عدت إلى مكتبي بعد إنهاء بعض متعلقات العمل مع زملاء في إدارات أخرى، لأجد صديقتي وزميلتي سعاد التي تشاركني الغرفة وتستعد للزواج في غضون أيام،  تتحدث في الهاتف وهي تضحك بصوت عالي، ومن حديثها عرفت أنها تتحدث إلى خطيبها، آثرت الخروج لأترك لها مساحة من الخصوصية، فتصنعت نسياني أمر ما وهممت بالخروج من الغرفة، قبل أن تستوقفني وتودع محدثها، وتضع الهاتف جانبا.

بادرتني سعاد بقولها وهي تضحك، إن زوجها المستقبلي أحمد، كان يحدثها عن رغبته في تكوين أسرة كبيرة لا تقل عن 4 أبناء، ويطلب منها الاستعداد للأمر بتناول الكثير من الطعام لتصبح قادرة على الحمل والإنجاب في السنوات المقبلة، انزعجت كثيرا من الفكرة، ولكن انزعاجي الأكبر كان من سعاد التي أخذت الأمر على نحو الهزل، وبدت راضية بها، فقلت لها وأنا أبتسم: "أنتِ لن تفعلي ذلك بكل تأكيد"، فردت قائلة: "لم أفكر في الأمر بعد"، وهنا قلت لها "قبل أن تتخذي أي قرار سأصحبك معي في زيارة مهمة".

مشاكل لا حصر لها
انتهى العمل، و توجهت مع صديقتي التي تستعد للزواج،  إلى الدكتور محمد فخري استشاري الأطفال حديثي الولادة، وطلبت منه أن يوضح لنا المشاكل التي قد يتعرض لها الطفل مع كثرة الإنجاب، فقال: " تعدد الولادات أمر خطير للغاية على الأم أولا ثم طفلها، إذ تفقد الأم أثناء فترة الحمل العديد من العناصر الغذائية والفيتامينات التي تمد بها الجنين، وبينها فيتامين (ب) والكالسيوم والحديد والبروتين وحمض الفوليك، وغيرها من العناصر المهمة"، موضحا أنه مع تكرار الحمل يقل مخزون الجسم من هذه الفيتامينات بشكل تدريجي، مما يؤثر على الجنين وحدوث العديد من المشاكل الصحية التي لا حصر لها.

"قد تحدث مشاكل في النمو لأن مخزون البروتينات يكون قليل، وحتى لو أخذت الأم العديد من الأغذية التي تحتوي على بروتين فلم تستطع تعويض جسمها بالكمية التي كانت مخزنة في جسمها وانخفضت مع تكرار الحمل" كما أكد استشاري الأطفال،  قبل أن يتابع: "وكذلك نقص حمض الفوليك وفيتامين ب يؤثر على نمو الدماغ والحبل النخاعي للطفل، فيولد أطفال لديهم إعاقات ذهنية".

تعريض حياة الطفل للخطر
وشدد الدكتور محمد فخري، على أن نقص هذه العناصر يؤدي إلى الولادة المبكرة وولادة أطفال غير مكتملي النمو مما يعرض حياتهم للخطر، مؤكدا أن نقص الكالسيوم وفيتامين د من جسم المرأة مع تكرار الحمل يؤثر سلبيا على المولود، ويتضاعف هذا التأثير السلبي مع الطفل التالي، وخاصة على الجهاز العصبي والعضلي، فيمكن أن ينتج طفل لديه مشاكل حركية.

ويقل مخزون الحديد بشكل كبير مع كثرة الإنجاب، مما يصيب الطفل بالأنيميا وفقر الدم، ويظل الطفل يعاني مدى حياته من هذه المشكلة، ويقول الدكتور فخري إن تنظيم النسل هو الأفضل لإنجاب أطفال أصحاء معافين من العديد من الأمراض الخطيرة.

انقسام غير صحيح للبويضات
بدا على صديقتي الانزعاج، مما ذكره الدكتور محمد فخري، وفور أن غادرنا المبنى الموجود فيه عيادته، سارعت بالاتصال بالدكتور مجدي بدران، استشاري الأطفال، وعضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة، وسألته نفس السؤال عن مخاطر الحمل المتكرر على الأطفال، وقبل أن يجيب فتحت "ميكروفون" الهاتف، لتسمع إجابته سعاد، فقال إن تعدد الإنجاب يرتبط بنتائج سلبية على الأطفال، خاصة أن بويضات النساء تكون أكثر عرضة للانقسام الصبغي غير الصحيح.

وواصل: "يزداد خطر حدوث مضاعفات مرتبطة بالحمل والتي قد تؤدي إلى الولادة القيصرية، فضلا عن حدوث تشوهات للجنين، أو ولادته ميتاً"، مستطردا: "وانخفاض المناعة يؤدي إلى ارتفاع معدلات إصابة الأطفال بالعدوى خاصة الفيروسات التنفسية والالتهابات الرئوية".

ووفقا لـ"بدران" أيضا، تزداد فرصة إنجاب طفل مصاب بمتلازمة داون مع مرور الوقت، حيث يحدث خلل في بعض الكروموزومات، وينتج عن ذلك طفل لديه إعاقة ذهنية، ومشاكل في النمو، وتكون رأسه صغيرة وذا رقبة قصيرة مع ضخامة حجم اللسان وبروزه.

مخاطر تقدم عمر الأم
ويبلغ الخطر حوالي 1 من كل 1250 امرأة تحمل في سن 25 عاما، ويزداد إلى حوالي 1 من كل 100 امرأة تحمل في سن 40 عاما، وقد تكون المخاطر أعلى، كما أشار د. بدران أن العديد من الإحصائيات تشير فقط إلى المواليد الأحياء، ولا تشمل من تعاني من مشاكل في الكروموزومات والتي تنتهي حملها بفقدان الجنين.

وبمجرد أن تبلغ الأم 35 عاما، يزداد خطر تعرض طفلها للضعف من جانب النمو مع تقدم عمر المرأة، وهو ما يعادل الخطر الذي تتعرض له الفتاة في حالة الإنجاب في عمر مبكر جدا.

وفي حالة استكمال الحمل هناك العديد من المشاكل الصحية الأخرى التي قد يتعرض لها الطفل منها قصور الغدة الدرقية، ويقول الدكتور مجدي بدران إن هناك احتمالية كبيرة وفقا للعديد من الدراسات والأبحاث لولادة أطفال لديهم أمراض القلب الخلقية، وحدوث تشوهات الأمعاء، والمريء، والقصبة الهوائية والشرج، أو انسداد الجهاز الهضمي.

تنظيم النسل ضرورة
وتابع: "وقد يحدث أيضا اضطرابات في المناعة لهذا الطفل و انقطاع النفس في أثناء النوم، مع حدوث مشاكل بالحبل الشوكي، وحدوث تشنجات، والتهابات الأذن الوسطى ومشاكل بالسمع، ومشاكل بالبصر، والتقزم، والأنيميا".

ونصح الدكتور مجدي بدران، بضرورة تنظيم الإنجاب لأي عروسين يستعدان لبدء حياتهما الزوجية،  وأن يضع كل من الأب والأم معاناة الأطفال ومرضهم نصب أعينهم دائما قبل التفكير في تعدد الإنجاب، وأن يكتفي بطفل أو اثنين على الأكثر.

شكرت الدكتور مجدي بدران على سعة صدره، ونظرت إلى سعاد فوجدتها شاردة تنظر إلى لاشيئ، فبادرتها: "هل ضايقك حديث الأطباء؟.. أردت فقط نصيحتك بشكل علمي، وفي النهاية لك القرار"، ردت قائلة: "على العكس فقد لفت حديثهم انتباهي لأمور لم أفكر فيها من قبل".

تشوهات الطفل الرابع والخامس
حديث سعاد، أسعدني ووجدت فيه ملامح استجابة لنصائح الأطباء، فقلت في نفسي ألقي عليها الكارت الأخير، ليزداد اقتناعها ويكون مخططها لمستقبل أسرتها مبني على أساس صحيح.

اتصلت بالدكتور محمد سعيد استشاري الأطفال، وفتحت ميكروفون الهاتف مرة ثانية، وسألته نفس سؤالي للدكتور مجدي بدران بشأن مخاطر تعدد الولادات على الأطفال، فقال: "التشوهات الذهنية والعقلية وتشوهات الأعضاء الأساسية في الجسم، ناتج في معظم الحالات جراء كثرة الإنجاب، وهو أمر خطير يجب أن نضعه ضمن اهتماماتنا دائما"، مضيفا: "عندما يأتي طفل لي في العيادة ولديه مشاكل حركية أو تشوهات ذهنية، بالفحص في التاريخ العائلي أجده الطفل الرابع أو الخامس".

وتابع: "كثرة الإنجاب مشكلة خطيرة للغاية يجب التصدي لها من أجل هؤلاء الأطفال، فمعظم المصابين بالتوحد يكون هذا نتيجة تكرار الإنجاب وكثرة النسل، لأن الأم لا تستطيع أن تقدما لمولودها كافة العناصر الغذائية اللازمة للنمو، كما أنها لا تستطيع أن تجد المال لعلاجه بعد الولادة، لأن زيادة الإنجاب تؤثر سلبا على الأسرة من الناحية الاقتصادية أيضا"، لافتا إلى أن علاج تلك الأمراض يحتاج لكثير من الأموال.

أغلقت الهاتف فوجدت سعاد تنظر لي ضاحكة وهي تقول: "على أحمد أن يعيد تصحيح مسار أحلامه.. هم طفلين فقط سأنجبهم إن شاء الله بصحة".