسات الدينية.
ودعا فضيلته إلى بناء نماذج ذكاء اصطناعي شرعية تُدرّب على قواعد الاستنباط والمقاصد، تحت إشراف مشترك بين علماء الشريعة وخبراء الذكاء الاصطناعي، وإنشاء منصات رقمية موثوقة للفتوى تخضع للمراجعة المستمرة.
واختتم بالتأكيد أن الذكاء الاصطناعي خادم للفتوى لا صانع لها، وأن الفتوى الرشيدة ستظل رهينة الإنسان العاقل المسؤول، الذي يحمل ضميرًا حيًا، ويجمع بين خشية الله وبصيرة القلب وحكمة المقصد.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية