ساقتني قدماي أثناء التجول في مدينة الشيخ زايد بالجيزة،  إلي محل لبيع العطارة،  فإذا بي أمام شاب يتحدث اللكنة السورية ، استقبلني بوجه بشوش وكلمات ترحاب طيبة تمهيدا لمعرفة طلبي .

مهدت أمامي  طريقته اللبقة في الكلام، لفتح حوار معه بدأته  بقول:  "رمضان كريم عليكم وعلينا..  مبسوطين في مصر !؟"فإذا بالشاب السوري رامي سعدالله وهذا اسمه يبادرني بقول: "طبعا طبعا.. خصوصا في شهر رمضان".

استوقفني رده عن تحديد شهر رمضان بالذات،  قبل أن يواصل: "الأجواء الرمضانية في مصر أكثر بهجة،  وتختلف فيها الروحانيات،  أشكال الزينة والأنوار و تجمع المصليين للتراويح،  و تبادل الأطعمة بين الجيران وموائد الرحمن التي لم أراها قط في سوريا خاصة حمص التي تركتها منذ ١١ عام، كلها مظاهر تبعث على الراحة والابتهاج".

دفعني حماس رامي لسؤاله عن موائدهم في رمضان هنا في مصر، وكيف اختلفت، عن سوريا، فأجابني، أن عاداتهم هنا في مصر لم تختلف كثيرا عن وطنهم، وأكد أن الشاكرية ، والمقلوبة، والكبسة، والأرز بالفول، وكل الأطعمة السورية تتصدر دائما موائدهم في مصر .

سألته عن الشاكرية، ومكوناتها،  فإذا بها وكما وصفها رامي من أطيب الأكلات التي يحرص السوريون علي طهيها خاصة في شهر رمضان الفضيل، وأوضح أنها تتكون من شقف اللحم " أي قطع اللحم  البقري الناشف" المغمور في اللبن " اي الزبادي عند المصريين" مضاف اليها ورق الغار "اللورا" والمستكة والهيل "الحبهان"  مع قليل من النشا والماء وبيضة  ثم يضاف الثوم المهروس مع ملعقة نعنع "اي نعناع"  مفروم.

ومن ضروريات مائدة الإفطار عند السوريين العصائر والحلويات، كما أوضح رامي، ومنها البرتقال والفراولة،  أما بالنسبة للحلويات القطايف والكنافة  كالمصريين، ولكن يزيد عليهم  عليهم "المشبك" .

وقال الشاب السوري،  أنه أثناء سكنه وأسرته في مدينة 6 أكتوبر، والتي تتسم بكثرة أعداد السوريين الذين يعيشون فيها،  كانت تقام الولائم السورية في رمضان لكن الحال اختلف بانتقالهم للشيخ زايد،  حيث العدد أقل كثيرا،  لكن والكلام مازال لرامي،  تتبادل الأسر المصرية والسورية الأطباق الشهية المشهورة، خاصة المحشي المصري، الذي يحب تناوله كثيرا .

 علي مدخل أحد المولات يقف عم أبو  زاهر السوري  بائع الحلويات المعروف في المنطقة بأطباقه الشهية من الغريبة  والبيتي فور،  والكعك، إضافة لأطباق أخرى
"المقبلات والمشهيات لها وضع مهم  تماما علي موائد السوريين"، بتلك الكلمات التقط عم أبو زاهر بائع الحلويات السوري ، أطراف الحديث من رامي، وقال إن أهم المقبلات السورية،   الفتوش والتبولة، قبل أن يتابع: "هما  طبقان أساسيان من أنواع  السلطات المحببة للسوريين".

وأضاف: " الفتوش يتكون من قطع الخبز المحمص و المقطع علي شكل  مربعات، مضاف إليه قطع كبيرة من الطماطم والخيار والبصل والنعنع الأخضر (النعناع)،  والبقلة والفجل الأحمر  ومعهم  المكون السحري السماق ودبس الرمان والملح وعصير الليمون السوري، وهو  يختلف تماما عن طبق التبولة  المزة التي تصنع من البرغل الناعم مضاف إليه البندورة المقشرة والنعناع الاخضر والبقدونس  والبصل الاخضر وزيت الزيتون والملح".
وتعد هذه الأكلات من التراث السوري الشعبي والذي يحافظ عليه أهل سوريا في كل مكان يذهبون إليه  حرصا علي هويتهم رغم استمتاعهم بالأجواء المصرية.

سألته، وما هو أهم طبق تفضله على مائدتك كسوري؟، أجابني: "أرز الكبسة بالفراخ وإن ارتفع ثمنها ألان، أو الكبسة باللحم ، والكبدة بالطماطم،  والفخذ  بالأرز الكبسة،  والأرز بالبازلاء  والبطاطس المسلوقة بالبيض، وأطيبهم وأشهاهم المكدوس.

استوقفته، قبل أن يواصل لأسأل العم أبو زاهر، و"ما هو المكدوس ومما يتكون؟"، فأجاب: "أكلة شامية تشتهر بها سوريا من مئات السنين خاصة عند مزارعي حلب  أساسها الباذنجان الأسود المدور أو الحمصي أو الحموي (الرومي لدى المصريين)، وهو بالنسبة للسوريين بيت المونة"، إذ يقومون بسلقه بعد الجني  في الخريف في  موسمه بداية من شهر سبتمبر، وحتي أكتوبر،  ووضعه في زيت الزيتون السوري وحفظه بالثلاجات وعند الحاجة إليه يضيفون إليه عين الجمل والجوز  والفلفل الأحمر كمكون أساسي في طريقة إعداده"، وواصل: "وهذا بخلاف فتة المكدوس  التي تصنع من اللحم واللبن والطحينة والبصل والثوم ودبس الرمان والطماطم وزيت الذرة والصنوبر والخبز والفلفل" .

ورأى أبوزاهر،  الذي يعيش في مصر منذ 12 عاما مع زوجته، إن رمضان بالفعل كريم عند المصريين،  حيث يتبادل فيه الصائمون الأطباق، وتتسم أجوائه بالبهجة، موضحا أنه عاش لفترة في السنبلاوين بمحافظة الدقهلية واقترب كثيرا من المصريين البسطاء، ولاحظ أن ما يحملونه من كرم ورجولة وحسن عشرة هي صفة أصيلة فيهم جميعا مؤكدا أنه يحب من الأكلات المصرية الملفوف باللحم (محشي الكرنب).