تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : جدل لا يهدأ.. تلاوة القرآن بالمقامات بين التحريم والإباحة
source icon

سبوت

.

جدل لا يهدأ.. تلاوة القرآن بالمقامات بين التحريم والإباحة

كتب:مروة غانم

أعادت مسابقة "دولة التلاوة" المشهد القرآني إلى الصدارة، ونجحت في جمع الأسرة المصرية حول الشاشات ومتابعة الأداء المميز للقراء، لكن سرعان ما تسللت إلى الساحة الدينية موجة جديدة من الجدل بعد صدور فتوى تُحرّم قراءة القرآن بالمقامات الموسيقية، معتبرة هذا الأسلوب ضربًا من البدع ومشابهة لألحان الغناء، على الرغم من أن علماء وزارة الأوقاف هم من يقومون عليها.

الفتوى وصفت تعمد تعلّم المقامات الشهيرة مثل البيات والسيكا والحجاز بأنه "منهي عنه"، وذهبت إلى أن المقامات فن ابتدعه أهل الضلال، بل اعتبرت أن كثيرًا من قرّاء دولة التلاوة واقعون في الابتداع، ما أثار حالة من الاستياء بين العلماء والمهتمين بعلم الأصوات.

وفي محاولة لتفنيد هذه الآراء، حاور التقرير عددًا من المتخصصين الذين أكدوا أن المقامات ليست موسيقى دخيلة، بل أدوات صوتية معروفة تخدم الأداء القرآني وترتقي به.

علم يخدم المعنى ويُحسن الأداء
الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، أوضح أن المقامات الصوتية علم وفن يساعد القارئ على التحكم في طبقاته الصوتية وإبراز المعنى المراد إيصاله، مؤكدًا أنها ليست مظهرًا من مظاهر الموسيقى ولا تُقحم على كتاب الله، بل هي خادمة لجلال القرآن.

وشدد الأزهري على أن المقامات كانت وما زالت أحد أسرار تميّز قراء مصر، وأنها علم كالنحو والبلاغة، يساهم في إيصال المعاني الدقيقة للآيات.

التغني بالقرآن
من جانبه، أكد الدكتور غانم السعيد، العميد الأسبق لكلية اللغة العربية، أن التغني بالقرآن يعني تحسين الصوت وتزيينه بما يليق بكلام الله، مع الالتزام بمخارج الحروف وأحكام التجويد دون تكلف، وأوضح أن المقامات ليست موسيقى، بل "أنماط صوتية" طبيعية ترتبط بالصعود والهبوط، مثل البيات والحجاز والرست.

وشدد السعيد على أن الفيصل في القراءة بالمقام هو ارتياح السمع وعدم الخروج بالآيات عن حدودها، مشيرًا إلى أن النبي ﷺ قال: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن" وقوله: "زينوا القرآن بأصواتكم"، مما يدل على مشروعية تحسين الأداء، كما أشار إلى أن أئمة الأزهر الكبار، كالإمام المراغي، أجازوا تحسين الصوت وعدّوه من تمام الأداء لا من بدع التلحين.

محاذير شرعية
وضع السعيد ثلاثة ضوابط أساسية لعدم الانحراف في الأداء وهي؛ عدم الإخلال بالهيئة القرآنية: كليّ الحروف وتكسير الكلمات والإطالة غير المشروعة، عدم التشبه بالغناء: عبر تطريب مغرق أو وقفات تُخدم اللحن لا المعنى، عدم جعل المقام غاية: أي أن يكون الهدف إظهار المهارة الصوتية لا خدمة الرسالة القرآنية.

وأكد ضرورة الاقتداء بقراء المدرسة المصرية الأصيلة مثل محمد رفعت ومصطفى إسماعيل والمنشاوي، الذين جعلوا المقام أداة للمعنى لا العكس.

علم المقامات
ووصفت الدكتورة اعتماد عبد الصادق، أستاذ أصول اللغة والقراءات، المقامات بأنها فن رفيع يخدم المعنى، مشيرة إلى أن القراءة المقامية تعتمد على منهج علمي يبدأ بإتقان أحكام التجويد كأساس متين لا بديل عنه، وفهم التفسير الإجمالي للآيات ومعرفة سياقها ومشاعرها، بالإضافة إلى القراءة بخشوع لتمكين القارئ من اختيار المقام المناسب لحالة الآية.

وتضيف أن المرحلة الثانية تقوم على ربط المقام بالمعنى، فلكل مقام دلالته العاطفية؛ فالرست: يعبر عن الطمأنينة والعظمة، البيات: فيه تضرع وحزن، السيكا: خشوع وأسًى، الحجاز: رهبة وخوف، أما الصبا: ألم وشكوى، ومقام النهاوند: فيه حكمة ونصح.

وشددت على أهمية "التلوين المقامي"، أي الانتقال بين المقامات بحسب تغير معاني الآيات، مؤكدة أن “التبيين لا التطريب” هو الشعار الذي يجب أن يلتزمه القارئ.

المقامات بين العربية والأعجمية
الدكتور محمد إبراهيم العشماوي، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، أوضح أن معظم المقامات صوتية ذات جذور أعجمية باستثناء مقام الحجاز ذي الأصل العربي، الذي يحظى بروحانية خاصة في التلاوة.

واستشهد بعدد من الأحاديث التي تحث على تحسين الصوت، منها قول النبي ﷺ: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن"، وكذلك ثناؤه على أبي موسى الأشعري: "لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود".

واختتم العشماوي بالتأكيد على أن القراءة بالمقامات جائزة شرعًا ما دامت لا تخل بأحكام التلاوة، فإذا أخلت حرمت.

خلاصة المشهد
يبقى الجدل قائمًا بين فريق يرفض المقامات باعتبارها لحونًا دخيلة، وفريق يراها فنًا صوتيًا راقيًا يخدم المعنى ويُحسّن الأداء، لكن القاسم المشترك بين العلماء هو أن العبرة بالضوابط: فلا تلحين مفسد، لا تشبه بالغناء، ولا مبالغة تُخرج التلاوة عن خشوعها.
وبين التشدد الرافض والتذوق المبيح، تبقى المقامات الصوتية جزءًا من مدرسة التلاوة المصرية التي صنعت عبر عقود صوتًا مميزًا لا ينفصل عن وجدان المستمعين.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية