تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مع نسمات الصباح الباردة في هذه الأيام الشتوية تحلو الجولات في شوارع القاهرة الفاطمية، وتنتشر المبادرات الشبابية على السوشيال ميديا من باحثين في التاريخ المصري، ومصورين، وعاشقين لشوارع المحروسة للتجمع أمام معالمها وكنوزها المعمارية التاريخية أيام العطلات، ومع كل جولة نتأكد أن هذه المدينة العريقة لا تتوقف عن إبهارنا مهما مر عليها الزمن.
وتحوي حارات قاهرة المعز العديد من الحكايات والأساطير التي احتضنتها بيوتها وجوامعها الأثرية، وجعلتها دائماً محط الأنظار ومصدر للإبهار.
1- مطبخ مفتوح (أمريكي) في بيت السحيمي
بداية جولتنا من حارة الدرب الأصفر المتفرعة من شارع المعز لدين الله الفاطمي، على مساحة نصف فدان نجد قصراً معمارياً فريداً هو بيت السحيمي نسبة لآخر من سكنه وهو الشيخ محمد السحيمي.
كان الشيخ السحيمي من علية القوم، شيخ رواق الأتراك في الجامع الأزهر، بني الجانب القبلي منه عام ١٦٤٨م، أما البحري فقد بني ١٧٩٦م، ثم دمجه الشيخ السحيمي ليصبح أيقونة في الجمال والتفرد.
أسكن السحيمي فيه زوجاته، وجعل جناحاً لكل زوجة، وجناحاً للأولاد، وآخر للنفساء التي تقوم من الولادة، ودور لجلسات الحريم، والأرضي للرجال، يتوسطه صحن كبير تفتح عليه غرف الاستقبال الموجودة في الدور الأرضي، وكنبة خشبية كبيرة في الجانب الآخر حيث يقف الفنانون والمغنون في حفلات السمر والغناء أول كل شهر عندما تجتمع الأسر من الجيران والمعارف.
2- الحرملك والسلاملك
عندما يحضر الضيوف يقول صاحب البيت للخادم:" الحريم لك" ويقصد بها أن يأخذ الخادم النساء ليصعد بهن للدور العلوي، ومن هنا جاءت كلمة "الحرملك ".
ثم يقول للرجال: السلام لك -ومن هنا جاءت كلمة السلاملك- ليدخلوا في البهو الفسيح في مدخل البيت ويتعالى الغناء والسمر وتستمع له النساء في الدور العلوي.
ويلاحظ أن غرفة الضيوف الرئيسية بجانب غرفة الاستقبال التي تحتوي على مطبخ مفتوح بنافذة يقدم منها الطباخ الطعام وينقلها الخدم ومقدمو الطعام للضيوف، وتظهر كل أدوات الطبخ والتقديم من ورائه، وكأنه "الأمريكان كيتشن" ليكون المطبخ الذي أطلق عليه المطبخ المفتوح أصله في بيوت الأثرياء المصريين منذ فترة العثمانيين، أي ما يقرب من ٤٠٠سنة.
3- لغة الورود
أما هذه الحكاية فهي تخص الورود ودلالة ألوانها، فالورود التي كانت تزين البيوت أيام الدولة العثمانية في مصر كانت تحمل رسائل للجيران والمارة.
الوردة الحمراء
فالبيت الذي توضع في شرفته وردة حمراء تعبر عن وجود فتاة في سن الزواج في هذا البيت، وهي دعوة للأسر التي بها شاب في سن الزواج ويريد أن يرتبط بهذه الأسرة بأن هناك عروسة مناسبة، فتذهب الأم وأبنتها الكبرى لشرب القهوة مع أم العروس والعروس، وإذا حدث توافق يتم تحديد موعد للشاب ووالده مع والد العروس.
وتجلس العروس في بهو البيت في غرفة بينها وبين غرفة استقبال الرجال باباً كبيراً معشق بطريقة فريدة، ويمكن للعروس أن ترى العريس من خلاله، بينما الجانب الآخر لا يستطيع رؤيتها، فإن أعجبت بهيئته ألقت وردة حمراء دليل الموافقة، وتم تقديم الشربات وانطلقت الزغاريد، وإن لم توافق تنصرف دون إلقاء ورود، ومعنى ذلك أنه قد تم رفض هذا العريس.
الوردة الصفراء
أما الوردة الصفراء على شرفة البيت فكانت تدل على وجود مريض في البيت كتحذير للمارة والباعة الجائلين من علو الصوت حتى لا يزعجوا المريض.
الوردة البيضاء
أما الوردة البيضاء فدلالة على وجود متوفي، فيلزم المارة والباعة الصمت تحت النوافذ احتراماً لمشاعر أهل البيت.
3- مطرقتان على الباب
البيوت في تلك الفترة كانت تضع مطرقتان على الباب، أحداهما كبيرة عندما تطرق يُفهم أن الطارق رجل، فيسارع رجل البيت بفتح الباب، أما المطرقة الثانية صغيرة نسبياً تصدر صوت أضعف عندما تطرق يكون الطارق امرأة فتذهب سيدة البيت لاستقبالها، كل ذلك موجود في بيت السحيمي العتيق.
4- جامع كان سجناً
نخرج من بيت السحيمي ونتجه جنوباً لشارع المعز، حتى نصل إلى منطقة باب زويلة، بالدرب الأحمر حيث جامع "المؤيد" المميز بجانب باب زويلة مباشرة، ونلاحظ أن مئذنتا جامع المؤيد تعلوان باب زويلة.
وصف المقريزي هذا الجامع بأنه "الجامع الجامع لمحاسن البنيان الشاهد بفخامة أركانه منشئه سيد ملوك الزمان، يحتقر الناظر له عند مشاهدته عرش بلقيس وإيوان كسرى".
كان قبل ذلك سجناً يسمى "خزانة شمائل" سُجن به المؤيد أبي النصر سيف الدين شيخ بن عبدالله المحمودي الظاهري لأسباب سياسة، ونذر لو تم إطلاق سراحه فسيبني جامعاً ومدرسة، وبالفعل خرج وأصبح حاكماً لمصر أيام دولة المماليك، وبناه كتحفة معمارية سنة ١٤١٥م ويمتاز هذا الجامع بأن مئذنتاه فوق أثر آخر هو باب زويلة الذي يرجع للعصر الفاطمي، وأصبح كلاهما عنصراً معمارياً متكاملاً بشكل رائع وقد تم نقل بابه من مدرسة السلطان حسن، وهو من أجمل الأبواب الخشبية المطعمة بالنحاس ويحمل اسم السلطان حسن.
5- الشيخ أبو شباك
بعد مغادرة جامع المؤيد نكمل السير جنوباً باتجاه شارع باب الوزير، في هذا الشارع نجد مسجد الرفاعي، الذي ينسب للإمام الرفاعي صاحبا لطريقة الرفاعية الصوفية.
بُني في القرن التاسع عشر بجانب جامع السلطان حسن المبني في القرن الخامس عشر.
نجد بداخله جامع الشيخ علي أبو شباك والذي سمي أول الأمر بزاوية الشيخ علي أبو شباك الرفاعي حفيد الشيخ الرفاعي، ثم نُسب للرفاعي نفسه مع أنه لم يدفن فيه.
سر الشباك
الشيخ علي هو ابن أحمد عز الدين أحمد الصياد حفيد الشيخ أحمد الرفاعي -ابن بنته زينب- ولد بحلب وجاء الي القاهرة عام ٦٣٨هـ وأقام مجلسه وحلقة ذكره بالمسجد الحسيني وأصبح قطباً، فتتلمذ على يده العلماء والشيوخ وبنوا له بمصر مكاناً وتزوج درية خاتون.
وأقام والد "علي" بمصر سنتان قبل أن يترك زوجته حاملاً به وذلك عام ٦٤٠هـ، وقال لها إذا ولدت صبياً وطلب أن يراني ويجتمع بي فليضرب بيده على هذا الشباك، ولينظر فيه سيراني، وبالفعل هاجر، وولدت هي ولداً أسمته "علي"، وأخبرت والدتها عن قصة الشباك، ثم توفت درية بعد الولادة، وعندما كبر علياً أصبح غلاماً نجيباً وكبر متصوفاً زاهداً، وأخبرته جدته فنظر إلى الشباك، ويقال إنه كان يراه ويحدثه ايضاً، وأخذ عنه العلم وتبعه الكثير من المصريين، وأصبح شيخاً كبيراً وبنى الجامع ودفن في القبر بجانب الشباك وأصبح مقاماً، وقال المصريون وقتها أن الدعوة عنده مستجابة، والله أعلم!
وعندما اشترت "الوالدة باشا" خوشيار هانم المقام وما حوله من الجهات الأربع، بنت الجامع الكبير، واستوردت الرخام من إيطاليا وألحقت به مدافن الأسرة العلية ودفنت فيها بعد ذلك، كذلك الخديوي إسماعيل وزوجاته، والملك فؤاد والملك فاروق، وأبقت وقتها على مقام الشيخ أبو شباك الذي نراه اليوم.
6- جامع لا يُصلى فيه
نكمل جولتنا في شارع باب الوزير، فنجد في نفس الشارع جامع خاير بيك بتصميمه المملوكي المميز، بدأ بنائه في عصر المماليك واكتمل أيام الدولة العثمانية، وهو من أروع المساجد الأثرية بمعماره الفريد وقبلته المميزة المزينة بزخارف نباتية، ومع هذا لم يرفع فيه آذان أو تقام به صلاة؛ بل قيل أن قبلته خاطئة، والأكثر من ذلك أن المصريين قالوا عنه جامع "خاين بيك"، والسر في ذلك أن الشعب المصري لم يغفر للوالي المملوكي خيانته لجيشه، فبعد انتصار العثمانيين في معركة مرج دابق ثم الريدانية، سلم لهم خاير بيك طومان باي ليتم شنقه على باب زويلة، ثم عينه سليم الأول مكافأة لخيانته أول حاكم لمصر تحت السلطة العثمانية، وحاول خلق هيبه لنفسه، والنزول في موكب للشعب ولكنه وجد فتوراً من الناس، فقد كانوا يحتقرونه وأسموه بـ"خاين بيك".
7- وجه حبيبتك في البئر
نخرج من جامع خاير بيك ونتجه جنوباً الى شارع باب الوزير، نمر بميدان القلعة ثم نتجه لمنطقة السيدة زينب حيث متحف "جاك أندرسون"، أو بيت الكريتلية، والذي يتكون من بيتين، ويٌعد من أجمل وأشهر الآثار الإسلامية في العهد المملوكي بجانب جامع ابن طولون، وله أسطورة تقول أن هناك فتاة رائعة الجمال كانت تسكن البيت الأول الذي يحوي بئراً في مدخل البيت لخدمة أبناء السبيل، نظرت الفتاة في البئر، ومن فرط جمالها فاضت مياه البئر، فهربت منها على البيت الثاني من الهلع، وهناك رآها ابن الجيران ووقع في غرامها وتزوجا، وأصبح هذا البئر المسحور محلاً للروايات، وخرجت أسطورة أنه إذا نظرت فيه في ليلة قمرية، فسترى وجه حبيبتك.
هذا البئر لازال موجوداً في بيت الكريتلية حتى الآن، ومع أن الماء قد نضب منه، إلا أن قصته لم تنضب.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية