تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
تباينت المواقف حتى بين صناع السينما المصرية حول ثورة يوليو؛ أفلامٌ انتصرت لها وآمنت بأحلامها، وأخرى هاجمتها، وبين التأييد الحالم والنقد الموجع، ظلّت السينما مرآة ناطقة باسم وجدان المصريين.
أفلام كثيرة انتصرت للثورة وآمنت بالحلم، فمنذ الشرارة الأولى بدأت الكتابات ودارت كاميرات التصوير لتنقل صورة حلم عاشه المصريون في سنوات الثورة الأولى، وسادت نغمة الانتصار.
كانت مصر تسترد هويتها من تحت ركام الاحتلال، وتعلن تحوّلًا اجتماعيًا جذريًا لا رجعة فيه، وانعكس ذلك على الشاشة الكبيرة، حيث راحت الأفلام تُبشّر بعصر جديد تنتصر فيه الطبقة العاملة على الإقطاع، ويحكم فيه الفقراء، وتسود فيه الوطنية والكرامة.
أفلام كثيرة انتصرت للثورة وآمنت بالحلم، فمنذ الشرارة الأولى بدأت الكتابات ودارت كاميرات التصوير لتنقل صورة حلم عاشه المصريون في سنوات الثورة الأولى، وسادت نغمة الانتصار.
كانت مصر تسترد هويتها من تحت ركام الاحتلال، وتعلن تحوّلًا اجتماعيًا جذريًا لا رجعة فيه، وانعكس ذلك على الشاشة الكبيرة، حيث راحت الأفلام تُبشّر بعصر جديد تنتصر فيه الطبقة العاملة على الإقطاع، ويحكم فيه الفقراء، وتسود فيه الوطنية والكرامة.
أعمال خلدت التاريخ
يعد فيلم رد قلبي -1957- من أكثر الأعمال التي شرحت مفاهيم الثورة، وأظهرت تعاطفاً كبيراً بين الجماهير بمبادئها، وقد لا يوجد فيلم يُجسّد سردية الثورة كما فعل رد قلبي. علي، ابن الجنايني البسيط، يعشق الأميرة إنجي، لكنه يُقابل بالرفض والازدراء، بعد الثورة، تُفتح أبواب المصير أمامه، ويصير ضابطًا، فيما تنهار الحواجز الطبقية القديمة، الفيلم، المأخوذ عن رواية يوسف السباعي.
ومن بين الأفلام التي انتصرت لها فيلم الله معنا -1955- إذ جاء الفيلم في وقت مبكر، وسعى إلى تقديم صورة مباشرة عن كواليس الثورة، وبرغم ما تعرض له من حذف وتأجيل، إلا أنه كان بداية لانخراط السينما في سرد القصة الرسمية، مع التركيز على "الضباط الوطنيين" الذين تحركهم غيرة على الوطن ومصير الفقراء.
يعد فيلم في بيتنا رجل -1961- عن رواية لنجيب محفوظ من أخطر الأفلام التي تناولت جوانباً مهمة من الثورة، برغم أن انتقادات كثيرة للقصة الحقيقية، وليس ما جاء به الفيلم الذى قام ببطولته عمر الشريف ورشدي أباظة وزبيدة ثروت وحسن يوسف.
استغل السينمائيون المتعاطفون مع الثورة أن أحد رجالات الثورة ممثلاً وهو أحمد مظهر فقدموه في أفلامهم، ومنها فيلم الأيدي الناعمة -1963- والذي تناول تحوّلات ما بعد الثورة من زاوية جديدة، فرأينا أميرًا سابقًا يجد نفسه في شقة متواضعة، ويحاول أن يجد مكانه في المجتمع الجديد، العمل يُقدّم الثورة على أنها لحظة "إعادة توزيع الأدوار" لا مجرد حدث سياسي.
سينما الواقع
المخرج الكبير خيري بشاره، أكد أن السينما في الخمسينات والستينات لم تكن مجرد أفلام تنتج لتعرض للترفيه، أو تحمل مضامين مختلفة عما هو حاصل، بل كانت جزءاً مكملاً لما يدور في فلك السلطة، وهو ما يثبت دائماً بأن السينما تنحاز إلى الواقع الذى تعيشه، وفى تلك المرحلة كان على السينمائيين إما أن يصمتوا، أو يعبروا عن الثورة من خلال أفلامهم.
الوجه الآخر
وإذا كان بشاره يرى أن السينمائيين عبروا عن الثورة لتظل الصناعة مستمرة، فهناك من رأوها بوجوه أخرى، حيث ظهرت موجة من الأعمال تنتقدها، فبعد صدمة هزيمة 1967، بدأت الأسئلة تتراكم؛ هل كانت الثورة وهماً عشناه، فظهرت أفلام مثل الكرنك -1975- أحد الأعمال القاسية التي يراها النقاد اعتراف مؤلم بمساوئ تلك الفترة.
وأكمل المنظومة فيلم إحنا بتوع الأتوبيس -1979- فبرغم أن مؤلفه الكاتب الكبير الراحل فاروق صبري، أكد أنه لم يكن في البداية فيلما سياسيًا، لكنه تحول بفعل فاعل إلى عمل سياسي، مبرراً أن الأعمال التي كتبت عن الستينات لم تكن تخلوا من السياسة، وجاء أيضًا فيلم العصفور -1972- حيث كشف يوسف شاهين عن الوجه المؤلم للهزيمة، والتي قدمها كذلك في عودة الابن الضال -1976- أما الفيلم الأكثر إيلاماً فكان البريء -1986- صرخة المخرج عاطف الطيب وبشير الديك القاسية، والتي قدمت من خلال النجم أحمد زكى في شخصية المجند أحمد سبع الليل، المجند البسيط، الذي يتحوّل إلى أداة قتل، ثم يكتشف الحقيقة.
السينما لم تقل الحقيقة
مدير التصوير وعضو مجلس إدارة نقابة السينمائيين المخرج الكبير سامح سليم له راياً جريئاً عنها فقال: "السينما لم تقل الحقيقة عن ثورة يوليو" وافتقرت إلى الحياد والتحليل التاريخي الجاد، فصورة ثورة يوليو في السينما طُرحت في العديد من الأفلام، لم أجد فيها رأيًا محايدًا في أي فيلم تناول الثورة.
ويتابع: مثلًا فيلم رد قلبي، أحد أشهر الأفلام المرتبطة بثورة يوليو، وقد عبّر عن رؤية رومانسية للثورة، لكن بعد مرور الزمن، عبّر الفنان شكري سرحان نفسه عن ندمه على المشاركة فيه، لأنه أدرك لاحقًا أن تلك المرحلة كانت غامضة وخادعة.
ويضيف متسائلًا، لماذا لم يُنتج حتى اليوم فيلم واحد يقول بوضوح ماذا حدث في 1956؟ أو في نكسة 1967؟ لماذا لا توجد رواية سينمائية تعالج الحدث كما هو، لا كما أُريد له أن يُعرض؟ ما ينقصنا هو القدرة على تقديم الأحداث التاريخية من منظور حقيقي.
ويستطرد قائلًا: شاهدنا لاحقًا بعض الأفلام التسجيلية، سواء التي جاءت من الخارج أو التي أنتجناها بأنفسنا، والتي وثّقت لحظات الثورة، لكنها ظلت مهملة، لا أحد التفت إليها، لم يتحدث أحد عن حقيقة موقف الملك فاروق، مثلًا، والذي تشير بعض الشهادات إلى أنه لم يرغب في إراقة الدماء، وكان في إمكانه التصعيد لكنه آثر تجنّب المواجهة، أين السينما من هذه الروايات؟ لا نجد لها أثرًا.
بين التمجيد والتشويه
الناقدة والباحثة السينمائية حنان أبو الضياء، تكشف الكثير من التناقضات في تناول السينما لثورة يوليو، قائلة: المشكلة في الأفلام التي أُنتجت عام 1952، وما تلاه، أنها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول يضم الأفلام التي أُنتجت بعد الثورة مباشرة: واستمرت حتى فترة الستينيات، وكانت هذه الأفلام في معظمها تفتقر إلى الدراسة الموضوعية، ولم تتناول بعمق الأسباب التي أدّت إلى الثورة، ولا النتائج التي ترتبت عليها، بل كانت أفلامًا انفعالية، تميل إلى تمجيد الثورة، وتمجيد حركة الجيش، على طول الخط، ضد النظام الملكي، لم تتناول تلك المرحلة إلا من زاوية واحدة، فبدت رؤيتها منحازة تمامًا.
أما القسم الثاني، فهو الأفلام التي ظهرت في السبعينيات: وقد انقلبت الصورة فيها رأسًا على عقب، وكانت هذه الأعمال تركّز على تصوير الثورة باعتبارها عملاً عسكريًا لا أكثر، وتُقلل من شأنها كثورة شعبية أو حدث تاريخي كبير، ويظهر هذا التوجه بوضوح في الأعمال المأخوذة عن روايات نجيب محفوظ.
وفي كلتا الحالتين، لا أرى أن هناك عملًا فنيًا حقيقيًا تناول ثورة يوليو بشكل متوازن، يُظهر مميزاتها كما يُبرز عيوبها، ربما الاستثناء الوحيد الذي شعرتُ فيه ببعض الاتزان كان في فيلم مأخوذ عن قصة لنجيب محفوظ، جسّد فيه كل من محمود مرسي ونادية لطفي شخصيتين متناقضتين تحملان في الوقت ذاته الإيجابيات والسلبيات، لم تكن الشخصيات في هذا العمل "أبيض أو أسود"، بل كانت رمادية، وهو أمر نادر في تناول تلك المرحلة، الفيلم الذي أعنيه هو السمان والخريف.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية