كان صديقي أمجد يجلس على مكتبه، وهو ينظر إلى الهاتف الذي يصدر رنينًا عاليًا، دون أن يرد، وهنا اضطررت للتوجه إليه ووقفت أمام مكتبه وأنا أسأله: "لماذا لا ترد؟"؛ رفع عينه إلى وهو يقول: "إنها زوجتي، مؤكد تريد استكمال شجارنا الذي بدأته منذ الصباح بسبب حشرات المنزل."
لم أتمالك نفسي وضحكت بصوتٍ عالٍ، قبل أن أعتذر له، بأنني لم أقصد السخرية، وسألته: "وماذا تريد؟"، فقال: "تريد شركة لإبادة الحشرات المنزلية من تلك التي تعلن في الفضائيات، وهي شركات خدماتها باهظة الثمن، إضافة إلى أن تجارب بعض الأصدقاء معها لم تكن إيجابية كما كان متوقعًا لأن أغلبها غير مرخص".
نصحت صديقي بالحوار الهادئ مع زوجته والبحث عن بديل مناسب من خلال أحد المتخصصين في تداول المبيدات، وعدت للجلوس على مكتبي، وقد استرعى انتباهي بالفعل 
من خلال حديث أمجد، نشاط إعلانات شركات إبادة الحشرات والقوارض عن نفسها في القنوات التليفزيونية والسوشيال ميديا، منذ بداية الصيف، بل إن بعضها استعان بمشاهير المجتمع ونجوم الفن والكرة، للدعاية من أجلهم، وأبرزهم؛ نهال عنبر، باسم سمرة، وسلوى عثمان، ومنة عرفة، وعلاء مرسي، وأحمد فهيم، ومحمد نجاتي، ومروة عبد المنعم، ومن نجوم الكرة الكابتن عصام الحضري. وطرح تفكيري تساؤلات حول مَن المنوط به الرقابة على أداء تلك الشركات، وعلى المواد التي تستخدمها؟ وما مدى تأثيرها على الصحة العامة والبيئة؟ ومن المنوط بمحاسبتها عند المخالفة؟
 
إعلانات خادعة 
وبحسب الإعلانات المتداولة، فالشركات تتحدث عن قدرتها على إبادة الحشرات مهما كان نوعها ومكان انتشارها وأيضاً القوارض والزواحف، وأن الشركات معتمدة من منظمة الصحة العالمية، بل أن بعضها ذهب ليؤكد حصوله على الآيزو، كما تقدم ضمان 3 سنوات، ومتابعة مجانية بعد 21 يومًا، ثم كل 3 أشهر، وتتراوح التكلفة للوحدة السكنية المتوسطة، بين ألف و1200 جنيه.
" 1500شركة وكيان لإبادة الحشرات والقوارض غير مرخصة، أو غير مصرح لها بمزاولة المهنة، ولكنها تعمل في المجال، بلا ضوابط أو معايير، بما يعادل 10 أضعاف الشركات المرخصة في مصر" بحسب دكتور محمد النمس، أستاذ مكافحة الحشرات بكلية العلوم جامعة القاهرة، رئيس الجمعية المصرية للعاملين بمكافحة الحشرات.

مبيدات غير آمنة 
"90% من المبيدات في مصر تُصنّع في مصانع غير مرخصة" - الحديث مازال مع "النمس" – مؤكدًا أن المبيدات الخام يتم تهريبها إلى داخل مصر، ولا يوجد ضمان لأمانها، لأنها خارج السيطرة، مشددًا على خطورة استخدام هذه المبيدات على الصحة العامة للبشر والحيوانات الأليفة، فقد تصيبهم بأمراض خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة، كما تضر بالبيئة، وأشهرها محرم دوليا مثل "الدي دي تي" و "الدلدرن"، و"المبيدات الفوسفورية ومنها الملاثيون والدايزانون وكلوروبايروفوس".
وواصل "النمس" قوله: "يحضر المندوبون لرش المبيدات، دون توعية أو إطلاع العميل على التفاصيل، بل ينزعون ملصقات البيانات الإرشادية المطبوعة على عبوة المبيد، لتضليل العميل، وعدم إطلاعه على تفاصيل المواد المستخدمة، وبذلك تتحول الشركة إلى مجرم يستقطب ضحيته بمعلومات زائفة ومضللة، من أجل الربح فقط.



محظورات ومحاذير
"يحظر نهائيًا بقاء أي إنسان أو حيوان أليف في مكان المعالجة، خلال أول 6 ساعات، حيث يكون المبيد قد أثر على الحشرات وقضى عليها، وبعد ذلك يقوم العميل بالتنظيف الجيد للمكان قبل عودة الإقامة به" بحسب ما أوضح الدكتور محمد النمس، مختتمًا حديثه: "وبهذا يكون قد أزال أكثر من 90% من المبيد المستخدم في معالجة الحشرات في بيته، ولكن تبقى نسبة أقل من 10% من آثار المبيدات لها رائحة تمنع الحشرات من العودة لفترة طويلة".
"يتسم استخدام المبيدات للحشرات الزاحفة والطائرة،   بالسمية الشديدة للحشرات التي تستهدفها" هكذا أوضحت الدكتورة مايسة شوقي، النائب السابق لوزير الصحة، وأستاذ للصحة العامة والطب الوقائي بجامعة القاهرة، مؤكدة ضرورة الحذر من استخدام المبيدات الحشرية "وعلى من يقوم برش المبيدات أن يرتدي ملابس إضافية، وقفازات، ويغطي رأسه، ويتم ملاحظة الأعراض الجانبية سريعة الحدوث، ومن الأعراض نزول دموع كثيرة من العين، أو عدم القدرة على فتح العين نتيجة التهاب القرنية، وزيادة اللعاب والعرق، والكحة أو العطس، أو القيء، وصعوبة التنفس".

مبيدات بدون رائحة 
وأشارت "شوقي" إلى ضرورة ابتعاد السيدات الراغبات في الحمل عن مكان الرش، لأن المبيدات لها تأثير سلبي على تكوين الجنين، وتحدث تشوهات به، وتؤثر على مراحل النمو داخل الرحم، كما يجب الحرص على ابتعاد الأطفال عن مكان الرش، وكذلك كبار السن.
"المبيدات بدون رائحة لا تعني أنها أكثر أمانًا" كما أكدت الدكتورة مايسة شوقي، لذلك يجب ألا يسرف القائم بالتطهير في كميات الرش، وتطبق عليها نفس معايير الوقاية والمحظورات من التعرض المباشر لها، ومغادرة المنزل وقت التطهير لمدة 6 ساعات على الأقل، ثم يتم تهوية المنزل قبل عودة الأسرة بوقت كافي، وتنظيف كافة الأسطح، وتغيير الأغطية والملاءات وغيرها من على المفروشات، وكذلك ضرورة إبعاد كافة الأطعمة وأواني الطعام عن مكان الرش.
 
تراخيص الصحة 
"يتم استخراج تراخيص مزاولة أعمال مكافحة حشرات الصحة العامة لمدة عام، من مديرية الصحة المختصة، طبقًا للقرار الوزاري رقم 174 لسنة 1986" وفقًا للدكتورة أماني الحبشي، رئيس الإدارة المركزية لمكافحة ناقلات الأمراض بوزارة الصحة، على أن يكون ذلك بعد التحقق من توافر الاشتراطات المنصوص عليها، وأن عدد الشركات المرخصة العاملة في مجال مكافحة حشرات الصحة العامة عن عام 2023، بلغ 147 شركة، ويتم الرقابة على تلك الشركات طبقا لقرار وزير الصحة رقم 140 لسنة 2006، من خلال لجنة مشكلة بكل محافظة، تتكون من مدير إدارة ناقلات الأمراض بالمحافظة، وعضو من كل من شرطة المسطحات المائية، وصحة البيئة بالمديرية، وجهاز شئون البيئة.
 
مهام اللجنة المشتركة 
وتكون مهام الرقابة - والحديث مازال لـ "الحبشي" – منوطة باللجنة المختصة بالرقابة على المبيدات التي تستخدمها الشركات في مجال الصحة العامة، ومدى صلاحيتها، ومطابقتها لمواصفات منظمة الصحة العالمية من عدمه، من حيث التركيز الكيميائي ونسب الخلط، وكذلك الرقابة على المبيدات غير المستخدمة في مجال الصحة العامة، خاصة المبيدات الزراعية، وأيضًا المحظور تداولها واستخدامها، والتي تضر بصحة المواطن، وتؤدى إلى أخطار بيئية، مضيفة: "وتعني اللجنة الرقابية بمتابعة العبوات منتهية الصلاحية، وطرق التخلص الآمن منها، ومتابعة أعمال الترخيص، ويجوز بقرار يصدره مدير المديرية سحب الترخيص الصادر في حالة قيام المرخص له بمخالفة أحكام القرار".
واختتمت المسئولة بوزارة الصحة بمطالبة المواطنين بعدم التعامل مع أي شركات غير مرخصة، وضرورة الاطلاع على الترخيص قبل البدء في تنفيذ أي أعمال مكافحة، محذرة من الانسياق وراء الإعلانات التي يتم الترويج فيها إلى هذه الشركات، بطرق تخالف المعايير الدولية للمكافحة.