بيوت مصرية ريفية وحارات شعبية ومشاهد واقعية من التراث بقطعة صغيرة من الخشب أو الكرتون المقوى، تحكي تراثا وتاريخا لم يعد موجود في الوقت الراهن، ونتذكره بـ"مصغرات" تعيد لنا حالة من" النوستالجيا " أو الحنين إلي الماضي.

"المصغرات" من الفنون التشكيلية الجميلة التي تعتمد على بناء مجسمات صغيرة الحجم جدا ربما يصل حجمها إلى حجم كف اليد أو أصغر، وتحاكي واقعا ملموسا من تجسيد أشخاص أو أماكن أو شوارع أو بيوت مصرية قديمة أو بعض الوحدات التراثية النادرة، هكذا وصفت عبير سعد الدين، الفنانة التشكيلية والرائدة في صناعة هذا الفن ، في حديثها لـ"سبوت".

وواصلت: "المصغرات تستخدم في صناعة السينما وهو الهدف الأساسي لها، فالبلاتوهات الأجنبية ليست جميعها حقيقية، وهناك العديد من الأعمال السينمائية التي استخدمت المصغرات في تصويرها مثل“ Harry potter، Shaun the sheep، indiana jones“، حيث يتم تصوير الممثل على كروما ويتم تركيب الصورة على "المصغر" ولكن هذا الأمر يتطلب برامج مونتاج عالية الإمكانات وتحتاج إلى إنتاج كبير، لذلك فنجده غير منتشر في مصر سينمائيا.
وسردت عبير قصتها مع فن المصغرات قائلة: ابني الصغير يحب كثيرا مشاهدة الأعمال اليدوية على موقع اليوتيوب ويحاول أن يتعلم منها، إلي أن شاهد مصغر لبيت باربي، وطلب مساعدتي ووقته في تنفيذه وأعجبت بهذا الفن كثيرا، ولكنني في نفس الوقت تعجبت أنه لا يوجد مصغرات تحاكي التراث المصري ومن هنا قررت أن أوظف هذا الفن في كيفية إحياء التراث المصري والعربي من خلال فن المصغرات، واشتغلت على عناصر من التراث اندثرت بالفعل أو على وشك الاندثار، وفي كل مصغر أقوم بتصميمه يوجد به وحدات من التراث أصبحت غير موجودة حاليا ولكننا نتذكرها بمجرد رؤيتها.

وأضافت، أن فن "المصغرات" يبرز الهوية المصرية من خلال تجسيد مشاهد حياتية من التراث المصري ومناظر طبيعية، مرورا بالبيوت الشعبية والريفية ومشاهد داخلية من المنازل المصرية القديمة، مستطردة: وهذا هو الهدف الأساسي من انتشار هذا الفن في مصر، إذ يعتبر وسيلة لتعريف العالم بجمال وعراقة التراث المصري، وخلال مشاركتي في العديد من المعارض العالمية بهذه الوحدات،  كان الجميع  ينبهرون بجمال وتفاصيل البيوت المصرية والحارات الشعبية، ويندهشون كثيرا عند رؤيتها.

الربط بين نشأة هذا الفن وتجسيده كان هدف آخر سعت له عبير وقالت: عندما تعمقت في تاريخ فن المصغرات وجدت أنه يعود إلى عصر الفراعنة، وحاولت أن أؤكد أنه فن مصري من خلال عمل مستنسخات مصغرة من قطع أثرية بالمتحف الإسلامي بالقاهرة ضمن فعاليات اليوم العالمي للمتاحف الذي نظمه المتحف الإسلامي.

الخشب وبقايا الأقمشة وأغطية الزجاجات أو العلب البلاستيكية القديمة جميعها مواد معاد تدويرها لتصبح" مصغر" جذاب يحاكي تفاصيل دقيقة للغاية، يستغرق عمله ما بين أسبوع إلى ثلاثة أشهر، هكذا أكدت عبير، موضحة أن المصغرات التي تحاكي التراث الإسلامي تحتاج ثلاثة أشهر على الأقل، إلا أن البحث عن الفكرة تأخذ وقت أكثر من تنفيذها.

تعريف الجيل الجديد بقيمة هذا الفن من خلال توظيفه في العديد من الاستخدامات، هذا ما سعت له عبير، إذ قالت: قررت توظيف المصغرات فصممت منها وحدات إضاءة، كجزء من ديكور المنزل، وصنعت من المصغرات" ميدالية مفاتيح "على شكل وحدات تراثية مثل الوابور الريفي يكتب عليها أسماء ومطلية بماء الذهب، ولان النوت بوك من أكثر الأشياء المستخدمة بالنسبة للشباب فقمت بعمل مصغرات عليها بأشكال تراثية لإحياء التراث المصري وليكون في ذاكرة ووجدان الأجيال القادمة.