تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : في اليوم القومي لبورسعيد.. ذكريات تحكي ملحمة وطن
source icon

سبوت

.

في اليوم القومي لبورسعيد.. ذكريات تحكي ملحمة وطن

كتب:د . نسرين مصطفى 

يوافق يوم الثالث والعشرين من ديسمبر ذكرى أحد أعظم الأعياد الوطنية في تاريخ مصر، وهو العيد القومي لمدينة بورسعيد الباسلة، وذكرى الانتصار على العدوان الثلاثي الذي شنته إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، فيما عُرف بـ«بروتوكول سيفر».

وجاء هذا العدوان نتيجة قرار الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956، وهو القرار الذي هدد النفوذ البريطاني في المنطقة، خاصة بعد تحالف مصر مع الاتحاد السوفيتي لتوريد السلاح ورفع كفاءة الجيش المصري.

أما فرنسا، فقد وجدت في العدوان فرصة للانتقام من عبد الناصر لدعمه ثورة الجزائر، وتأميمه قناة السويس التي كانت آنذاك تحت الإدارة الفرنسية، بينما استغلت إسرائيل الفرصة لفك الحصار المفروض على عبور سفنها من قناة السويس.

وفي 31 أكتوبر 1956، بدأت إنجلترا وفرنسا هجومهما العسكري على مصر بالغارات الجوية على القاهرة ومدن القناة، ولتفادي تشتيت القوات المصرية، أصدرت القيادة أوامرها بانسحاب القوات من سيناء للتصدي للهجوم على مدن القناة، وبالفعل بدأ الهجوم المباشر على بورسعيد في اليوم ذاته.

سمير فرج: صحوت على القصف ورأيت المظلات تهبط
يستعيد اللواء أركان حرب الدكتور سمير فرج، المحلل الاستراتيجي، ذكريات ذلك اليوم قائلًا: استيقظت في منزلنا ببورسعيد صباح الهجوم على صوت قصف الأسطول البحري الإنجليزي والفرنسي، ورأيت من شرفة المنزل قوات المظلات البريطانية تهبط في مطار الجميل، فناديت والدي -رحمه الله- ليرى ما يحدث، فقام بتشغيل المذياع على محطة هيئة الإذاعة البريطانية، حيث سمعنا الإنذار الموجه إلى أهالي بورسعيد بإخلاء المساكن القريبة من شاطئ البحر، واللجوء إلى المخابئ تجنبًا لقصف المدينة.

انطلاق المقاومة الشعبية

ويتابع، في تلك اللحظة، اندفعت المقاومة الشعبية إلى مطار الجميل، ونجحت في القضاء على الفوج الأول من قوات المظلات البريطانية، وبدأ الغزو الفرنسي البريطاني، حيث تولت القوات البريطانية الهجوم على بورسعيد، بينما هاجمت القوات الفرنسية مدينة بورفؤاد، وتصدى لهما أبناء المقاومة الشعبية لمدة ثلاثة أيام كاملة، حتى صدر قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، وانصاعت القوات المعتدية للقرار.

مشاهد الدم والنار في شوارع المدينة
ويعود فرج بذاكرته قائلًا: «اصطحبني والدي إلى منزل جدتي بشارع الثلاثيني للاطمئنان عليها، وفي طريقنا شاهدنا شهداء المقاومة الشعبية على نواصي الشوارع، وسط دمائهم الطاهرة، وعند وصولنا إلى ميدان المحافظة، رأينا مبانيه محترقة بفعل قنابل النابالم التي ألقتها الطائرات البريطانية والفرنسية».

عمليات فدائية أربكت الاحتلال
ويواصل، أتذكر جيدًا أن عمليات المقاومة الشعبية لم تهدأ، ووجهت ضربات موجعة لقوات الاحتلال، وعلى رأسها عملية اختطاف الضابط البريطاني مور هاوس، ابن عم ملكة بريطانيا، واغتيال ضابط المخابرات البريطاني ويليامز، وتحولت أيام وليالي القوات البريطانية والفرنسية إلى كابوس، فلم تمر ليلة دون أن تتعرض معسكراتهم لعمليات فدائية، حتى انسحبوا في 23 ديسمبر 1956، حاملين عار هزيمتهم أمام شعب بورسعيد.

ويروي فرج مشهد اندفاعه مع جموع شعب بورسعيد لاستقبال طلائع الجيش المصري عند مدخل المدينة التي حررت نفسها من قيود الاحتلال، مضيفاً أنه منذ ذلك اليوم نحتفل سنويًا بعيد النصر، وكان يُنظم عرض عسكري يحضره الرئيس جمال عبد الناصر، كنت أقف أتابع العرض وأصفق لجنود بلادي، وحينها تمنيت أن أصبح ضابطًا في القوات المسلحة، وهو ما تحقق لاحقًا، حيث حملت علم كتيبتي في طابور العرض أمام الرئيس الراحل.

محمد الغباري: بورسعيد لم تنكسر
من جانبه، يقول اللواء أركان حرب الدكتور محمد الغباري، الخبير الاستراتيجي: «كنت طفلًا في العاشرة من عمري عندما تعرضت بورسعيد للعدوان الثلاثي، وشاهدت بعيني ما حققته المقاومة الشعبية، ورأيت إصرار جدي ووالدي على عدم مغادرة المدينة رغم عمليات التهجير التي كانت تُجرى حفاظًا على أرواح المدنيين، ورغم المعارك الطاحنة التي دارت في الشوارع».

الفدائيون… أبناء المدينة
ويضيف شارك أبناء بورسعيد جميعًا في المقاومة الشعبية، وكان يُطلق على من يقع عليه الاختيار اسم "فدائي" وقد ساند هؤلاء القوات الموجودة بالمدينة، والتي كانت تقتصر على كتيبة مشاة وكتيبة دفاع جوي، في مواجهة قوات إنجليزية وفرنسية بلغ قوامها نحو ثمانين ألف جندي.

الإسقاط المظلي… خطأ قاتل
ويواصل الغباري كنت شاهد عيان على شجاعة أبناء بورسعيد، حيث تسلح الأهالي جميعًا، وخلال يومين فقط تلقوا تدريبًا سريعًا على استخدام السلاح، وبدأ الإنجليز هجومهم في 29 أكتوبر، فقاموا بضرب المنافذ التي تربط بورسعيد بالجزيرة، وكوبري الرسوة، وكوبري اشتوم الجميل من ناحية الغرب، لتصبح المدينة محاصرة تمهيدًا للسيطرة عليها.

ويستطرد توهّمت القوات الإنجليزية أن أهل بورسعيد سيستسلمون، لكن ذلك لم يحدث، فقررت تنفيذ عملية إسقاط مظلي في منطقة مطار الجميل، وسارع الأهالي لمواجهة القوات المهاجمة ومساندة الجيش المصري، ونجحوا في القضاء على أول دفعة من المظلات الإنجليزية، وهو ما أصابهم بحالة من الذهول، كون هذه الوحدات من أقوى تشكيلات الجيش الإنجليزي.

ويضيف كان قرار تنفيذ إسقاط مظلي ثانٍ خطأً فادحًا، حيث تمكنت المقاومة الشعبية من القضاء عليه أيضًا، أما الإسقاط الثالث فكان خدعة إنجليزية أدت إلى مذبحة وخسائر كبيرة في الأرواح، واستشهاد أعداد من أبطال المقاومة.

المرأة والطفل في قلب المعركة
ويؤكد الغباري رغم محاولات تجويع أهل بورسعيد، لم تيأس المقاومة، بل قامت بتعطيل القناة عبر إغراق صندلين في مجرى قناة السويس لمنع عبور القوات الإنجليزية إلى الإسماعيلية، كما لعبت المرأة دورًا وطنيًا مهمًا، حيث تولت الجدات تنظيم توزيع الطعام أثناء الحصار، بمنح كل فرد حصة محدودة لضمان الصمود أطول فترة ممكنة.

ويختتم قائلًا تلك الفترة شكّلت وجدان جيل كامل؛ كنا نجلس مع الكبار ونستمع إلى الخطط والترتيبات، وأفخر بأنني شاهدت المعارك في الشوارع، وأتذكر مشاركة الأطفال أيضًا، حيث دُرّب أحدهم على الاقتراب من قائد إنجليزي وإلقاء قنبلة داخل رغيف خبز، ما أدى إلى بتر قدمه، وهو حادث ترك أثرًا بالغًا في نفوسهم.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية