تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
ماذا لو كان الصديق الأقرب لابنك المراهق.. ليس صديقا من لحم ودم، بل برنامج ذكاء اصطناعي؟ مع تحول "شات جي بي تي" إلى ملاذ عاطفي للمراهقين، تبرز معادلة صعبة؛ كيف نستفيد من إمكاناته التعليمية الهائلة، دون الوقوع في فخ مخاطره النفسية التي تبدأ من العزلة وتصل إلى حافة الهاوية؟
في إحدى عيادات القاهرة النفسية، سُجلت حالة مراهق (15 عاماً) أدى إفراطه في استخدام الذكاء الاصطناعي للفضفضة إلى انسحاب اجتماعي وتراجع دراسي، مما يستوجب النظر لهذه الظاهرة بعناية.
في إحدى عيادات القاهرة النفسية، سُجلت حالة مراهق (15 عاماً) أدى إفراطه في استخدام الذكاء الاصطناعي للفضفضة إلى انسحاب اجتماعي وتراجع دراسي، مما يستوجب النظر لهذه الظاهرة بعناية.
ذهان الذكاء الاصطناعي
رغم ضوابط الأمان، تظل الطبيعة غير المتوقعة لنماذج الذكاء الاصطناعي مصدر قلق، خاصة للمستخدمين الأكثر حساسية نفسيًا، برز مؤخرًا مصطلح "ذهان الذكاء الاصطناعي" لوصف حالات الانفصال عن الواقع نتيجة الإفراط في الاستخدام، حيث يصدق المستخدم أن البوت كيان واع حقيقي.
وفي مؤشر مقلق، وثق أطباء في كاليفورنيا 12 حالة إكلينيكية فقد فيها المرضى - بشكل مؤقت - القدرة على التمييز بين الواقع والافتراض بعد قضاء ساعات طويلة في محادثات مع بوتات الذكاء الاصطناعي.
حوادث مأساوية
تحولت تقنيات الذكاء الاصطناعي من أداة مساعدة إلى طرف في قضايا انتحار مأساوية حول العالم؛ ففي بلجيكا انتحر شاب ثلاثيني بعد أسابيع من محادثات مكثفة مع بوت على منصة "Chai"، حيث كشفت تقارير صحفية عن تحول المحادثات إلى نبرة قاتمة شجعت بشكل مباشر على إنهاء حياته، وفي الولايات المتحدة هزت حالة المراهق "آدم" (16 عاما) الرأي العام بعد انتحاره في كاليفورنيا، حيث تقدمت أسرته بدعوى قضائية تؤكد وثائقها أن البوت قدم له "إرشادات تفصيلية وتشجيعا مباشرا" على الانتحار.
صديق بديل
تُحذر الدكتورة زينب مهدي، أستاذة علم النفس والعلاقات الأسرية، من خطورة تحول الذكاء الاصطناعي إلى صديق بديل للمراهق، مؤكدة أن عدم اكتمال النضج العقلي لديه يجعله فريسة سهلة للتأثر العاطفي بهذه التقنيات.
وتوضح، الذكاء الاصطناعي لا يكتفي بتعطيل المبادرة الإنسانية، بل يسيطر على المشاعر ويؤثر في التكوين النفسي والاجتماعي من خلال قراءة الشخصية وصياغة ردود مُصممة خصيصًا للتأثير.
كما تشير إلى بروز "اضطراب انفصالي جديد" ناتج عن الاحتكاك المستمر مع العالم الافتراضي، يؤدي إلى أوهام وجنون عظمة وانفصال عن الواقع، وقد يصل - دون تدخل مبكر - إلى قرارات مصيرية مثل الانتحار.
العلاج الهجين
يؤكد الدكتور علي النبوي، الطبيب النفسي، أن جوهر العلاج النفسى لا يكمن في تبادل الأسئلة والإجابات فحسب، بل هو علاقة إنسانية عميقة قائمة على التعاطف والتفهّم، ويوضح أن هذه العلاقة هي التي تمنح المريض الأمان والثقة، حيث تلعب الكلمة المُحسوبة، والنظرة الداعمة، وحتى السكوت في اللحظة المناسبة، دوراً محورياً لا يمكن محاكاته أو برمجته.
ورغم اعتراف د. النبوي بقدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات النفسية بسرعة هائلة، مما قد يُسهم في الكشف المبكر عن علامات الاضطراب، إلا أنه يحذر من الخطر الكامن وراء الاعتماد الكلي عليه دون رقابة بشرية، ويشدد قائلًا: الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى الوعي والقيم الأخلاقية، مما يجعله عاجزا عن اتخاذ قرارات علاجية سليمة في المواقف الحرجة، مثل التعامل مع نوبات اليأس الحادة أو الاضطرابات الذهانية.
لافتًا إلى أن الحل الأمثل يكمن في نموذج العلاج الهجين الذي يجمع بين كفاءة الآلة وحكمة الإنسان، بحيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة فعَّالة في تحليل البيانات وترشيد الوقت، ويكون الطبيب هو صاحب القرار النهائي.
البديل التربوي
يؤكد الدكتور وليد عبد الرحمن، أخصائي سلوك الأطفال، أن الحل ليس المنع المطلق وإنما الإرشاد، فالأطفال بحاجة إلى حوار صريح لا إلى جدار من التحريم، إذا شعروا أن الذكاء الاصطناعي هو الملجأ الوحيد، فسيزداد تعلقهم به سراً، المطلوب أن نوضح لهم أن هذه الأدوات قد تخطئ وتضلل، وأنها لا تغني عن الحوار الإنساني الحقيقي مع الأسرة أو الأصدقاء.
ويضيف، المراهق عندما يجد في المنزل بديلاً صحياً للحوار، ودعمًا عاطفياً مستمرًا، تقل حاجته إلى البحث عن بديل افتراضي، لذلك، الدور الأساسي يقع على الأسرة في بناء الثقة والاحتواء، وليس فقط في وضع القيود.
الوجه المشرق
على الجانب الآخر، لا يمكن إنكار أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي فتحت آفاقا جديدة للتعليم والتطوير الذاتي، فهي لا تقتصر على تقديم المعلومات فحسب، بل يمكنها أن تكون شريكًا في الإبداع، حيث تساعد في كتابة القصص، تأليف الموسيقى، وحل مشكلات برمجة معقدة.
كما أنها تدعم التعلم الشخصي، حيث تشرح المفاهيم العلمية بطرق تناسب مستوى كل طالب، العديد من المدارس حول العالم بدأت دمجها كمساعد تعليمي تحت إشراف المعلمين، ما يثبت أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة نافعة إذا وُضع في إطاره الصحيح، مع توعية المستخدمين بحدوده وأخطاره.
تنظيم الاستخدام لا المنع
ترى الدكتورة ميرفت رجب، استشارية أسرية وتربوية، أن الحل لا يكمن في منع التكنولوجيا، بل في تنظيم استخدامها، وتشدد على عدة خطوات أساسية:
1. تحديد وقت استخدام: لا يتجاوز ساعة إلى ساعتين يوميًا للأنشطة غير التعليمية.
2. حوار مفتوح ومستمر: اسأل أبناءك عما يتحدثون عنه مع هذه التطبيقات، وشجعهم على مشاركة أي شيء يزعجهم.
3. التثقيف الرقمي: وضح لهم أن هذه الأدوات برامج حاسوبية معقدة، وليست كائنات واعية، وقد تقدم معلومات خاطئة أو ضارة.
4. تعزيز الأنشطة البديلة: شجع الأبناء على ممارسة الرياضة، الهوايات، والأنشطة الاجتماعية.
5. رقابة مرنة وواعية: استخدام أدوات الرقابة الأبوية لمراقبة وقت الاستخدام، مع شرح سبب هذه الإجراءات بدل فرضها بشكل قاطع.
الذكاء الاصطناعي، كأي تكنولوجيا قوية، هو سلاح ذو حدين، بينما يفتح الباب لعوالم من التعلم والإبداع، فإن إفراط المراهقين في استخدامه دون وعي أو توجيه قد يقودهم نحو عزلة اجتماعية وتعقيدات نفسية. المسؤولية، إذن، لا تقع على عاتق التكنولوجيا نفسها، بل على عاتقنا كأسر ومربين في توجيه الأبناء لاستخدامها بشكل متزن.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية