تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : حلم لحفظ الطاقة.. نقل مراكز البيانات إلى الفضاء
source icon

سبوت

.

حلم لحفظ الطاقة.. نقل مراكز البيانات إلى الفضاء

كتب: رانيا سالم

في كل مرة تلمس شاشة هاتفك لتسأل مساعد ذكاء اصطناعي، أو تشاهد مقطع فيديو عالي الدقة، أو حتى ترسل بريداً إلكترونياً بسيطاً، تنطلق سلسلة من العمليات الرقمية المعقدة في مكان بعيد عنك، ذلك المكان هو مراكز البيانات تلك المستودعات الضخمة المليئة بالخوادم، التي تُعد العقل المدبر لعالمنا الرقمي.

هذا العقل شديد النهم للطاقة، ويزداد استهلاكه يوميًا مع توسّع استخدام الإنترنت والذكاء الاصطناعي، ومع هذا الارتفاع المتسارع، بدأ البعض ينظر نحو السماء، بحثاً عن حل جذري يعتمد على نقل مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي إلى الفضاء.

مستودعات خرسانية 
يقول الدكتور هيثم طارق، خبير تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني، إن مركز البيانات عبارة عن مستودعات خرسانية ضخمة مليئة بصفوف طويلة من الخوادم، وهي بمثابة العقل والقلب النابض للحضارة الرقمية الحديثة.

ويضيف أن فكرة نقل هذه العقول الرقمية إلى الفضاء لم تعد خيالاً علمياً، بل أصبحت رؤية استراتيجية تتسابق شركات التكنولوجيا العملاقة على تبنيها، فشركة "جوجل" -على سبيل المثال- تستكشف مشاريع غير تقليدية مثل "صائد الشمس" (Project Suncatcher) وفكرة السحابة الفضائية، التي تقوم على نشر مجموعة من الأقمار الصناعية حول الأرض تعمل كمراكز بيانات مدارية.

ويشرح د. هيثم أن هذه الوحدات الفضائية تعتمد على شرائح معالجة فائقة التخصص، وتتغذى مباشرة على أشعة الشمس عبر ألواح متطورة، وتتواصل مع بعضها ومع الأرض عبر روابط ليزرية فائقة السرعة.

السباق نحو الفضاء
ويؤكد خبير تكنولوجيا المعلومات أن الفكرة ليست جديدة على "إيلون ماسك" -الرئيس التنفيذي بشركة سبيس إكس- وجيف بيزوس- مؤسس أمازون- فالأول يرى في الفضاء الامتداد الطبيعي للصناعة، والثاني يطرح تصوراً ضخماً لإقامة بنية تحتية صناعية تعمل بالكامل خارج الأرض، تعتمد على الشمس كمصدر للطاقة، وعلى الموارد الفضائية كمواد خام.

وحوش طاقة شرهة
يشير د. هيثم إلى أن مراكز البيانات تستهلك نحو 1.5% من إجمالي الكهرباء عالميًا -أي ما يعادل 415 تيراواط/ساعة سنويًا- وهو رقم يفوق استهلاك دول بأكملها، ومع طفرة الذكاء الاصطناعي، قد يقفز هذا الاستهلاك إلى 945 تيراواط/ساعة بحلول 2030، وهو ما يوازي استهلاك دولة صناعية كبرى مثل اليابان، بل إن تدريب نموذج ذكاء اصطناعي واحد متقدم قد يستهلك كهرباء تكفي لتشغيل 100 ألف منزل.

استهلاك أكبر
ومع دخول عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن عملية بحث واحدة باستخدام نموذج متطور مثل ChatGPT تستهلك طاقة أكبر بعشر مرات من البحث التقليدي في جوجل، ولو دمجت جوجل هذا الذكاء الاصطناعي بالكامل في محركها، فإن استهلاكها للطاقة سيصل إلى مستويات تقارب دولة مثل أيرلندا بكل مصانعها ومنازلها.

منظومات صناعية معقدة
ويفسر د. هيثم أن مراكز البيانات لا تستهلك الطاقة فقط لتشغيل المعالجات، بل لإنقاذ الأجهزة من الانصهار بسبب الحرارة الهائلة التي تنتجها، فالتبريد وحده يلتهم 40% من الطاقة.

كما أن تكلفة بناء مركز بيانات واحد تتراوح بين 7 -15 مليون دولار لكل ميجاوات من الطاقة التشغيلية، أما مراكز البيانات الخاصة بالذكاء الاصطناعي فترتفع تكلفتها بشكل أكبر بكثير.

الفضاء حل منطقي
يقول د. هيثم إن الفضاء يقدم حلاً مثالياً لأكبر مشكلتين وهما الطاقة والتبريد؛ فالطاقة الشمسية في الفضاء متاحة 24 ساعة دون ليل أو سحب، وتزيد كفاءتها 8 مرات عن الأرض، والفراغ الفضائي شديد البرودة يعمل كمبرّد طبيعي مجاني، يلغي الحاجة إلى أجهزة تبريد ضخمة.

ويعرض د. هيثم رؤى ماسك وبيزوس؛ فالأول يركز على شبكة ستارلينك وصاروخ "ستارشيب" لإطلاق مراكز بيانات ضخمة إلى المدار، والثاني يتصور مستعمرات مدارية عملاقة كمصانع بيانات تدور حول الأرض.

أزمة كهرباء حقيقية
وتوضح الدكتورة إيمان علي، خبيرة المعلومات والأمن السيبراني، أن الولايات المتحدة وأوروبا تواجهان أزمة حادة في الكهرباء، ففي ولاية فيرجينيا والتي تمثل 70% من حركة الإنترنت العالمية، توقفت شركات الكهرباء عن استقبال طلبات جديدة من مراكز البيانات بسبب الضغط الهائل على الشبكة.

وتقول إن المشكلة ليست في توليد الكهرباء، بل في نقلها؛ فبناء خطوط جديدة يحتاج سنوات، بينما إنشاء مركز بيانات كبير يستغرق أقل من عامين، وفي أيرلندا، تستهلك مراكز البيانات أكثر من 18% من كهرباء الدولة، وقد ترتفع النسبة إلى 30% بحلول 2030.

وتشير إلى تقرير الوكالة الدولية للطاقة IEA الذي يتوقع تضاعف استهلاك البيانات والذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية بحلول 2026، بما يعادل إضافة دولة بحجم ألمانيا إلى الطلب العالمي على الكهرباء.

تحديات للشركات الكبرى
تؤكد د. إيمان أن تكلفة الطاقة لمراكز البيانات أصبحت تحدياً كبيراً، فالميجاوات الواحد يكلف 7–15 مليون دولار، وترتفع التكلفة في مصانع الذكاء الاصطناعي التي تحتاج تبريداً سائلاً عوضاً عن التبريد الهوائي التقليدي.

هذه التكاليف الضخمة تدفع شركات التكنولوجيا الكبرى مثل مايكروسوفت، جوجل، وأمازون لضخ نحو 100 مليار دولار سنويًا في تطوير البنية التحتية والرقائق، وهو ما وصفه محللون بأنه أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، ورغم أن فكرة الفضاء واعدة، إلا أنها تواجه عقبات ضخمة منها:
- التكلفة العالية لإطلاق آلاف الأطنان من المعدات.
- صعوبة الصيانة في المدار، حيث الحاجة إلى روبوتات متقدمة أو بعثات بشرية.
- مخاطر الإشعاع الشمسي والحطام الفضائي، التي قد تدمّر الإلكترونيات الحساسة.

حلول على الأرض
وتشير د. إيمان إلى أن حلولاً أكثر واقعية تُبحث على الأرض، منها استخدام المفاعلات النووية الصغيرة (SMRs) لتوفير طاقة مستقرة لمراكز البيانات، الاعتماد على الطاقة الحرارية الجوفية والهيدروجين الأخضر، بناء مزارع طاقة شمسية ورياح مخصّصة لمراكز البيانات، مشروعات مبتكرة مثل كبسولة "Natick" من مايكروسوفت في قاع البحر.

وتختتم بأن العالم في المدى القصير سيعتمد على مزيج من كفاءة الطاقة والابتكار ومصادر الطاقة المتجددة وربما النووية، أما على المدى الطويل، قد تصبح مراكز البيانات الفضائية حقيقة، ليس فقط كحل لأزمة الطاقة، بل كخطوة أولى لتمدّد الحضارة البشرية خارج كوكب الأرض.

 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية