تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : سمنة المراهقين.. خطر صامت يهدد جيلًا كاملًا
source icon

سبوت

.

سمنة المراهقين.. خطر صامت يهدد جيلًا كاملًا

كتب:مي هارون

في عيادة تغذية مزدحمة، دخل خالد، فتى في الخامسة عشرة من عمره، برفقة والدته التي كانت تمسك بيده بقوة وكأنها تخشى أن يهرب، جلس بصمت، لا يرفع عينيه عن الأرض، سألته الطبيبة عن روتينه اليومي، فأجاب بعد تردد: "بصحى، باكل، بلعب على الموبايل، وبرجع أنام… مش بحب أخرج عشان بيضحكوا عليا في الشارع".

خالد يعاني من سمنة مفرطة منذ كان في المرحلة الابتدائية، رفض الاشتراك في أي نشاط رياضي، وانقطع عن المدرسة فترة طويلة بسبب التنمر.
والدته تقول إنها جربت كل أنواع الأنظمة الغذائية، لكنها تفشل كل مرة لأنه "بياكل من وراها".

وفي أحد أحياء القاهرة، جلست أم سارة أمام الطبيب وهي تُمسك بيد طفلتها ذات الإثني عشر عامًا، تحاول أن تخفي دموعها، بينما تهمس للطبيب: "بنتي مش بتخرج من أوضتها.. مش بتكلم حد.. كل يوم أكل ونوم، وزنها زاد جدًا، وكل لما أقولها نروح لدكتور تقولي: مشكلتي مش في الأكل.. مشكلتي في حياتي".

خالد وسارة، هم صورة من واقع مرير يعيشه ملايين المراهقين في مصر، حيث السمنة لم تعد مشكلة شكل، بل مرض مزمن يهدد الصحة النفسية والجسدية، ويحكم على المراهق بحياة من العزلة والضعف، فتسرق منهم صحتهم، ثقتهم، وحتى طفولتهم.

سمنة المراهقة
الدكتور عمرو عبد المنعم، أستاذ التخدير والتغذية العلاجية بكلية الطب جامعة القاهرة، يكشف أن 80% من المراهقين الذين يعانون من السمنة بين سن البلوغ وحتى 19-20 عامًا يستمرون في المعاناة منها بعد هذا السن، مما يجعل السمنة في هذه المرحلة من أخطر أنواع السمنة وأكثرها تعقيدًا.

ويضيف الأمر لا يتوقف على زيادة في الوزن فقط، بل هناك آثار نفسية واجتماعية جسيمة، كالعزلة، وضعف الثقة بالنفس، والتنمر، وهي عوامل قد تترك ندوبًا في الشخصية تستمر لعقود.

مسار خطير 
الدراسات الحديثة تشير إلى أن الأطفال الذين يصابون بالسمنة بين عمر 2 -12 عامًا أكثر عرضة للبقاء بدناء بمعدل 5 أضعاف مقارنة بأقرانهم، مما يعني أن تجاهل السمنة في سن الطفولة ليس فقط إهمالًا طبيًا، بل تهيئة لمشكلة مزمنة مستقبلية.

ويتابع د. عبد المنعم، السمنة في هذه الفئة العمرية لا تُعالج فقط بالحرمان من الطعام، بل تحتاج إلى تغيير جذري في نمط الحياة، وتدخل تربوي ونفسي وتغذوي متكامل.

السلوك الغذائي مجرد طرف 
السمنة ليست نتيجة الكسل أو الإفراط في الأكل فقط، بل كما يوضح د. عبد المنعم، هي نتاج تفاعل معقد بين عوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية، تشمل العلاقة بين الأمعاء والمخ والبنكرياس والخلايا الدهنية.

وهناك هرمونات مثل GLP-1 تُفرز في الأمعاء وتؤثر على الشهية والتحكم في الأنسولين، أي خلل في هذه المنظومة، سواء لأسباب وراثية أو بسبب العادات الغذائية، يؤدي لزيادة الوزن حتى مع أكل طبيعي.

أدوية آمنة للمراهقين
في ظل القلق المتزايد من تناول الأدوية في سن صغيرة، يُوضح د. عبد المنعم، أن العلاج الدوائي في سن المراهقة مسموح به في حالات محددة فقط وتحت إشراف طبي صارم.

ويُشير إلى وجود دواءين فقط معتمدين عالميًا للفئة العمرية من 12 - 18 عامًا:

الدواء الأول: يمنع امتصاص حوالي 30% من الدهون في الطعام، لكنه لا يُقلل الشهية ولا يعالج الأكل العاطفي.
الدواء الثاني: هو ما يُعرف بـ”أقلام التخسيس”، ويُعد الأقوى، حيث يعمل على تقليل الشهية بمختلف أنواعها، ويُساعد على التحكم في الأكل الناتج عن التوتر والضغط النفسي.

ويؤكد هذه الأدوية ليست بديلًا عن نمط الحياة الصحي، ولا يجوز استخدامها دون إشراف طبي دقيق، خاصة أن بعض الأعراض الجانبية تظهر فقط في حالة الاستخدام الخاطئ أو من مصادر غير موثوقة.

الأهل.. الخط الأول في الوقاية
تقول الدكتورة نهى عبد اللطيف، أخصائية التغذية الإكلينيكية، أول خطوة لحماية الأبناء من السمنة تبدأ من الأسرة، وليس من العيادة، الطفل لا يختار ماذا يأكل ولا متى يتحرك، بل يُقلد البيئة المحيطة به.

وتُشير إلى أن التعليم الغذائي منذ الصغر، والحد من الإعلانات التي تُروج للوجبات السريعة والمشروبات السكرية، والتشجيع على الرياضة، هي أدوات وقائية لا تقل أهمية عن أي دواء.

مؤشر خطير
أما الدكتورة منى حسين، اخصائي الطب النفسي فتؤكد أن السمنة ليست مشكلة جسمانية فقط، بل يُصاحبها في كثير من الأحيان مشكلات نفسية كالاكتئاب، اضطرابات الأكل، واضطراب صورة الجسد.

وتوضح المراهق البدين قد يدخل في دائرة مغلقة، يشعر بالرفض، فيأكل أكثر، فيزداد وزنه، فينعزل، ثم يدخل في اكتئاب، العلاج يجب أن يكون نفسيًا وجسديًا في آنٍ واحد.

ويختم الدكتور عمرو عبد المنعم حديثه بقوله: التدخل المبكر يمكن أن يُغير مستقبل الطفل، التقييم الطبي والغذائي في سن صغيرة، مع دعم نفسي وأسري، قد يُنقذ حياة إنسان من أن تظل أسير السمنة مدى الحياة، الوقاية والتثقيف هما الحل الحقيقي، وليس انتظار المرض ثم السعي وراء علاج سريع.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية