تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
كتب بيتر شرودر، وهو زميل أول مساعد في برنامج الأمن عبر الأطلسي التابع لمركز الأمن الأمريكي الجديد، مقالاً نشرته مجلة فورين بوليسي بعنوان "روسيا هي الطرف الخاسر في الحرب بين إسرائيل وحماس"، استهله قائلاً إن نفوذ روسيا في الشرق الأوسط يقف اليوم عند منعطف هام؛ فبعد أن تعثرت روسيا بسبب غزوها الكارثي لأوكرانيا، برز تراجع مكانة روسيا في المنطقة بشكل حاد بعد هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر.
وبينما كانت موسكو تؤدي دوراً محورياً في الدبلوماسية المحيطة بالحرب في سورية قبل 10 سنوات، لم يجذب الدفع الروسي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أجل وقف إطلاق النار في غزة سوى القليل من الاهتمام. ويرمز هذا التناقض إلى نهاية عودة موسكو التي دامت عقداً من الزمن إلى المنطقة.
فحتى قبل استعادة منصب الرئاسة الروسي في مايو 2012، كان فلاديمير بوتين عازماً على إعادة روسيا إلى دور بارز في الشرق الأوسط. وفي انتقاده لقرار الرئيس ديمتري ميدفيديف آنذاك بالامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن الذي يجيز استخدام القوة في ليبيا، بدا عازماً على منع الغرب من التصرف بحرية مرة أخرى. ومع اندلاع الحرب السورية في عام 2011، اتخذ الكرملين موقفاً متشدداً يعارض أي تحرك للأمم المتحدة.
وفي خضم الحرب السورية، رسمت موسكو مسارها نحو مكانة جديدة في الشرق الأوسط؛ واتخذ بوتين أول خطوة كبيرة له هناك في سبتمبر 2013. فمع استعداد الولايات المتحدة لتدخل مسلح بعد تجاوز النظام السوري "الخط الأحمر" الذي أعلنه الرئيس باراك أوباما واستخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، ابتكر بوتين تسوية دبلوماسية، ووعدت روسيا بالمساعدة في القضاء على ترسانة سورية الكيميائية. وبعد عامين، عززت روسيا موقفها في المنطقة من خلال التدخل عسكرياً في سورية؛ وخلال أقل من عام، قلبت قوات موسكو مجرى الحرب وأمنت حكم الدكتاتور السوري بشار الأسد، وهو نجاح حوله بوتين إلى نفوذ في جميع أنحاء المنطقة.
ومع قبضتها القوية على سورية، أصبحت روسيا مركزية في الدبلوماسية الإقليمية من أنقرة إلى الرياض إلى القاهرة. ومن خلال العمل مع إيران وحزب الله في ساحة المعركة السورية، بدأ دف علاقات موسكو مع طهران يزداد؛ ومع اضطرارها إلى وضع القوات العسكرية الروسية في الاعتبار، تواصلت إسرائيل مع موسكو بشكل متزايد؛ كما سعى العراق ومصر إلى التعاون مع أجهزة الاستخبارات الروسية؛ وسرعان ما بدأت القوات المدعومة من روسيا في الوصول إلى ليبيا للتدخل في الحرب هناك أيضاً.
واستغلت موسكو دورها الجديد في المنطقة لطرح نفسها كبديل للولايات المتحدة، مستفيدة من السخط تجاه واشنطن لتعزيز نفوذها. ففي تركيا، استفادت موسكو من التصورات بشأن دعم الغرب لانقلاب عام 2016 الفاشل، فضلاً عن النزاع المستمر حول التعاون الأمريكي مع القوات الكردية في سورية. وفي مصر، استغل بوتين مخاوف إدارة أوباما بعد الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً بقيادة الإخوان المسلمين في عام 2013 لتطوير علاقات دافئة مع الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي.
وفي إسرائيل، استغل بوتين العلاقة الباردة بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لتعزيز العلاقات مع إسرائيل. وفي المملكة العربية السعودية، راهن بوتين منذ وقت مبكر على ولي العهد الطموح الأمير محمد بن سلمان، حيث صافح يده على الملأ في قمة مجموعة العشرين في عام 2018، بعد شهر واحد فقط من مقتل الصحافي جمال خاشقجي. ويشير الكاتب إلى أن نهج موسكو القائم على المصالح والدبلوماسية الماهرة ساعدها في التعامل مع الانقسامات الإقليمية بنجاح؛ حيث كانت السياسة الروسية واقعية وغير مرتبطة بإيديولوجية أو قيم مثل الديمقراطية.
وتمكنت روسيا من تحسين العلاقات مع إيران وإسرائيل والسعودية في آن واحد؛ ومن التواصل مع الحكومة التركية والجماعات الكردية في سورية، متجنبة ببراعة الانتقادات التي وجهتها أنقرة إلى واشنطن. ومع ذلك، أسفر الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 عن تفكك تدريجي لنفوذ الكرملين في الشرق الأوسط. فأولاً، شوه الهجوم الروسي غير المبرر مكانتها الدولية، ما جعلها بديلاً أقل جاذبية لواشنطن. فعلى سبيل المثال، وافقت القاهرة، تحت ضغوط من واشنطن، على وقف شحنات الأسلحة المخطط لها إلى روسيا والتي كانت ستدعم حربها في أوكرانيا؛ وتجنبت أنقرة شراء دفعة أخرى من نظام الدفاع الجوي الروسي S-400، ومن المرجح أن تستنتج أن اللعب بورقة روسيا مع واشنطن أصبح الآن أقل مصداقية وفعالية.
كما انعكس نفوذ موسكو في علاقاتها مع الدول الرئيسية في المنطقة: فبينما تمكنت روسيا من فرض عقوبات مؤلمة على تركيا رداً على إسقاط الأخيرة طائرة مقاتلة روسية في عام 2015 وإجبار أردوغان على الاعتذار، تعتمد روسيا الآن على تركيا كقناة لنقل البضائع للتحايل على العقوبات الغربية؛ وتسير الطائرات الروسية الآن عبر إسطنبول ودبي لتجنب قيود المجال الجوي الأوروبي؛ وتشتري موسكو طائرات مسيرة مسلحة إيرانية الصنع.
وأخيراً، أضعفت موسكو وجودها العسكري والأمني في الشرق الأوسط، حيث خفضت بعض قواتها ومعداتها هناك لدعم العمليات العسكرية في أوكرانيا. ويرى الكاتب أن هجوم حماس على إسرائيل والرد الإسرائيلي الحاد عليه قد يمثل نقطة اللاعودة بالنسبة لنفوذ روسيا المتضائل في الشرق الأوسط؛ فقد كانت العلاقات بين روسيا وإسرائيل قد توترت بالفعل بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن استجابة بوتين للأزمة في غزة جعلت الأمور أسوأ على الأرجح. فقد امتنعت موسكو عن إدانة هجوم حماس صراحة؛ ورغم أن بوتين قد أضر على الأرجح بعلاقاته الشخصية مع نتانياهو، فمن المرجح أن تتدهور العلاقات الثنائية أكثر إذا ترك الأخير منصبه نتيجة للأزمة في غزة. كما ستتبدد أهمية موسكو كوسيط بين الجماعات الفلسطينية؛ فقد امتنعت روسيا عن الاعتراف بحماس كجماعة إرهابية وسعت إلى تسهيل المصالحة بين الجماعات الفلسطينية كخطوة رئيسية نحو السلام وإنشاء دولة فلسطينية، وقد زار مسؤولو حماس موسكو عدة مرات خلال العقد الماضي. ولكن حتى لو تمكنت حماس من النجاة من الغزو البري الإسرائيلي المستمر، قد لا تشكل المصالحة بين الفلسطينيين أولوية لعملية سلام الشرق الأوسط خلال المستقبل المنظور. ومن المرجح أيضاً أن تصعِّب الحرب على روسيا التعامل مع المنافسات الإقليمية، ولا سيما في ضوء علاقاتها الدافئة مع طهران.
فرغم أن موسكو تفضل تجنب الانحياز إلى إسرائيل أو إيران، فإن محاولات الحفاظ على الحياد وسط الصراع المتصاعد قد تؤدي فقط إلى احتكاك مع كليهما. وإذا اضطرت موسكو إلى الاختيار، فربما تقرر ذلك استناداً إلى التأثير المحتمل على حرب أوكرانيا. إذ سيحتاج الكرملين إلى أن يقرر ما إذا كانت الأسلحة الإيرانية أكثر أهمية بالنسبة لروسيا -أو ما إذا كانت الأولوية هي الحفاظ على النفوذ على إسرائيل من أجل ثنيها عن تقديم الأسلحة إلى أوكرانيا. ويختتم الكاتب المقال بالإشارة إلى أن أزمة غزة قد تساهم في تحديد مستقبل الشرق الأوسط، ولكن لن يكون لموسكو دور كبير في تشكيله على الأرجح. فبينما كانت روسيا محورية في المناقشات حول الحرب السورية قبل عقد من الزمن، سيتشكل المسار المستقبلي للشرق الأوسط بعد أزمة غزة دون أي مساهمة كبيرة على الأرجح من موسكو.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية