تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : "فول الصويا".. من محصول غذائي إلى سلاح اقتصادي عالمي
source icon

سبوت

.

"فول الصويا".. من محصول غذائي إلى سلاح اقتصادي عالمي

كتب: صفاء محمود

لم يعد فول الصويا مجرد محصول زراعي تقليدي، بل تحوّل إلى ورقة ضغط اقتصادية مؤثرة في موازين القوى بين الدول الكبرى، فبينما يُعد غذاءً أساسيًا للإنسان والحيوان ومصدرًا للطاقة والصناعة، أصبح أيضًا أداة تستخدمها الصين بذكاء في إدارة صراعاتها التجارية مع الولايات المتحدة.

وفي ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، باتت الحقول الزراعية جزءًا من ساحات الحرب الاقتصادية العالمية، حيث تتحول السلعة الغذائية إلى سلاح استراتيجي يحدد مسار النفوذ بين القوى العظمى.

محصول عالمي 
يقول الدكتور محمد مشعل، أستاذ الاقتصاد بكلية الزراعة جامعة القاهرة، إن الصين تعتمد على استيراد كميات ضخمة من فول الصويا، لأنه ليس مجرد محصول عادي، بل يُعد من أهم السلع الزراعية في العالم، باعتباره غذاءً وظيفيًا غنيًا بالبروتين عالي الجودة، وهو من أقدم المحاصيل الغذائية المزروعة، إذ يعود تاريخ زراعته إلى نحو 3000 عام، وأصوله تمتد إلى دول شرق آسيا، حيث يُعد محصولًا أساسيًا في النظام الغذائي الصيني إلى جانب الأرز والقمح والشعير، كما يُستخدم في إنتاج أغذية غير أساسية.

أما في الولايات المتحدة، فقد زُرع فول الصويا لأول مرة في ولاية جورجيا عام 1765، لكنه لم ينتشر على نطاق واسع إلا في القرن العشرين.

ويشير د. مشعل إلى أن الإنتاج العالمي التراكمي من فول الصويا عام 2021 بلغ نحو 371 مليون طن، وتتصدر البرازيل والولايات المتحدة والأرجنتين والصين والهند وكندا وروسيا وأوكرانيا وبوليفيا وباراجواي قائمة الدول الأكثر إنتاجًا له.

ويدخل فول الصويا في العديد من الصناعات، حيث يُستخرج منه الزيت النباتي الذي يُعد من أنقى الزيوت استخدامًا في الطهي والصناعة، وبعد استخلاص الزيت، تُستخدم المخلفات الناتجة - المعروفة باسم "الكُسْب" - في صناعة الأعلاف الحيوانية، وهو أحد أهم استخدامات فول الصويا عالميًا، كما يدخل أيضًا في إنتاج الوقود الحيوي أو ما يُعرف بـ "الديزل الأخضر"، وهو وقود صديق للبيئة وبديل للمشتقات البترولية التقليدية.

ويؤكد أستاذ الاقتصاد الزراعي، أن فول الصويا يُنتَج منه العديد من المنتجات الغذائية، مثل حليب الصويا وصلصة الصويا، التي تستهلكها دول آسيا على نطاق واسع. فهو ببساطة "غذاء وطاقة وصناعة" في آنٍ واحد.

ويُعتبر فول الصويا سلعة أساسية واستراتيجية عالميًا، لاعتماد القطاعات الحيوانية عليه كعلف رئيسي في إنتاج اللحوم، ولهذا، يُتداول في البورصات العالمية إلى جانب النفط والذهب، حيث تؤثر أسعاره على الاقتصاد الزراعي ككل؛ فارتفاع أو انخفاض سعره ينعكس مباشرة على أسعار اللحوم والزيوت.

ويرى د. مشعل أن الخطر الأكبر على الاقتصاد الزراعي الأمريكي يتمثل في الاعتماد المفرط على سوق واحد - هو السوق الصيني - مما يجعل المزارعين عرضة للصدمات الجيوسياسية، ويؤكد أن الدرس الأهم هو أن التنوع في الأسواق وفتح أسواق بديلة حول العالم يمثل الحل الأمثل للدول المصدّرة لتقليل المخاطر.

سلاح اقتصادي
ويقول الدكتور أحمد معطي، الخبير الاقتصادي في البورصة وأسواق المال، إن الخلاف التجاري بين الصين والولايات المتحدة بدأ عام 2018 في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عندما فرضت واشنطن رسومًا جمركية على السلع الصينية، فردّت بكين بإيقاف استيراد فول الصويا الأمريكي.

وتُعد الصين أكبر مستهلك ومستورد لفول الصويا في العالم، إذ يبلغ عدد سكانها نحو 1.4 مليار نسمة، ومع هذا التعداد الضخم تمتلك قطاعًا واسعًا لتربية الدواجن والخنازير، وهو ما يتطلب كميات هائلة من الأعلاف، ولهذا، تستهلك الصين أكثر من 60% من إنتاج فول الصويا العالمي، وتستورد سنويًا أكثر من 90 مليون طن، يُخصص نحو 80% منها للأعلاف الحيوانية، والباقي يُستخدم في صناعة الزيوت والمنتجات الغذائية.

ويُوضح د. معطي أن الصين لا تستطيع الاستغناء عن فول الصويا بسهولة، لكنه في الوقت نفسه يمثل ورقة ضغط اقتصادية قوية يمكنها استخدامها ضد أي دولة تعتمد على تصديره إليها، كما حدث مع الولايات المتحدة.

فعندما قررت الصين التوقف عن شراء فول الصويا الأمريكي، كانت تلك الخطوة بمثابة صفعة قوية للمزارعين الأمريكيين، إذ كانت تشتري نحو نصف إنتاجهم، ونتيجة لذلك انهارت الأسعار، وامتلأت المخازن، وتراكمت الديون، وتكبد القطاع الزراعي الأمريكي خسائر بمليارات الدولارات.

وفي المقابل، كانت الصين تُعد خطة بديلة، فبدأت في شراء كميات ضخمة من البرازيل والأرجنتين لتأمين احتياجاتها الغذائية، ووجهت ضربة موجعة للاقتصاد الأمريكي دون إطلاق رصاصة واحدة.

وهكذا، أصبحت الزراعة جزءًا من معركة النفوذ العالمي، وصارت الحقول الزراعية ساحات حرب اقتصادية، تمامًا كما هي المصانع أو البورصات.

ففي نهاية عام 2024، بلغت صادرات فول الصويا الأمريكية نحو 24.5 مليار دولار، استوردت الصين منها 12.8 مليار دولار، أي ما يقارب نصف الصادرات، وهو ما أدى إلى انخفاض السعر العالمي لفول الصويا بنحو 6% وفق التوقعات.

ومن هذا المشهد، يمكن استنتاج أن الزراعة قد تتحول إلى أداة في حرب اقتصادية صامتة، وأن أي دولة منتجة يمكن أن تكون هدفًا إذا كانت دولة كبرى مثل الصين تعتمد على استيراد منتجاتها، لذا يجب على الدول المتوسطة والناشئة أن تراعي هذه النقطة عند بناء علاقاتها التجارية.

 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية