تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
رغم بريق الشهرة الذي يضع النجوم تحت المجهر، يبقى الجانب الإنساني خفيًا، مليئًا بتفاصيل لا يراها كثيرون، ومن بين تلك التفاصيل حالة طبية غريبة لا يعرفها أغلب الناس، لكنها كانت سببًا في معاناة اثنين من أشهر نجوم هوليوود هما النجم براد بيت والممثل القدير آلان ألدا، كلاهما واجه ما يُعرف بـ عمى تمييز الوجوه أو "عمى التعرف على الوجوه" وهو اضطراب يسرق من الإنسان قدرته الطبيعية على التعرف على الوجوه حتى لو كانت مألوفة.
هذه الحالة، التي قد تبدو للبعض مجرد شيء بسيط، ولكنها تحمل في داخلها عبئًا نفسيًا واجتماعيًا كبيرًا، خاصة عندما يصاب بها أشخاص يعيشون وسط الكاميرات والعدسات، من هنا تبدأ حكاية المرض.
هذه الحالة، التي قد تبدو للبعض مجرد شيء بسيط، ولكنها تحمل في داخلها عبئًا نفسيًا واجتماعيًا كبيرًا، خاصة عندما يصاب بها أشخاص يعيشون وسط الكاميرات والعدسات، من هنا تبدأ حكاية المرض.
اضطراب عصبي
وفي هذا السياق، يقول الدكتور محمد القاضي، استشاري الأمراض النفسية والعصبية، متلازمة عمى تمييز الوجوه ليست فقدانًا للبصر ولا ضعفًا في الذاكرة كما يظن البعض، بل هي اضطراب عصبي يجعل المريض عاجزًا عن التعرف على الوجوه، حتى لو كانت وجوه يراها كل يوم ومعروفه لديه.
فالإنسان الطبيعي يخزن ملامح الوجوه في ذاكرته مثل بصمة واضحة، بينما يعجز المصاب بهذه المتلازمة عن تكوين تلك البصمة من الأساس، وهكذا يصبح الوجه وهو أكثر ما يميز البشر مجرد تفاصيل مبعثرة لا تكتمل في ذهنه.
وتابع، قد يتعرف على صوت الشخص أو طريقته في التحدث لكنه لا يمكنه التعرف على ملامحه ويشاهده كأنه يراه لأول مرة، مما يشكل هذا الأمر العديد من العقبات في الحياة اليومية، فيعرض المريض للحرج خاصة في المناسبات الاجتماعية والتجمعات.
متلازمة عمى التعرف على الوجوه قد تبدو غريبة للبعض ولكنها حقيقة طبية موثقة، حسبما أكد د. القاضي، لافتًا إلى أنها قد تحدث جراء إصابة دماغية منذ الطفولة، وتختلف شدتها من شخص لأخر فهناك من لا يستطيع تمامًا التمييز بين الوجوه، وهناك من يستطيع أن يجد صعوبة في التمييز.
أعراض الاصابة
وأشار إلى أن الإنسان يبدأ في ملاحظة الإصابة بمتلازمة عمى تمييز الوجوه من خلال سلسلة مواقف تبدو متفرقة في البداية، لكنها تكشف في مجملها خللًا واضحًا في القدرة على قراءة ملامح البشر، فالمصاب يجد نفسه يقف أمام أشخاص يعرفهم معرفة وثيقة، لكنه لا يشعر تجاه وجوههم بأي صلة أو ألفة، وكأن الزمن قد محا ملامحهم من ذاكرته، وعندما يحاول التعويض، يلجأ إلى أصواتهم أو أسلوب حديثهم أو حتى طريقة مشيهم ليفهم من يقف أمامه، إذ يتحول الصوت والحركة والملابس إلى أدلة بديلة تحل محل الوجه الذي لم يعد يعرفه.
وتزداد المشكلة حدة حين يدخل المصاب في أماكن مزدحمة فتحدث له صدمه لأن الوجوه تتداخل، والمشاعر تختلط ويحدث له ارتباك، فيحيي الغريب باعتباره صديقًا، أو يمر بجانب قريب دون أن ينتبه إليه، ثم يجد نفسه يعتذر عن تصرفات لم يقصدها، وأكد د. القاضي أن المريض قد يعجز عن متابعة الشخصيات في الأفلام والمسلسلات، فكل الوجوه تبدو متقاربة إلى حد يصعب معه فهم الأحداث دون الاعتماد على الأصوات وحدها.
خلل في الدماغ
ومن جانبه، أكد الدكتور عبد العزيز آدم، استشاري نفسي، أن الإصابة بمتلازمة عمى التعرف على الوجوه ترجع إلى حدوث خلل دقيق في المنطقة الدماغية المسؤولة عن معالجة ملامح الوجه وربطها بالذاكرة والانطباعات، وفي كثير من الحالات يظهر هذا الاضطراب منذ الطفولة دون سبب واضح، وكأن الدماغ لم يكتمل في قدرته على بناء "الخريطة البصرية" للوجوه، فينمو الطفل وهو يجد صعوبة في التعرف على زملائه أو أفراد أسرته إلا بعد سماع أصواتهم.
وتابع، هناك حالات أخرى تصاب بتلك المتلازمة نتيجة لتعرضهم لحوادث تؤثر بالسلب على الدماغ مثل تعرضهم لحادث أدى إلى ارتجاج في المخ شديد أو الإصابة بجلطة أو التهاب شديد أثر بالسلب على الفص الدماغي المسئول عن تمييز الوجوه فيحدث خلل مفاجئ يجعل الوجه، مهما كان قريبًا، يبدو غريبًا أو غير مألوف.
وقد تسهم العوامل الوراثية أيضًا في ظهور المتلازمة، إذ لاحظ الأطباء وجود عائلات تتكرر فيها المشكلة في عائلة المريض، مما يشير إلى استعداد جيني يجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة لهذا الاضطراب، ورغم تعدد الأسباب يظل القاسم المشترك بينها جميعًا هو عجز الدماغ عن تحويل الملامح إلى هوية واضحة، فينشأ هذا الارتباك العميق الذي يرافق المصاب.
لا يوجد علاج
يبدأ تشخيص متلازمة عمى التعرف على الوجوه بملاحظة المريض بأنه لا يستطيع التعرف على أقرب الأشخاص إليه، ثم نتأكد من الحالة عبر مجموعة اختبارات تقيس قدرة الشخص على تمييز الوجوه وحفظها، وأوضح د. عبد العزيز إلى أنه يتم عرض عدد من الصور عليه لأشخاص معروفين وعاديين، ونطلب منه التعرف عليهم.
وفي بعض الأحيان نطلب عمل "أشعة مقطعية" على الدماغ للكشف عن أي تغير في المناطق المسئولة عن معالجة الملامح، للتفريق بين المتلازمة الفطرية وتلك التي تنشأ بعد إصابة.
أما العلاج، فأكد الاستشاري النفسي أنه لا يقوم على دواء محدد فلا يوجد علاج مباشر لتلك الحالة، بل يعتمد على تدريب المريض على ابتكار طرق بديلة للتعرف على من حوله، مثل التركيز على الصوت، أو أسلوب الحركة، أو التفاصيل الثابتة كالملابس أو طريقة الحديث.
وتساعد جلسات التأهيل على تخفيف الشعور بالإحراج الاجتماعي وتعليم المصاب كيف يتعامل بثقة مع المواقف اليومية، بينما تسهم المتابعة النفسية في تقليل شعور العزلة الذي قد يصاحب المرض، ورغم أن المتلازمة لا يتم علاجها بشكل تام في معظم الحالات، فإن فهمها والتعامل الواعي معها يخففان من أثرها النفسي على المريض ويمنحوه قدرة أفضل على التواصل والعيش بصورة طبيعية.
المتلازمة والمشاهير
أما عن ارتباط هذه المتلازمة بفئة معينة دون الأخرى، لفت د. عبد العزيز إلى أن متلازمة عمى التعرف على الوجوه لا ترتبط بالشهرة ولا بالأضواء، ولا تصيب فئة اجتماعية أو مهنية معينة، فهي حالة عصبية يمكن أن تظهر لدى أي شخص، سواء عاش حياة بسيطة أو وقف على أكبر مسارح العالم، والاختلاف الوحيد هو أن المشاهير يسلط الضوء عليهم أكثر، فيبدو المرض كأنه منتشر بينهم، بينما الحقيقة أنه موجود لدى عامة الناس بنفس القدر، لكنه لا يكتشف بسهولة لأن كثيرين يتعايشون معه دون تشخيص.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية