تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
أرض غالية ارتوت بدماء شهداء الوطن، لتظل كل حبة رمل على أرض الفيروز تحكي وبكل فخر أمجاد الجنود البواسل، من أبناء مصر، وكيف أنهم هبوا رجالاً لخوض المعارك وتحقيق النصر، حتى طرد آخر جندي محتل في 1982، ولم يكتفوا بل بذلوا كل الجهود حتى وصلوا للتحكيم الدولي ليحرروا آخر شبر على أرض سيناء بطابا الحبيبة في 1989، لتكتمل الفرحة وتحتفل سيناء بعيد تحريرها في 25 من أبريل من كل عام، متذكرة أحداث استعادة طابا الغالية التي أكملت النصر.
كانت الساعة الثانية والثلث ظهرا يوم 29 سبتمبر عام 1988 عندما نطق رئيس المحكمة الدولية في جينيف بسويسرا بالحكم التاريخي وأعلن أن طابا مصرية، فامتلأت القاعة بهتاف لجنة الدفاع المصرية "الله أكبر.. الله أكبر"، وبكوا جميعا فرحين بهذا الانتصار العظيم، وإذ بالقاضية الإسرائيلية تضرب المنصة بيدها وتدعي بأن هذا الحكم باطل وأنها غير معترفة به، فيقاطعها رئيس الحكمة قائلا "اهدئي.. صدر الحكم وهو نافذ، ولا يمكن الاعتراض عليه".
طابا قضية مصرية دافع عنها حتى الشجر الذي نبت من تراب هذا الوطن، إلا أن مصر استطاعت استرداد سيناء كاملة ورفع العلم المصري عليها في 19 مارس 1989، بعد خروج الإسرائيليين وتنكيس أعلامهم فوق أرض طابا يوم 15 مارس لنثبت للعالم كله أنه لا تنازل عن شبر واحد من أرضنا مهما طال الوقت.
كان الحق معنا فكان الله معنا
لا عجب أن يقولها صريحة روزن شبتاي -المستشار القانوني للوفد الإسرائيلي بالمحكمة- بعد إعلان الحكم "اسمعوا يامصريين، كنا نعلم أن طابا مصرية من البداية، لكن لم نتوقع منكم كل هذه المثابرة في الدفاع عن قضيتكم، ولكنها كانت غلطتنا!!".
وشهد شاهد من أهلها؛ فكيف ادعت إسرائيل بأن طابا ضمن حدودها؟!، والتاريخ منذ قرون يشهد بمصريتها، فيكفينا العودة إلى وثائق عام 1906 حين حدث خلاف بين مصر والدولة العثمانية، وانتهى بتعيين علامات للحدود بين مصر وفلسطين من طابا إلى رفح بشكل واضح لا يقبل التضليل.
لكن الخلاف عاد بشأنها بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، والتي حددت موعد خروج إسرائيل من أرض سيناء نهائيا يوم 25 أبريل 1982، وقبل هذا التاريخ بدأت المماطلات الإسرائيلية في الظهور، وحدث خلاف بشأن 14 علامة حدودية، كان أهمها العلامة 91، وهي العلامة الأخيرة على الخط الحدودي بين مصر وإسرائيل، إذ كانت إسرائيل تريد ضم طابا إليها رغم مساحتها الصغيرة والتي تبلغ حوالي 508.8 فدان، لكي تمنح إيلات الامتداد على خليج العقبة ولو بمسافة كيلو متر واحد.
وهنا بدأت رحلة طويلة من المفاوضات امتدت من عام 1982 إلى عام 1985 دون الوصول لاتفاق، فطلبت مصر اللجوء للتحكيم الدولي، لأن هذا ما تنص عليه بنود اتفاقية السلام، ورغم أن إسرائيل رفضت في البداية التحكيم لأنها تعلم بضعف حجتها، إلا أنها قبلت في النهاية بعد ضغوط كثيرة، وكان الحق معنا، فكان الله معنا، وكان وراءنا نصر أكتوبر، وآلاف من شهداء المعارك على أرض سيناء.
