تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
لم يعد ما يُعرض عبر كاميرات الهواتف المحمولة عن حرب التجويع في غزة كافيًا للتعبير عن حجم المعاناة التي يتسبب فيها الاحتلال الإسرائيلي بشكل ممنهج.
لقد أصبح من الضروري أن تدخل السينما على خط المواجهة، لتؤدي دورها في توثيق وتوصيل ما يحدث، فكما نقلت السينما مآسي العالم – من الكوليرا إلى الحروب الكبرى، ومن معاناة إفريقيا إلى الهولوكوست – فإن معاناة غزة اليوم تستحق أن تكون في صدارة الصورة السينمائية.
في بداية الحرب، سجل بعض شباب غزة مشاهد الدمار والحصار في أفلام قصيرة، عُرضت في مهرجانات محلية ودولية، لكن السؤال الذي يُطرح الآن: هل يمكن للجوع أن يصبح محورًا لأعمال سينمائية كبرى تنقل المأساة للعالم كله؟
لطالما عبّرت السينما عن الجوع كقضية إنسانية عميقة، عكست من خلالها أبعاده الاجتماعية والسياسية والنفسية، سواء بأسلوب واقعي أو رمزي أو حتى بالكوميديا السوداء. من أبرز هذه الأعمال فيلم "الجوع" (1986) للمخرج علي بدرخان، المقتبس عن رواية نجيب محفوظ، والذي صوّر حياة الفقراء في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة أوائل القرن العشرين.
كما قدّمت السينما المصرية الجوع بصورة رمزية مؤثرة في فيلم "الحرام" (1965) للمخرج هنري بركات، الذي جسّدت فيه فاتن حمامة شخصية امرأة فقيرة تعمل في الحقول وتتعرض لاعتداء ينتهي بمأساة إنسانية.
أما السينما العالمية، فقد عبّرت عن هذا الألم من زوايا متعددة، قدم المخرج البريطاني كين لوتش فيلم "الريح التي تهز الشعير" (2006)، الذي تناول معاناة الشعب الأيرلندي في ظل الاحتلال البريطاني، وأبرز التقشف والحرمان من الطعام كجزء من النضال.
مشروع سينمائي عن غزة
من هولندا، كشف المخرج الفلسطيني العالمي هاني أبو أسعد، في تصريح لـ "سبوت"، عن مشروع سينمائي كبير يُعدّه حاليًا عن حرب التجويع في غزة.
ويقول أبو أسعد: "هل السينما قادرة على أن تفعل شيئًا في مواجهة ما يحدث من تجويع يستهدف أهل غزة؟ نعم، السينما تستطيع، فقد حان الوقت لأن تنتقل السينما من التوثيق العابر إلى أعمال احترافية تنقل المعاناة بأبعادها الكاملة."
وأضاف، إذا كانت المقاطع المصورة على الهواتف تُبكينا، فماذا عن فيلم سينمائي يُحضَّر بعناية لينقل هذه الكارثة للعالم؟ بدأت بالفعل منذ فترة في جمع الصور والمعلومات وكتابة سيناريو لفيلم عالمي عن هذه الحرب القذرة، وتحديدًا حرب التجويع. طبعًا هذا يتطلب تمويلًا ضخمًا، ونجومًا يؤمنون بالفكرة، لكنني مؤمن أن الصورة السينمائية قادرة على أن تُحدث الفارق.
وتابع، أنا كمخرج عايشت تجارب سينمائية عالمية، أعيش يوميًا وجعًا حقيقيًا مما يحدث في غزة، لن تنطفئ هذه النار المشتعلة في قلوبنا إلا حين تتوقف الحرب، وننقل المأساة للعالم ليعرف، ويتحرك، وربما يمنع تكرارها.
حين تعجز الصورة تتحدث السينما
المخرج الفلسطيني فايق جرادة عبّر هو الآخر عن غضبه مما يحدث، قائلاً: "في غزة، لا يكفي أن نعدّ الضحايا أو نحصر ركام البيوت، هناك مشهد أقسى: أم تقول (نفسي في حبّة طماطم)، هذه الجملة وحدها تختصر فيلمًا كاملًا عن الجوع والكرامة المنكسرة."
وتابع، أنا أعمل في الإعلام وأدرك تمامًا قيمة الصورة، لكن في لحظة كهذه، تسقط الصورة العادية وتنهض السينما بدورها.
الجوع في غزة ليس مجرد مأساة إنسانية، بل سياسة تكسير لإرادة الناس. وعلى السينما أن تقف شاهدة، موثقة، مقاومة.
وأضاف، في ظل المجاعة، لا مجال للفن من أجل الفن،السينما في هذه اللحظات تعتمد على عدسة متعبة ومخرج ميداني يرصد أمًا تبكي لأن طفلتها جاعت. وهنا، تصبح السينما أداة بقاء.
مصر والدور النبيل
وسط كل هذا الظلام، يبرز الدور المصري كنقطة ضوء حقيقية يقول جرادة: "مصر ليست فقط معبرًا أو حدودًا، بل ضمير حيّ في عالم ميت، فتحت معبر رفح رغم المخاطر، استقبلت الجرحى، وقدّمت ما استطاعت، العاملون في المعبر لا ينامون، يواجهون الخطر، ويستحقون أن يكونوا شخصيات في فيلم حقيقي، بلا مجاز، ولا تمثيل."
ويختم جرادة، يجب أن تتحول هذه اللحظات إلى مشاهد تُعرض في المهرجانات العالمية، تُدرَّس في الأكاديميات، وتبقى في الذاكرة الجمعية، السينما ليست ترفًا، بل ضرورة وجودية في زمن الجوع، وهي صوت من لا صوت له. وفلسطين لا تطلب تعاطفًا، بل عدالة. ومصر لا تطلب شكرًا، بل تؤدي دورها بشهامة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية