تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : جداريات الحج … فن شعبي يخلّد رحلة الروح
source icon

سبوت

.

جداريات الحج … فن شعبي يخلّد رحلة الروح

كتب:محمد أبو بكر

لا تزال جدران منازل الحجاج في مختلف القرى والمدن المصرية تنبض بالحياة مع موسم الحج، عبر رسومات تقليدية تُعرف بـ "جداريات الحج"، هذه الجداريات ليست مجرد زخرفة، بل تُعد توثيقًا بصريًا لرحلة الحج وتعبيرًا عن الفخر والفرح ببلوغ الركن الخامس من أركان الإسلام.

جذور في عمق التاريخ 
يعود فن الجداريات إلى جذور حضارية ضاربة في أعماق التاريخ المصري، وتقول الدكتورة حنان سعد، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، لقد عرف المصريون منذ العصور الفرعونية فن التعبير بالرسم على الجدران لتوثيق الأحداث الدينية والدنيوية. 

ومع دخول الإسلام إلى مصر، تطور هذا الفن ليُجسد مناسك الحج ويروي تفاصيلها بأسلوب شعبي بسيط وواضح، مما يعكس مزجًا فريدًا بين الروح الدينية والهوية البصرية المحلية.

طقوس احتفالية
وتضيف د. حنان، أن مناسبة عودة الحجاج تتحول إلى احتفالية متكاملة، حيث يتطوع فنانون شعبيون أو يطلب أقارب الحاج من أحد الرسامين أن يزين جدران المنزل من الخارج بمشاهد رمزية تحكي تفاصيل الرحلة. تشمل هذه المشاهد صورًا للكعبة المشرفة، والمسجد النبوي، وجبل عرفات، والطواف، والسعي، ورمي الجمرات، إلى جانب وسائل المواصلات الحديثة كالسفن والطائرات، للدلالة على مشقة السفر وبركته في آن واحد.

ويُضاف إلى هذه المشاهد عبارات مثل "حج مبرور وذنب مغفور" أو "اللهم ارزقنا زيارة بيتك"، لتُضفي على الجدارية روحانية خاصة، كما تُستخدم ألوان زاهية وحيوية لجذب الأنظار وإبراز الفرح الغامر الذي يملأ قلوب أهل الحاج وجيرانه.

فن شعبي بأصول فرعونية
وبحسب صفوت عبد العاطي، المرشد السياحي والباحث في علم المصريات، فإن هذا النوع من الجداريات هو امتداد مباشر لفن النقش الفرعوني الذي وثّق فيه المصري القديم الطقوس الدينية على جدران المعابد، واليوم، تستمر هذه الروح، ولكن عبر توثيق شعبي لرحلة الحج من خلال صور الكعبة، جبل عرفات، المسجد النبوي، وطُقُس توديع الحاج وعودته.

استمرار في مواجهة الحداثة
وأكد الباحث في علم المصريات، أنه رغم التوسع العمراني والتغيرات الثقافية المتسارعة، ما زال هذا التقليد حاضرًا بقوة في مناطق عديدة من مصر، خاصة في القرى الريفية والصعيد، ففي الوقت الذي باتت فيه الصور الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي وسيلة شائعة لتوثيق لحظات الحج، يصرّ العديد من المصريين على أن تظل جداريات الحج حاضرة، باعتبارها تعبيرًا حسيًا عن الإنجاز الروحي، ووسيلة للارتباط بالهوية والمجتمع.

لغة فنية
فن جداريات الحج في مصر ليس مجرد رسومات على جدران المنازل، بل هو لغة فنية تنبض بالروحانية والانتماء والتاريخ، ويقول عبد العاطي إن هذا الفن يجمع بين البساطة الشعبية والعمق الرمزي، ويُشكل جسرًا بين الماضي والحاضر، وبين الفريضة الدينية والاحتفال المجتمعي، ورغم التغيرات التي تفرضها الحداثة، يبقى هذا الفن شاهدًا على أن الروح المصرية لا تزال تعرف كيف تحتفل بالإيمان بطريقتها الخاصة.

رموز إيمانية
لا تقتصر الجداريات على توثيق الرحلة فحسب، بل تحمل أيضًا رموزًا ذات دلالات أعمق، مثل الحمام الذي يرمز للسلام، أو الخراف التي ترمز للأضاحي، وكذلك صور للجِمال التي كانت وسيلة التنقل القديمة للحجيج، ويُضاف أحيانًا رسم الحاج نفسه بثوب الإحرام، أو رسم نساء العائلة بالزي الريفي وهنّ يودّعن الحاج أو يستقبلنه، في مشهد يمزج بين الواقع والخيال الشعبي.

رسوم متجددة مع كل رحلة
في السياق الشعبي، يتحدث بدوي عبدالعال أحد أبناء صعيد مصر، عن هذه الظاهرة بوصفها سلسلة متجددة لا تنقطع، يقول إن أفراد الأسرة يقومون بتجديد الجداريات كلما أدى أحد أفراد العائلة فريضة الحج. 

ويضيف أن والديه زارا الأراضي المقدسة منذ سنوات، وعند عودتهم كان اسمهما مضافاً على الحائط أسفل الرسم القديم، مما يعكس استمرارية هذا التقليد الجميل من جيل إلى آخر.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية