في شهر رمضان الكريم، تكتسي البيوت بأجواء روحانية مميزة، ويظهر أطفالنا حماسًا كبيرًا لمشاركة الكبار في الصيام. ورغم فرحتنا بهذا الحماس، إلا أننا قد نرتكب أخطاءً في تعاملنا معهم، حيث ندفعهم لخوض تجربة الصيام قبل أن يكونوا مستعدين جسديًا ونفسيًا، هنا يبرز تساؤل مهم: هل أجسادهم الصغيرة قادرة على تحمل هذا التحدي؟ والأهم من ذلك: هل نربي أطفالنا على حب الصيام، أم نزرع فيهم الخوف من الجوع والعطش؟ وهل نعلمهم أن الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو أيضًا فرصة لتعزيز القيم الإنسانية والروحية والابتعاد عن الغضب والعادات السيئة؟

تهديد صحة الأطفال 

تبدأ الدكتورة إكرام سيف النصر، استشاري طب الأطفال، حديثها بالتحذير من السلوكيات الغذائية الخاطئة التي يمارسها البعض خلال رمضان، ومن أبرزها صيام الأطفال قبل سن البلوغ، والذي قد يحمل مخاطر صحية كبيرة، خاصة في مراحل النمو الحرجة، فالكبد عند الأطفال لا يتحمل ساعات الصيام الطويلة، كما أنهم لا يمتلكون القدرة الكافية على تخزين الطاقة لفترات طويلة، مما يعرضهم لخطر انخفاض السكر في الدم أو الجفاف، خاصة في الأيام الحارة.

وتشير د. إكرام إلى أن مرحلة البلوغ، والتي تبدأ عادة بين 12-14 عامًا، هي الفترة المناسبة لبدء الصيام، حيث يكون الجسم أكثر قدرة على تحمل الامتناع عن الطعام والشراب لفترات طويلة، ومع ذلك، يجب التأكد من الحالة الصحية للطفل، ومراعاة عوامل مثل حرارة الجو ونوعية النظام الغذائي، وتجنب ممارسة الرياضات العنيفة أثناء الصيام.

صيام تدريجي

وتنصح الدكتورة إكرام بتدريب الأطفال دون سن البلوغ على الصيام بشكل تدريجي، مثل صيام ساعات محددة من اليوم، كأن يصوموا من الصباح حتى الظهر، أو من الظهر حتى المغرب، مع توفير وجبات غذائية متوازنة وغنية بالسوائل قبل وبعد فترة الصيام، كما تؤكد على ضرورة مراقبة الحالة الصحية للطفل، وعدم إجباره على الصيام إذا ظهرت عليه علامات الإرهاق أو الجفاف.

الأخطاء الغذائية في رمضان

وتلفت د. إكرام النظر إلى خطأ آخر يرتكبه الكثيرون، وهو الاعتماد على الحلويات الرمضانية والأطعمة الدسمة خلال الشهر الكريم، وتقول: للأسف، ارتبط رمضان بتناول كميات كبيرة من الحلويات الجاهزة المليئة بالدهون المشبعة والسكريات، مما أدى إلى ارتفاع معدلات السمنة والسكري لدى الأطفال، بدلًا من تعليمهم الاعتدال في الطعام، نبالغ في تقديم هذه الأصناف الضارة، متجاهلين أهمية تعويض الجسم بالفيتامينات والمعادن والسوائل الصحية.

السهر وقلة النوم

وتشير د. إكرام إلى أن أخطر ما نفعله في رمضان هو ترك أطفالنا يسهرون أمام التلفاز أو الأجهزة الإلكترونية بدعوة السهر للسحور، هذا السلوك يدمر مناعتهم، خاصة أن النوم في هذه الأعمار هو الأساس لصحة سليمة، حيث يتم إفراز هرمون النمو أثناء ساعات النوم، لذا يجب أن يكون الصيام تجربة إيجابية وآمنة للأطفال، حتى لا تتحول إلى عبء يؤثر على نموهم وصحتهم.

التربية والضغوط الاجتماعية

لا تقتصر مخاطر صيام الأطفال على الجانب الصحي فقط، بل تمتد إلى الجانب النفسي والسلوكي، وتؤكد هاجر سعيد فرحات، استشاري العلاج النفسي الإكلينيكي، أن قرار صيام الطفل يجب أن يُبنى على أسس علمية ونفسية مدروسة، بعيدًا عن ضغوط المجتمع والتفاخر الاجتماعي.

وتقول: بعض الآباء يفرضون الصيام على أطفالهم دون مراعاة حالتهم الصحية أو النفسية، فقط لإثبات قدرتهم على الصيام في سن مبكرة، هذا السلوك قد يسبب أضرارًا نفسية، خاصة عندما يُقارن الطفل بأقرانه، مما يخلق لديه شعورًا بالنقص والإحباط.

وتطرح هاجر أسئلة مهمة على الآباء: "هل أعددت طفلك لاستشعار معاني الصيام الحقيقية، أم أن ما يهمك هو التفاخر بقدرته على الصيام؟ هل يصوم الطفل لإثبات قدرته، أم لأنه يدرك قيمة الصيام ويشعر بنعمة الإسلام؟ وهل أنا كأب أو أم قدوة في سلوكي الإيماني؟".

روشتة نفسية لصيام صحي

وتقدم هاجر روشتة للتعامل مع الأطفال في رمضان، مؤكدة على أهمية التدرج في الصيام، فمن الأفضل أن يشارك الأطفال دون العاشرة في أجواء رمضان بطرق أخرى، مثل تزيين المنزل، تحضير الطعام، أو الصيام لساعات محددة، كما يجب تعزيز حب الصلاة وقراءة القرآن، بدلًا من الانتظار حتى سن التكليف ثم مطالبتهم بالالتزام بكل العبادات دفعة واحدة.

التشجيع بدلًا من الترهيب

ويجب ألا نركز على عقاب الله قبل الحديث عن مكافأته، فعلينا أن نقدم مفهوم الصيام للأطفال بطريقة إيجابية، من خلال الحديث عن تهذيب النفس، الشعور بالآخرين، والتقارب الأسري، كما يمكن تشجيعهم على أعمال الخير، مثل تحضير وجبات للمحتاجين، مما يغرس فيهم قيم رمضان الحقيقية.

فرمضان ليس مجرد شهر للصيام، بل هو فرصة لتعزيز القيم الروحية والإنسانية لدى أطفالنا، لذا يجب أن نتعامل معهم بحكمة، ونحرص على أن تكون تجربتهم مع الصيام آمنة ومفيدة، حتى ينشأوا على حب