بعد أن كشفت تقارير الطب الشرعي أن وفاة ستة أطفال أشقاء ووالدهم في مركز ديرمواس بمحافظة المنيا كانت نتيجة التعرض لمبيد حشري زراعي، أصبح من الضروري طرح تساؤلات مهمة منها: ما فوائد واستخدامات المبيدات الحشرية؟ ما أضرارها وكيف يمكن استخدامها بأمان؟ وما الإجراءات التي يجب أن تتبعها ربة المنزل لحماية أسرتها من آثارها؟
سألنا المختصين عن أفضل طريقة آمنة للوقاية من خطر هذه المبيدات التي تحولت مع صديق معالج للأرض لعدو قاتل للإنسان خلال التقرير التالي. 


عندما يتحول الحل لخطر
تؤكد الدكتورة داليا عبد الله يوسف، الباحثة بقسم آفات ووقاية النبات بالمركز القومي للبحوث، أن المبيدات الحشرية الزراعية تُعد وسيلة فعالة في مكافحة الآفات، والأعشاب الضارة، والكائنات غير المرغوب فيها، ورغم فوائدها في تحسين إنتاجية المحاصيل وتقليل الأمراض، فإن استخدامها يحمل مخاطر بيئية وصحية جسيمة، فتسرب المبيدات إلى الهواء والماء والتربة يؤدي إلى تلوث يهدد الإنسان بأمراض خطيرة، منها التسمم الحاد أو المزمن.

قد يحدث التسمم الحاد نتيجة استنشاق كميات كبيرة من المبيد أو ملامسته للجلد أو العينين، أما التسمم المزمن فينتج عن التعرض المستمر له، وقد يؤدي إلى تأثيرات عصبية، طفرات جينية، تشوهات خلقية، اضطرابات هرمونية، بل وحتى السرطان.

تحديد نوع الإصابة أولًا
تشدد د. داليا على ضرورة تحديد نوع الإصابة أو المشكلة الزراعية قبل استخدام المبيدات، وعدم استخدام أي منتج غير مسجل بوزارة الزراعة، لاحتمال احتوائه على مواد محظورة أو مسرطنة. كما يجب تخزين المبيدات في مكان آمن، بعيدًا عن متناول الأطفال والمواد الغذائية والأسمدة.

فترة الخطر ما قبل الحصاد

تحذر د. داليا من تناول المحاصيل خلال الفترة التي تسبق الحصاد بعد رشها بالمبيدات، والمعروفة بـ"فترة الأمان"، والتي تختلف باختلاف نوع المحصول والمبيد، وتتراوح غالبًا بين يوم و21 يومًا، أما المبيدات العضوية والبيولوجية، فغالبًا ما تكون آمنة ولا تحتاج إلى هذه الفترة، حيث يمكن تناول المحصول في نفس يوم الرش دون ضرر، مثل بعض المبيدات المستخدمة مع الخيار والطماطم والفراولة.

إجراءات ضرورية قبل الرش
تنصح د. داليا بقراءة بطاقة البيان الموجودة على عبوة المبيد، والالتزام بالتحذيرات والتعليمات، كما يجب عدم نقل المبيد مع الطعام أو الأعلاف، وتجنب وضعه داخل السيارة بجوار الركاب، كذلك من الضروري ارتداء ملابس واقية (قفازات، كمامة، نظارات، أفرول، حذاء خاص) عند تحضير محلول الرش، وإبعاد الحيوانات والنحل عن منطقة الاستخدام.

أثناء الرش
يفضل إجراء الرش في الصباح الباكر أو المساء، وتجنب الرش في وجود رياح قوية أو أمطار، كما يجب عدم الأكل أو الشرب أو التدخين أثناء التحضير أو الرش، وتجنب النفخ بالفم في أنبوب الرش، كما يجب عدم خلط المبيد باليدين، والتصرف بسرعة في حال حدوث تسرب، وارتداء ملابس جديدة إذا تلوثت القديمة، عند استخدام مبيدات شديدة السمية، يجب أن تتم العملية تحت إشراف مهندس زراعي مختص.

بعد الرش
تنصح د. داليا بغسل عبوات المبيدات الفارغة جيدًا، وإعادة محلول الغسيل إلى الخزان، ثم التخلص من العبوات بطريقة آمنة بيئيًا كالحرق أو الدفن، وعدم رميها في المياه أو الصرف الصحي. كما يجب غسل أدوات الرش بعيدًا عن مصادر المياه، وتجنب دخول الحقول المرشوشة قبل مرور 24 ساعة أو حسب تعليمات الملصق، إذا تبقى مبيد لم يُستخدم، فيجب حفظه في العبوة الأصلية. ينصح بغسل الوجه واليدين جيدًا، ويفضل الاستحمام بعد الانتهاء من الرش.

طرق الزراعة الآمنة والمستدامة
وتشجع د. داليا على استخدام المبيدات الآمنة ذات فترة أمان قصيرة، واتباع أساليب وقائية تقلل من الحاجة إلى المبيدات، مثل الحجر الزراعي، والمبيدات الحيوية التي تعتمد على كائنات دقيقة (بكتيريا، فطريات، فيروسات) أو مستخلصات نباتية، والتي يجري تطويرها حاليًا باستخدام تكنولوجيا النانو لزيادة فعاليتها.

التخلص من آثار المبيدات على الخضروات والفاكهة
وتشير الدكتورة هناء إمبابي صادق، أستاذ مساعد بالمركز القومي للبحوث، إلى أنه يمكن إزالة بقايا المبيدات من المحاصيل حسب نوعها:

المبيدات غير الجهازية تلتصق بسطح الثمار ويمكن التخلص منها بالغسل الجيد.

المبيدات الجهازية تخترق أنسجة النبات وتجعله سامًا، ولا يمكن التخلص منها إلا بعد انتهاء فترة الأمان.

فترة الأمان هي الفترة التي يجب أن تنقضي قبل استهلاك المحصول بعد رشه بالمبيد، وتختلف حسب نوع المادة ونوع المحصول. عند الالتزام بها، يُصبح المحصول آمنًا للاستهلاك دون آثار ضارة حتى على المدى الطويل.

الغسل وحده لا يكفي
تنصح د. هناء باتباع الخطوات التالية لإزالة آثار المبيدات من الخضروات والفواكه:

- غسل الثمار بماء مضاف إليه 2% ملح.
- الماء البارد وحده يزيل 75–80% من آثار المبيد.
- تقطيع الأجزاء المتشققة أو غير المستوية في ثمار مثل الطماطم والفلفل.
- نقع الفاكهة في ماء به 10% خل، مع الحذر من نقع الثمار ذات القشرة الرقيقة (مثل الفراولة والتوت) لفترة طويلة.
- يمكن غلي الثمار لفترة قصيرة ثم تبريدها بالماء لإزالة المبيد من الشقوق.
- تجنب استخدام المنظفات الصناعية، لأنها قد تُمتص وتسبب أمراضًا حتى بعد شطفها.
- يُفضل شراء الفاكهة والخضروات في موسمها، وتجميد الفائض منها لاستخدامه لاحقًا.
- غسل التفاح بماء مضاف إليه القليل من صودا الخبز.
- تقشير بعض الخضروات والفواكه لتقليل أثر المبيدات على القشرة.

المخاطر الصحية للمبيدات

وتحذر الدكتورة إيناس صبري، أستاذ التغذية العلاجية، من أن بعض المبيدات تمتصها الثمار خصوصًا عند رشها في مراحل مبكرة من النمو، مما يجعل التخلص منها بالغسل مستحيلًا. وتشير إلى:

الأثر قصير المدى: اضطرابات هضمية، تحسس جلدي وتنفسي.

الأثر طويل المدى: اضطرابات هرمونية، وأمراض مزمنة نتيجة التعرض المستمر.


وتنصح بالخطوات التالية:
- غسل اليدين جيدًا بعد التعامل مع الخضروات والفاكهة.
- غسل الثمار وتجفيفها لتقليل الرطوبة التي تعزز نمو البكتيريا.
- شراء المنتجات من مصادر موثوقة (مثل المزارع العضوية).
- تنويع الغذاء لتقليل التعرض المتكرر لنوع معين من المبيدات.