تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : غضب البحر.. حكاية النوات من "المكنسة" إلى "الفيضة الكبرى"
source icon

سبوت

.

غضب البحر.. حكاية النوات من "المكنسة" إلى "الفيضة الكبرى"

كتب: سعاد طنطاوي

يقول المثل: "اللي ما يحسبش حساب النوات... ما يعرفش يشتغل صيّاد"، وهو قول يذكّرنا بأن نوة المكنسة على الأبواب، تدق بقوة باب الشتاء، وتجر وراءها أخواتها من منتصف نوفمبر حتى مارس، لتكشف أن النوات ليست مجرد ظاهرة جوية، بل جزء مهم من حياة أهل الساحل المتوسطي.

محمد عبد الرحمن، الشهير بـ "حمو" من أبو قير، 57 عامًا، يقول: "الصيد مهنتنا وحرفتنا، وما نعرفش شغلانة غيرها، لكن البحر غدّار.. لما يقلب علينا يغرقنا، ولذلك ورثنا من أجدادنا وآبائنا عدّ أيام النوات والتحسّب لها، فهي بالنسبة لنا غضبة البحر برياحها الشديدة، وأمواجها العالية، وأمطارها الغزيرة التي تصل أحيانًا إلى حد السيول أو البرد الثلجي".

دليل استرشادي لمواسم الصيد
ويضيف حمو أن النوات بالنسبة للصيادين وبحارة الساحل، خصوصًا في الإسكندرية ورشيد ودمياط، ليست مجرد طقس سيئ؛ بل هي دليل للملاحة، وتحدد مواسم الصيد، وخاصة النوات العنيفة التي تُوقف الصيد تمامًا وتستوجب إغلاق الميناء مثل نوة الفيضة الكبرى، بينما تكون نوة الفيضة الصغرى خيرًا وفيرًا للصيادين.

ويؤكد أن "كل أهل الساحل يحفظون أسماء النوات عن ظهر قلب، ويتناقلون أسماءها ومواعيدها بدقة جيلًا بعد جيل، لأن حياتنا كلها معتمدة عليها".

نوات بحكايات
في الشتاء نوات كثيرة، ولكل نوة حكاية سمعناها من أهلنا زمان، عندما تهب أولى رياح الشتاء الباردة على البحر المتوسط، يعرف أهل الإسكندرية أن المكنسة على الأبواب.
وهي أول نوة تفتتح موسم الشتاء، وسميت بهذا الاسم لأنها "تكنس" البحر؛ تثير أمواجه وتطهّر الجو من الرطوبة والضباب، وتمتد عادة من 16 - 20 نوفمبر، وتكون الإشارة الأولى لبداية غضب البحر.

وبعد المكنسة بأسابيع، تأتي نوة قاسم في بدايات ديسمبر؛ نوة عنيفة شديدة الرياح باردة الطقس، ومطرها متوسط، وتُحكى رواية أن شابًا اسمه قاسم تُوفي في هذا الوقت من السنة، فسُميت النوة باسمه لتحذير الصيادين من نزول البحر.

وفي أواخر ديسمبر تحل نوة عيد الميلاد بأمطارها الغزيرة ورياحها القوية، تزامنًا مع الاحتفالات، ومع بداية العام الجديد تأتي نوة رأس السنة، قصيرة لكنها شديدة البرودة.

الفيضة وباب الرزق
وفي 12 ديسمبر تهجم نوة الفيضة الكبيرة؛ أخطر النوات على الإطلاق، وتستمر من 4 - 6 أيام، يخافها الصيادون ويقولون عنها: "الفيضة الكبرى ما بتهزّرش"، فيها يثور البحر ويرتفع الموج إلى ستة أمتار، وتنقلب المراكب الكبيرة وتُسحب الفلوكة والبلايط، وتُغلق البواغيز (فتحات الميناء)، وتعطل رزق الصيادين، وتُتلف الشباك والحبال والماكينات، ويصيب بردها القارس البحارة بالمرض. كما تغمر المياه المناطق المنخفضة وتنحر الشواطئ.

أما الفيضة الصغيرة التي تأتي في 19 ديسمبر، فينتظرها الصيادون بفارغ الصبر، تمتد ليومين أو ثلاثة فقط، لكنها تفتح "باب الرزق"؛ إذ إن اضطراب البحر الخفيف يُحرّك الأسماك نحو الشاطئ فيسهل صيدها بكثرة، ومع زيادة الطلب في الشتاء يرتفع ثمنها.

ثم ينكسر البرد بعدها في 4 يناير مع نوة الشمس الصغيرة برياح خفيفة، وفي منتصف يناير تهب نوة السلوم برياح جافة محملة بالتراب، ثم تأتي نوة الكرم في 28 يناير، تليها نوة العوة في 7 فبراير، حيث يُشبه صوت الريح العواء، وتختتم النوات بنوة سرسر في 2 مارس، بلسعة برد قارسة كوداع من البحر للشتاء قبل دخول الربيع.

تفسير علمي
تقول الدكتورة إيمان شاكر، مدير مركز الاستشعار عن بُعد بالهيئة العامة للأرصاد الجوية، إن النوة هي اضطراب شديد في البحر، تحديدًا على سواحل البحر المتوسط فقط، وخاصة الإسكندرية ودمياط ورشيد والبحيرة ومطروح، ولا ينطبق مصطلح النوة على البحر الأحمر، ويصاحبها سقوط أمطار.

وتوضح أن كلمة "نوة" أطلقها البحارة والصيادون قديمًا قبل وجود التنبؤات الجوية والنماذج العددية، ولأن عملهم يعتمد على الصيد، فقد احتاجوا لمعرفة حالة البحر مسبقًا، فحددوا مواعيد اضطرابه سنويًا وما يصاحبه من أمطار ورياح، ووضعوا جدولًا للنوات يتراوح بين 15 و16 نوة، تبدأ بالمكنسة في 16 نوفمبر وتنتهي آخر نوة في مارس.

وتؤكد أن هذا التقسيم غير علمي، بل قائم على الملاحظة، والدليل أن نوة المكنسة -وفقًا للتراث الشعبي- تبدأ الأحد المقبل، بينما الواقع يشير إلى أن الإسكندرية تعرضت منذ الأربعاء الماضي لمنخفض جوي مصحوب بأمطار غزيرة ورعد وبرق ورياح شمالية غربية وتيارات هابطة، وتنتهي الحالة في 16 نوفمبر، وتؤكد أن مواعيد النوات غير ثابتة وتختلف من سنة لأخرى.

المنخفضات الجوية
وتضيف أن العلم الحديث يتعامل مع مفهوم المنخفضات الجوية وليس النوات، فالمنخفض الجوي هو منطقة منخفضة الضغط تتكون على البحر المتوسط، وتكثر مع ارتفاع حرارة سطحه في الصيف، مما يؤدي لتشكل منخفضات قوية في الخريف والشتاء.

وقد تكون بعض المنخفضات متعمقة في طبقات الجو العليا، فتؤدي لسقوط أمطار غزيرة ورعد وبرق، بشرط توفر الرطوبة العالية مع رياح شمالية شرقية أو غربية، وتبريد في طبقات الجو العليا، وفارق يزيد على 40 درجة مئوية بين السطح والعلو. وفي هذه الحالة تحدث أمطار رعدية ورياح شديدة قد تسقط أعمدة وأشجارًا ولوحات معدنية، وربما تؤدي لانهيار مبانٍ متهالكة، وتؤكد أن المنخفضات تختلف عن "النوة" التي ترتبط أساسًا باضطراب الملاحة.

مشروعات حماية
وضعت الدولة خطة علمية وهندسية تنفذها الهيئة العامة لحماية الشواطئ بوزارة الري، ويقول المتحدث الرسمي للوزارة، المهندس محمد غانم، إن مشروعات الحماية تشمل:
- كواسر أمواج لخفض سرعة الموج قبل وصوله للشاطئ.
- أسوار بحرية وحواجز حجرية لحماية الطرق والمنشآت.
- التغذية الشاطئية بإعادة ضخ الرمال للمناطق المتآكلة.
- حواجز غاطسة تحت سطح الماء لتقليل طاقة الموج دون تغيير شكل الشاطئ.
ومن أمثلتها:
مشروعات حماية كورنيش الإسكندرية بطول أكثر من 7 كم، وحماية منطقة برج رشيد، ومشروعات حماية شواطئ بورسعيد ودمياط الجديدة ضمن خطة مواجهة ارتفاع منسوب البحر.

الإنذار المبكر
كذلك أعلنت هيئة حماية الشواطئ، استعداداتها لمواجهة نوات الشتاء، حيث يتم رصد النوات والأمواج باستخدام بيانات الأقمار الصناعية ونماذج التنبؤ الجوي، وتصدر غرف العمليات نشرات يومية لحالة البحر بالتنسيق مع المحافظات ووزارة النقل وهيئة الموانئ لإيقاف الملاحة عند الضرورة.

وترفع المحافظات جاهزيتها بتجهيز عربات ومضخات لشفط المياه من المناطق المنخفضة، وقد تصل إلى إغلاق الموانئ أثناء ذروة النوات لحماية الأرواح والمراكب وتأمين المنشآت الحيوية مثل محطات الكهرباء والمياه والمستشفيات الساحلية.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية