تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : "عقدة بيتر بان".. حين يرفض العقل أن يكبر!
source icon

سبوت

.

 "عقدة بيتر بان".. حين يرفض العقل أن يكبر!

كتب:مروة علاء الدين 

هل تعرف شخصًا ناضجًا في شكله، لكنه يتهرب من المسئوليات، ويتخذ قرارات انفعالية، ويبدو أن عمره العاطفي أصغر بكثير من عمره الحقيقي؟ قد لا يكون الأمر مجرد "طباع شخصية"، بل حالة نفسية معروفة تسمى "عقدة بيتر بان".

 في عالم يزداد ضغطًا وتعقيدًا يومًا بعد يوم، يختار بعض البالغين الهرب إلى مساحة وهمية من البراءة والأمان تُشبه الطفولة، فيعيشون داخل "فقاعة الطفولة الممتدة" التي تمنحهم الشعور بالراحة لكنها تسلبهم القدرة على تحمل المسؤولية. هذه الحالة النفسية تُعرف بـ "عقدة بيتر بان"؛ نمط من السلوك والانفعالات يجعل صاحبه يبدو بالغًا من الخارج لكنه عالق داخليًا في مرحلة المراهقة.

ورغم شيوع الربط بينها وبين الرجال، فإنها قد تظهر كذلك لدى النساء، وإن اختلفت الصورة، فبينما يتهرب بعض الرجال من الالتزامات العملية والزوجية، قد تتجلى لدى النساء في الاعتماد العاطفي والخوف من مسؤوليات الأمومة والأسرة، إنها ليست مجرد طباع شخصية، بل حالة نفسية متجذرة تُعطل النضج العاطفي والاجتماعي.

الجوهر النفسي
تشير الدراسات النفسية إلى توسّع انتشار هذا النمط عبر الأجيال المختلفة، ويقول الدكتور أحمد فوزي، أستاذ الطب النفسي: "الاسم مستوحى من شخصية بيتر بان، الطفل الذي قرر ألا يكبر، لكنه في هذا السياق يرمز إلى الهروب الداخلي أكثر من كونه نزعة للحرية، فصاحب هذه العقدة يبلغ جسديًا، لكنه يبقى في مرحلة ما قبل النضج العاطفي، ويعاني من فجوة بين عمره الزمني وعمره النفسي."

ويضيف أن أبرز سماتهم هو البحث عن المتعة الفورية ورفض كل ما يرتبط بالالتزام، سواء كان زواجًا أو عملًا أو حتى اعترافًا بالخطأ.

الأسباب الكامنة
تُشكّل عقدة بيتر بان نتاجًا لتفاعل معقد بين عوامل نفسية واجتماعية، تبدأ بذورها في الطفولة وتتّسع رقعة تأثيرها خلال مرحلة المراهقة، وتشير الإحصائيات إلى تغيرات كبيرة في سلوكيات الشباب، فقد كشفت دراسة يابانية أن 43% من الرجال بين 18–34 عامًا لم يسبق لهم المواعدة، كما تُظهر تقارير الصحة العالمية زيادة هائلة في وقت استخدام الشاشات وهو ما يعزز الهروب من الواقع.

وتتمثل أهم العوامل المؤدية لهذه العقدة في:
- التربية الواقية المفرطة:
حيث تَحُول دون خوض الطفل تجاربه الحياتية الخاصة
- الخوف الدائم من الفشل: الناتج عن النقد الزائد أو المقارنة المستمرة
- النماذج الأبوية غير الواضحة: التي تربط صورة البلوغ بالمعاناة والقسوة 
- الثقافة الرقمية المعاصرة: مما يخلق واقعًا بديلاً يكرس القيم الطفولية ويُعزز الهروب من المسؤوليات 

علاقات متوترة
تُعد هذه المتلازمة أحد أسباب الاضطرابات في العلاقات الحديثة، وقد كشف استطلاع حديث أجراه معهد جالوب أن نحو 44% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 -24 عامًا لا يعتبرون الزواج هدفًا مهمًا في حياتهم، مقابل 17% فقط من جيل آبائهم الذين يعتقدون بالعكس.

وتوضح الدكتورة زينب مهدي، أستاذة الطب النفسي والعلاقات الزوجية أن عقدة بيتر بان هي شكل من أشكال التعلق الطفولي المزمن، حيث يظل الشخص حبيس دائرة الإشباع الفوري، عاجزًا عن تحمل أدنى درجات الإحباط أو الانتظار، في العلاقات، يتحول الشخص المصاب بها إلى عبء نفسي، إذ يسعى للرعاية المستمرة دون أن يدرك حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق الطرف الآخر أو يبذل جهدًا لمتطلبات الحياة المشتركة.

وتضيف، نصنف هذه الحالة في العلاج النفسي تحت مسمى الاعتماد الانفعالي، الذي يعد أحد أبرز تجليات ضعف النضوج العاطفي، حيث يرفض الفعل ويستسلم للانفعال، ويهرب من الواجبات ويتمسك بالامتيازات، مما يهدد استمرار أي ارتباط عاطفي صحي.

وهناك العديد من علامات التحذير تتجلى من خلال مزيج من السلوكيات والانفعالات، أبرزها:
- تهرّب من الالتزامات الجادة كالزواج أو العمل الثابت
- حساسية شديدة تجاه النقد والشعور بعدم الأمان  
- ردود فعل طفولية في الأزمات أو النقاش
- اعتماد عاطفي ومادي على الآخرين
- خوف مبالغ فيه من تقدّم العمر أو فقدان "متعة الشباب"

تعلق بالمراهقة
يوضح الدكتور سامي عبد الرحمن، استشاري العلاج السلوكي والمعرفي: "نطلق على هذه الحالة تجمّد النمو العاطفي، إذ يظل الشخص عالقًا عند مستوى مراهق رغم تقدمه في العمر".

ومواجهة متلازمة بيتر بان تتطلب تدريبًا سلوكيًا تدريجيًا على تحمل المسئوليات الصغيرة، كإدارة الوقت والمال، لأن المريض غالبًا يعاني من تجمّد إدراكي في مهارات البالغين، ومن المهم أن يتوقف المحيطون به عن ممارسة الاحتواء الزائد، لأن الدعم المفرط يُبقيه في دور الطفل المعتمد دائمًا.

خريطة العلاج
للتغلب على متلازمة بيتر بان، يُنصح بما يلي:
-البداية تكون بالاستبصار والاعتراف بوجود المشكلة
-العلاج السلوكي المعرفي (CBT) والعلاج القائم على القبول والالتزام (ACT) يساعدان على مواجهة الخوف من الفشل
 وتؤكد الأبحاث العلمية فعالية هذه الطرق في تطوير المهارات العاطفية
-تحديد مسئوليات صغيرة تدريجيًا لتعزيز الثقة.
-إعادة بناء صورة إيجابية للنضج باعتباره "حرية واعية".
-دعم الأسرة والشريك ضروري دون إفراط أو تدليل.

 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية