تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مع أذان المغرب، تجتمع العائلات حول موائد عامرة بأشهى الأطباق، لكن بعد انتهاء الإفطار، تتكدس أكوام من الطعام الفائض في صناديق القمامة، بينما تعاني أسر كثيرة من الحاجة وسط أزمة غذاء عالمية تؤثر على أكثر من ٨٠٠ مليون شخص، فكيف يمكن لمصر أن تتحول من دولة تهدر ٩ ملايين طن من الطعام سنويًا إلى نموذج في ترشيد الاستهلاك والتكافل الاجتماعي؟
أرقام صادمة
وفقًا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن ٣٠ - ٣٥٪ من إجمالي الطعام المنتج عالميًا يُهدر سنويًا، في حين يعاني ١٢٪ من سكان العالم من الجوع، أي أن العالم يهدر حوالي 931 مليون طن من الغذاء سنويًا، وتُساهم مصر بحوالي 9 ملايين طن من هذا الهدر، وتشير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى أن متوسط حجم الهدر الغذائي للفرد الواحد في مصر يبلغ حوالي 91 كيلوجرامًا من الطعام سنويًا، يصل خلال شهر رمضان إلى ٣٠٠ ألف طن من الطعام يومياً.
تتزايد نسبة الغذاء المُهدر في المناسبات الخاصة والأعياد والمهرجانات؛ حيث يتم التخلص من 60% على الأقل من الأطعمة الصالحة للأكل، وتشير تقارير الفاو أيضاً إلى أن الفاقد والهدر من الخضروات والفاكهة في مصر يمثل 45-55% من الإنتاج السنوي، مما يعكس تحديًا كبيرًا في إدارة الموارد الغذائية.
خطر على البيئة والمياه
يحذّر الدكتور عبد المسيح سمعان، أستاذ الدراسات البيئية بجامعة عين شمس، من أن هدر الطعام لا يقتصر على فقدان الغذاء فحسب، بل يشمل أيضًا استنزاف الموارد الطبيعية.
يقول د. سمعان: "عندما نهدر الطعام، فإننا نهدر أيضًا المياه والجهد والطاقة التي استُخدمت لإنتاجه، مما يزيد العبء على مواردنا"، وأشار إلى حقائق بيئية مقلقة وهي أن مصر تُنتج ٢٦ مليون طن من المخلفات سنويًا، ٦٠٪ منها بقايا طعام.
حلول مبتكرة
في مواجهة هذه الأزمة، ظهرت مبادرات مجتمعية وتقنيات ذكية تساهم في تقليل الهدر، مثل:
1- بنك الطعام المصري: بالشراكة مع فنادق القاهرة الكبرى، يجمع فائض بوفيهات الإفطار ويوزعه على الأسر الأكثر احتياجًا.
2- تطبيق "تكية": يربط بين المطاعم والمحتاجين، ويُتيح شراء الطعام الفائض بخصم ٥٠٪ أو التبرع به.
3- القرية الخضراء بالفيوم: تُحوّل بقايا الطعام إلى سماد لدعم الزراعة المحلية، عبر تدريب السيدات على تقنيات التدوير.
4- مبادرة "حاضر مستدام": توعية بأثر الهدر البيئي، وإطلاق "حاسبة إلكترونية" لقياس نسبة الهدر المنزلي، بالشراكة بين سوديك وبنك الطعام.
5- مبادرة "مكافحة الجوع سهلة": تعتمد على وضع صناديق موحدة في الأماكن العامة، حيث يمكن للأفراد والمطاعم وضع الفائض.
الفجوة الطبقية
ترى الدكتورة أمل رضوان، أستاذة علم الاجتماع، أن الإسراف في رمضان أصبح عادة اجتماعية تتعلق بالمظاهر، وتقول: "إعداد موائد تفوق الحاجة يكرس التفاوت الاجتماعي، بينما يمكن للفائض أن يُحوَّل إلى شبكة أمان للفئات الهشة"، وأضافت أن هناك حاجة ماسة لحملات توعية لتعديل العادات الاستهلاكية، مع تشجيع التبرع بالطعام عبر منصات موثوقة، وأكدت على أن تبني سلوكيات استهلاكية مسئولة يسهم في تعزيز القيم الإيجابية في المجتمع، ويقلل من الهدر، ويعزز من استدامة الموارد للأجيال القادمة.
الخسائر الاقتصادية
يكشف الدكتور أحمد عزت الخبير الاقتصادي، أن ٥٠ - ٦٠٪ من الطعام المُعدّ في رمضان يُهدر، بسبب:
1- شراء كميات زائدة دون تخطيط: حيث يزداد إنفاق الأسر على الطعام بنسبة كبيرة، حيث يقوم الكثيرون بشراء كميات ضخمة من المواد الغذائية دون وضع خطة واضحة للاستهلاك اليومي، ويؤدي هذا السلوك إلى انتهاء صلاحية بعض الأطعمة قبل استخدامها، خاصة المنتجات الطازجة مثل الفواكه والخضروات، بجانب زيادة الطلب على السلع الغذائية بشكل مبالغ فيه، مما يرفع الأسعار ويزيد الأعباء الاقتصادية على الأسر والمجتمع.
2- سوء تخزين يؤدي للتلف: عدم اتباع طرق التخزين الصحيحة يؤدي إلى تلف الطعام سريعًا، خاصة في شهر رمضان، حيث يتم تحضير كميات كبيرة من الأطعمة مسبقًا، ومن أبرز مشكلات التخزين:
- عدم استخدام التبريد المناسب، مما يؤدي إلى فساد الطعام بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
- التخزين العشوائي في الثلاجات والفريزر، حيث يؤدي تكديس الأطعمة إلى عدم توزيع التبريد بشكل متساوٍ، وبالتالي تلف بعض الأطعمة دون ملاحظة ذلك.
- ترك بقايا الطعام مكشوفة لفترات طويلة، مما يعرضها للبكتيريا والتلوث، فيصبح من الصعب استهلاكها لاحقًا.
٣. تقاليد اجتماعية تبالغ في الكرم: تلعب العادات والتقاليد دورًا كبيرًا في زيادة الهدر الغذائي خلال رمضان، حيث يحرص الكثيرون على إعداد موائد كبيرة ومليئة بأصناف متنوعة، حتى لو كان عدد أفراد الأسرة قليلًا، بالإضافة إلى النظرة السلبية لتناول الأكل المُعاد تسخينه.
ويرى د. عزت أنه يمكن حل الأزمة عن طريق:
- تحسين التخزين والتوزيع.
- نشر التوعية بأهمية تقليل الهدر ودعم الصناعات الغذائية التي تستغل الفائض.
- إدراج قضية الهدر الغذائي في المناهج الدراسية لغرس عادات استهلاكية مسؤولة منذ الصغر.
- إنشاء منصات إلكترونية تربط بين المطاعم والمحتاجين لتوزيع الفائض.
حلول منزلية
توضح الدكتورة إيمان شاهين أستاذ إدارة المنزل بجامعة المنوفية، أن العائلات يمكنها تقليل الفاقد الغذائي باتباع خطوات بسيطة، منها:
- التخطيط المسبق للوجبات: تحديد الكميات المطلوبة وفقًا لعدد الضيوف لتجنب الطهي الزائد.
- التبرع بالطعام الفائض: التعاون مع الجمعيات الخيرية لإعادة توزيع الأطعمة الزائدة، وتخصيص رفًّا للأطباق القابلة للتبرع (مثل الأرز – الخبز).
- إعادة استخدام بقايا الطعام: تحويلها إلى وصفات جديدة بدلًا من التخلص منها.
- تقليل تقديم الأطعمة غير الضرورية: التركيز على الأطباق الأساسية لتقليل احتمالية الهدر.
- استخدام عبوات صديقة للبيئة: عند توزيع الطعام، يمكن استخدام عبوات قابلة للتحلل للحد من التلوث.
- التخزين الذكي: استخدام أوعية مُحكمة للحفاظ على الجودة.
وصية قرآنية
يؤكد الدكتور محمد عوض أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، أن الإسلام يحث على ترشيد الاستهلاك، وحذّر من هدر الطعام مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأعراف: ٣١)، ويضيف: "النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع الفتات احترامًا للنعمة، وقال: 'إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها'، وهذا دليل على ضرورة ترشيد الاستهلاك.
وهنا يقترح أستاذ الشريعة، إدراج "الهدر الغذائي" كموضوع في خطب الجمعة الرمضانية، وتفعيل نظام "الوقف" الإسلامي لدعم بنوك الطعام.
ثورة استهلاكية
لطالما كانت مصر من الدول الرائدة في إعادة استخدام الموارد بطرق مبتكرة، فالمصريون القدماء أول من استخدموا بقايا المحاصيل إلى مواد لصناعة الورق، واليوم، تستمر هذه العادات من خلال مبادرات حديثة، مثل تحويل قشور الرمان إلى صبغات طبيعية في أسوان، والاستفادة من تفل القهوة كسماد
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية