يمثل الفنان القدير عبد الرحمن أبو زهرة حالة فنية نادرة في الفن المصري، فهو أحد أهم النجوم ممن يمتلكون موهبة إبهار جمهوره ولو بمشهد واحد في العمل الدرامي .. وقد شهد له السينمائيون والنقاد ببراعته في هذا المجال، وأدلّتهم على تلك الحالة الفريدة كثيرة، لعل أشهرها دوره في فيلم "أرض الخوف" بدور ساعي البريد، أو مشاهده المعدودة في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"، أو مشاهده في فيلم "الجزيرة".

مكالمة الرئيس
بعد ساعات من حدوث موقف ناتج عن سوء فهم، تمثل في قيام هيئة المعاشات بإيقاف المعاش الخاص به، بسبب شائعات تتردد دائماً على وسائل التواصل الاجتماعي، واستفسار نجله أحمد أبو زهرة عن سبب الإيقاف، ورفض الأسرة انتقاله نظراً لحالته الصحية أو استقبال موفد للتحقق من بقاء نجم كبير له قامته وأهميته على قيد الحياة، تدخل فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي باتصال للاطمئنان على صحة الفنان القدير، وبالطبع أعيدت الأمور إلى نصابها.

قال أحمد أبو زهرة، نجل الفنان القدير: نيابة عن عائلة الفنان عبد الرحمن أبو زهرة، أتقدم بخالص التحية والتقدير لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي على رعايته الشاملة واهتمامه الدائم بصحة والدي، واتصاله كل فترة للسؤال عنه والتحدث معه.

منحه الاتصال دفعة جديدة لنفسية الوالد، وأعطاه شعوراً بأنه ليس منسياً، بل في ذاكرة رأس الدولة، رغم كل المشاغل والمهام الجسيمة التي تقع على عاتقه. بكل شعور بالفخر والتقدير والتكريم، شكراً سيادة الرئيس."

عودة عيد الفن
تقول الكاتبة والناقدة الفنية حنان أبو الضياء: أولاً، حكاية التهنئة التي قام بها الرئيس رفعت بالتأكيد من معنوياته بشكل كبير جداً، وفكرة أن الفنان في هذا السن يشعر بأنه منسي يمكن أن تؤثر فيه تأثيراً شديداً، لأنه يشعر بأن الناس نسيت وجوده .. لذلك، كان موقف الرئيس جيداً جداً، وأعتقد أننا بحاجة إلى أن تفكر الدولة مجدداً في إعادة إحياء عيد الفن، كما كان يُقام في أيام السادات، ويتم اختيار الشخصيات لتُكرّم، مع إبراز وجودها، كما فعل السادات حين كرم زينات صدقي، أو كما كان يحدث في عيد العلم في عهد عبد الناصر، عندما كُرّمت أم كلثوم وعبد الوهاب، في ظل نوع من الاعتراف بأن هذه الشخصيات لها قيمة، وتزداد قيمتها مع التقدم في السن."

وتتابع: نرى هذا يحدث في الخارج؛ كلينت إيستوود يبلغ من العمر أكثر من تسعين عاماً، ومع ذلك له مكانته، والناس تهتم به، وكلما تقدّمت الشخصية في السن، زادت قيمتها الفنية، وحرص الوسط الفني على الاستفادة من خبرته.

أنتوني هوبكنز، مثلاً، لا يزال يؤدي أدوارا صغيرة، لكنها شديدة التأثير، واسمه يوضع دائماً في مكانة مميزة .. وعندما تُجرى معه لقاءات، يُركّز على دوره حتى لو كان صغيراً. ووجهة نظري أنه يقدم أدواراً صغيرة لكنها مؤثرة جداً."

وأرى أنه يضع للشخصية جذورًا ويبني لها أبعادًا، ثم يبدأ في تمثيلها .. ولا أعتقد أنه يمثل الشخصية كما كُتبت، بل يضيف إليها .. مثلاً، في مسلسل (صيام صيام)، كان يؤدي دور صديق المرشد لشخصية صيام التي أداها يحيى الفخراني، في المسلسل المأخوذ عن قصة لصالح مرسي ومن إخراج محمد فاضل. هذه كانت شخصية محورية بُني عليها المسلسل كله. أو مثلاً في (العميل 101)، أدى دوراً مهماً بُنيت عليه تداعيات شخصية مستوحاة من المخابرات المصرية."

شخصية محورية
وتواصل: كذلك في مسلسل (بئر سبع)، أدى دور الخال، ليُظهر مدى تضحية الأسرة وجذورها الوطنية، مما يفسر ظهور شخصية بطولية مثل الشخصية المحورية في المسلسل .. وأتذكر أيضاً مسلسل (لما التعلب فات) تأليف أسامة أنور عكاشة، ومن إخراج محمد النجار، وكان مع يحيى الفخراني أيضا أدّى شخصية الصديق، وتكوين الشخصية كان يجسد التعامل مع صديق نصاب، يحاول أن يكتشف أبعاد شخصيته وتعاملاته."

 أرض الخوف حالة أخرى
وتضيف: أما في فيلم (أرض الخوف)، فقد كانت شخصيته تقوم بدور الوسيط بين جهة في الدولة وبين شخصية الضابط التي أداها أحمد زكي. كان لا يعرف طبيعة الدور الذي يؤديه، سوى أنه يحمل رسائل خطيرة. ومع ذلك، كان يدرك أهمية ما يفعله، ويقوم به بكل قوة، دون أن يعي أبعاده، وربما كان يخشى معرفة الحقيقة، لما قد يترتب على ذلك من مخاطر ."

أما في  مسلسل (لن أعيش في جلباب أبي)، فلا يمكن لأحد أن ينسى شخصية (سردينة). إنها شخصية تجسّد الإنسان المصري البسيط، الذي حين تنفتح له أبواب الرزق، لا ينسى جذوره. إنه رجل الأعمال الفطري، القادر على فهم السوق والتعامل معه من دون دراسة أكاديمية. وفي مسلسل (نحن لا نزرع الشوك)، قدم شخصية رجل طيب يظهر في حياة البطلة ويغيّرها، ويمنحها الحنان والاهتمام الذي تحتاج إليه، في علاقة إنسانية يغلب عليها طابع الأبوة أكثر من الزوجية، وإن كانت في إطار شرعي."

الجراندات أصل الدراما
وفي رأي يدعم أن شخصية أبو زهرة أثّرت كثيراً في الدراما، تقول الكاتبة والمونتيرة صفاء الليثي:" هو ممثل يمتلك أدواته، وخبرته أهلته لأن يصنع من دوره شخصية تؤثر في العمل الفني. والدليل أنه فاز بجائزة مهمة عن دوره في فيلم (أرض الخوف)، في مشهد رائع بالمسجد مع النجم أحمد زكي، ومع مخرج متميز هو داوود عبد السيد."

وتضيف: " الجراندات، كما نطلق عليهم، هم أصل الدراما. وبدونهم، يشعر العمل الفني بفراغ، لأنهم يثقلون المشاهد بمشاركاتهم. فلا يوجد عمل يخلو من شخصية الأب، أو الجد، أو راعي الأجيال."