من طرائف الأدلة المصرية
يصف المؤرخ يونان لبيب رزق في كتابه "قضية العصر" قضية طابا بأطول مارثون وثائقي في تاريخ القضايا الحدودية.
الطريف أن الأختام البريدية والصور الفوتوغرافية وأشجار الدوم شهدوا جميعا على مصرية طابا؛ بالطبع إلى جانب الوثائق التاريخية والخرائط والزيارات الميدانية لمناطق النزاع وبقايا أعمدة الحدود، حيث تمكنت لجنة الدفاع من جمع خرائط ووثائق من الأرشيف المصري والبريطاني والتركي، كان عدد الخرائط وحدها نحو 29 خريطة في المذكرة الأولى للدفاع مقابل 6 خرائط فقط قدمتها إسرائيل.
أما عن قصة الاستعانة بالطوابع البريدية لإثبات الحق، فيحكيها حلمي النمنم في مقال له بجريدة المصري اليوم بعنوان "إسماعيل شيرين.. درس في الوطنية"، وإسماعيل شيرين هو آخر وزير للحربية في عصر الملك فاروق وهو أيضا كان قائدا للكتيبة المصرية في طابا، وقد تطوع شيرين من نفسه للشهادة في قضية طابا أمام المحكمة، وقدم خطابات كان قد بعثها إلى زوجته وأسرته من طابا وقت خدمته فيها، وخطابات أُرسلت إليه هناك، وتلك الشهادة زادت من اقتناع المحكمة بمصرية طابا.
ومن بين الأدلة التي لعبت دورا كبيرا وقدمها يونان لبيب رزق في كتابه؛ صورة لحاكم سيناء الإنجليزي باركر عام 1906، حيث يظهر وهو مرتكز على العلامة الحدودية 91، وموقعها الصحيح بالطبع أكبر دليل.
قصة شجرة الدوم
من المعروف أن بدو سيناء يتوارثون الأشجار جيلا بعد جيل، ومنها أشجار الدوم والزيتون والنخيل. ومن النوادر أن تكون صورة فوتوغرافية لشجرة دوم توارثها البدو منذ 300 عاما أحد أهم الأدلة التي قبلت بها المحكمة، وذلك لموقعها بجوار العلامة 91، كانت هذه الصورة موجودة في كتاب "تاريخ سيناء" لنعوم شقير وهو من التقطها عام 1910 وضمنها في كتابه، كما للشجرة صورة أخرى التقطها اليوزباشي رفعت الجوهري في كتابه "مشاهدات في الصحراء الشرقية وسيناء" الصادر.
إنها كانت نكسة وليست هزيمة
حين قررت مصر ألا تفرط في شبر من أرضها، بدأت ملحمة تحرير سيناء، وانطلقت من مرحلة الصمود بعد نكسة 1967 إلى مرحلة الردع، والتي بدأت بحرب الاستنزاف، وصولا إلى نصر أكتوبر 1973، والذي وصفه هنري كسينجر "بالكارثة".
ضحت مصر بنحو 8528 شهيدا من العسكريين والمدنيين، حيث قدم الشعب المصري نموذجا في مساندة جيشه، وهنا يظهر الفرق بين النكسة والهزيمة.
وهكذا تناسخت أرواح الشهداء في كل مراحل تحرير سيناء، أولئك الذين ربطوا مصيرهم وأحلامهم بتراب الوطن، وهنا تتأكد الروح المصرية التي تؤمن بمعنى أن يكون الواحد في الكل، والكل في واحد.
توجت قضية طابا هذا المعنى وعلمتنا أيضا أن التصدي للمنازعات عن طريق التفاوض والتحكيم لا يقل عن التصدي لها بقوة السلاح، وأن المصريين قادرون على استرداد أرضهم بكلتا الطريقتين.
وهنا تستوقفنا كلمات الشاعر فاروق جويدة:
يا سادة الأحقاد.. مصر بشعبها
بترابها.. بصلابة الإيمان
مصر العظيمة.. سوف تبقى دائما
فوق الخداع.. وفوق كل جبان
يا من تريدون الزعامة ويحكم
مصر العظيمة.. كعبة الأوطان
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية