تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
في السادس من يونيو تحل ذكرى رحيل أحد عمالقة السينما المصرية، الفنان الراحل محمود المليجي، الذي غاب عن عالمنا وهو يؤدي مشهد وفاته في فيلم "أيوب" عام 1983، ليكتب نهاية درامية تليق بمسيرة فنية استثنائية.
الشرير الطيب
أطلق على الراحل محمود المليجي عدة ألقاب خلال مسيرته الفنية، عبرت عن نوعية ما قدم من أدوار منها "شرير الشاشة"، "أنتوني كوين الشرق"، "الغول"، كما وصف بأنه الممثل صاحب القلب الطيب.
وُلد المليجي عام 1910، في حي المغربلين الشعبي بالقاهرة، وكان يقول إن أصول أجداده تعود إلى كردستان العراق، نشأ في بيئة تموج بتفاصيل الحياة اليومية، فهو لم يدخل الفن من بوابة الصدفة، فبداية في المسرح كان ملقنًا، وجاب الفرق المسرحية باحثًا عن فرصة، ولم يهبط إلى الشاشة ببطولة مدفوعة، بل صعد إليها بسلم طويل من التعب.
مشهد النهاية الواقعي
يقول المخرج الكبير هاني لاشين، الذي شهد اللحظات الأخيرة في حياة الفنان محمود المليجي أثناء تصوير مشهد النهاية في فيلم أيوب أمام الفنان العالمي عمر الشريف، إن محمود المليجي اسم كبير جدًا في عالم وفن التمثيل، ليس في مصر فقط، بل على مستوى العالم، ولست مبالغًا إن قلت إنه من أعظم الممثلين على الإطلاق، أنا شخصيًا، ولم أكن وحدي، أعتبره أحد أهم الممثلين في تاريخ التمثيل العالمي، فعمر الشريف مثلاً، كان دائماً يقول إن المليجي واحد من أهم أربعة أو خمسة ممثلين في العالم، فالجميع متفق تمامًا على موهبته وقدرته الإبداعية الفذة.
البيانو
أحب أن أطلق عليه لقب "البيانو مكتمل النغمات"، فمحمود المليجي كان يستطيع أن يعزف أي نغمة تمثيلية دون أدنى مبالغة، وكان لديه توافق مذهل بين ما يقوله وبين حركات جسده وتعابير وجهه.
حتى حين كان يمشي.. يُمثّل، حين يلتفت.. يُمثّل، استخدامه للطبقات الصوتية، من أدنى القرار إلى أعلى الجواب، كان أمرًا مذهلًا، بالفعل، كان آلة تمثيلية كاملة، يستطيع أي مخرج أن "يعزف" بها ما يشاء.
أيوب يرحل بعد صبر طويل
يضيف لاشين، المليجي شاركني في فيلم "أيوب"، وكان هذا آخر أفلامه، بل إن الحقيقة المدهشة أنه تُوفي أثناء وجودنا في موقع التصوير.
أذكر هذا اليوم جيدًا، جاء في الصباح، وكنا نستعد لتصوير مشهد "فلاش باك" في كازينو "الليل"، حيث جلس مع عمر الشريف، وكنا ننتظر "الماكيير" ليقوم بتصغير ملامحه كما يتطلب المشهد، قال لي ضاحكًا: ورّينا شطارتك بقي يا عم المخرجين، وهاتصغّرني 30 سنة".
تفاعلنا جميعًا مع كلامه، وبدأنا نشرب القهوة بينما كان هو يجهّز، خلال الحديث، قال وهو يضحك:" يا جماعة، الدنيا غريبة جدًا، الواحد ينام ويصحى، ينام ويصحى، ينام.. وأخذ يُمثّل صوت الشخير بطريقة طريفة".
ضحكنا جميعًا، ولم نكن نعلم أن هذا "الشخير" هو آخر أنفاسه، كان يُمثّل وكأنه على خشبة المسرح والجمهور يضحك، لكن الحقيقة أن هذا كان آخر أدواره، وآخر كلماته، وآخر ما قدّمه.
زكي أكمل المهمة
بعد وفاته، واجهتُ مشكلة لأنه لم يكن قد أنهى مشاهده في الفيلم، فاستعنت بالفنان الراحل أحمد زكي، الذي قام بأداء دور المليجي على شكل مكالمات هاتفية تُنقل صوته، وحاولنا تعديل السيناريو بما يناسب ذلك.
الفلاح يقلب الطاولة
وفى تحليل لطبيعة أدواره قال الناقد الفني أشرف غريب، إنه لم يكن فى البدايات متنوعًا فى اختياراته مثل معظم الممثلين ، إذ كان من الطبيعي أن يحقق الانتشار بأدوار صغيره ومعظمها لدور الشرير، وظلت تلك النوعية تطارده طويلًا فقدم مئات الأدوار منها لأنها كانت مطلوبة، وكان يجيدها ويتقنها، حتى نجح فى أن يقلب الطاولة ويحقق نجومية وشهرة واسعة مع انتقاله الى شكل وأداء مختلف مع يوسف شاهين، وبخاصة في فيلم "الأرض"، عندما جسد الشخصية الإنسانية "محمد أبو سويلم"، لم يكن مجرد فلاح بسيط يعانى الفقر والقهر فى ثلاثينات القرن الماضى، وإنما كان تجسيداً لحالة وطن تحت وطأة الاستعمار ،متمسكًا بمبادئه وأرضه.
من هنا صنع المليجي في مسيرته ما جعل الكبار ومنافسيه وفى مقدمتهم الملك فريد شوقي الذى قدم معه أكبر عدد من الأعمال، يشهدوا بموهبته الكبيرة، لدرجة أن المخرج يوسف شاهين ردد كثيرًا أنه كان يخشى النظر فى عينيه من حدتها وقوة تجسيده للحالة أمام الكاميرا.
المليجي كـان عضواً بـارزاً في الـرابطة القـومية للتمثـيل، ثـم عضواً بالفرقة القومية.. تزوج من رفيقة عمره الفنانة عُلوية جميل سنة 1939 وظل مخلصاً لها على مدى أربعة وأربعـين عامـاً حتى وفــاته في السادس من يونية 1983.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية