تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
أصبح الفضول جزءًا أصيلًا من حياتنا اليومية، نتتبع الأخبار، نقرأ ما بين السطور، نراقب تفاصيل من نعرف ومن لا نعرف، ونبرر كل ذلك بكلمة واحدة "مجرد فضول".
فما الذي يجعل الإنسان يستمتع باكتشاف ما لا يعنيه؟ ولماذا يشعر البعض بمتعة غامرة عند معرفة أسرار الآخرين؟ وهل يمكن أن تتحول متعة الفضول حين تتجاوز حدودها إلى مرض نفسي يحتاج إلى علاج؟
الفضول الايحابي
دراسة حديثة نشرت عام 2022 في مجلة Frontiers in Psychology، أكدت أن الفضول الإيجابي أثناء جائحة كورونا ساهم في تحسين الصحة النفسية وتقليل الشعور بالوحدة، إذ جعل الأفراد أكثر تفاعلاً وانفتاحًا على المعلومات بدل الاستسلام للقلق والعزلة.
لكن هناك وجه آخر لهذه المتعة، فقد كشفت دراسة حديثة أخرى أن الإنسان قد يختار أحيانًا مشاهدة مشاهد مؤلمة أو مثيرة للاشمئزاز فقط لإشباع فضوله، حتى لو كانت النتيجة شعورًا بالضيق، تلك الرغبة تعرف في علم النفس باسم "الفضول المرضي".
وأظهرت دراسة أُجريت عام 2024 أن الفضول يرتبط بنشاط صحي في مناطق معينة من الدماغ مسؤولة عن الانتباه والتخطيط، لكنه يتراجع عند الإرهاق الذهني أو الضغط العصبي، بمعنى آخر، الفضول يشبه الوقود يمنح الدماغ طاقة هائلة للتعلم، لكن الإفراط في استخدامه دون راحة قد يؤدي إلى إنهاك ذهني وفوضى معرفية.
إدمان الفضول
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور محمد القاضي، استشاري الأمراض النفسية أن الفضول ليس اضطرابًا مرضيًا بحد ذاته، فلا يمكن أن نقول عليه مرض نفسي إلا في بعض الحالات وبالأخص عندما يفقد الإنسان القدرة على ضبط نفسه أو التوقف عن اكتشاف أسرار غيره، لافتا إلى إن هناك ما يسمى بإدمان الفضول.
وتابع: إدمان الفضول يكون الإنسان غير قادر على التوقف عنه وعن حب الاستطلاع والمعرفة الذي يمثل بالنسبة له شعورًا بالسعادة والارتياح إذا تم، وهو أشبه بإدمان الإنترنت أو إدمان التسوق.
علامات إنذار
وهناك علامات إنذار تستدعي الانتباه، حسبما أكد د. القاضي، مثل الفضول الزائد والذي يتسبب في عدم الاهتمام بالحياة الأساسية للإنسان في المقابل الاهتمام المفرط في الاهتمام بحياة الغير، والتطفل المتكرر في حياة الآخرين بدافع "المعرفة"، والعلاج في مثل هذه الحالات لا يقوم على منع الفضول بقدر ما يقوم على توجيهه، بمعنى استخدام الفضول في التعلم والمعرفة.
مساحة فارغة
ومن جانبها تقول الدكتورة إيمان عبد الله، استشاري الصحة النفسية، أن الفضول في جوهره ليس صفة سلبية كما يعتقد البعض، بل هو في الأصل علامة على وجود احتياج نفسي داخلي.
فالإنسان الفضولي كما تقول هو شخص يحمل بداخله مساحة غير مشبعة، يسعى من خلالها عقله إلى سد هذا الفراغ بمحاولات متكررة للمعرفة أو الفهم، لافتة إلى أن العقل بطبيعته لا يقبل المساحات الفارغة، فيبدأ في إعادة التشغيل الذهني من خلال طرح الأسئلة والبحث الدائم عن إجابات.
الفضول الطبيعي
وتشير د. إيمان إلى أن الفضول يكون طبيعيًا وصحيًا عندما ينشأ في إطار التفاعل الاجتماعي الإيجابي، فطالما الإنسان يعيش داخل مجتمع ويتواصل مع الآخرين، فمن الطبيعي أن يسأل ويستفسر، لأن السؤال في حد ذاته وسيلة للتعلم والتقارب.
وتضيف: "حين يكون الفضول نابعًا من الرغبة في الفهم، أو من الاهتمام الحقيقي بالمعرفة، فهو في هذه الحالة فضول نافع، بل ومفيد جدًا لأنه يحفز على التعلم ويزيد من وعي الفرد بالعالم من حوله."
تآكل هوية الإنسان
لكن الخطر يبدأ حسبما أكدت د. إيمان عندما يتحول الفضول من وسيلة للفهم إلى غاية في حد ذاته، فعندما يستحوذ الفضول على كامل تفكير الشخص، ويصبح محور يومه وحديثه، يبدأ في سحب الطاقة من حياته الواقعية، وتصبح الحياة الحقيقية "فارغة"، لأن التركيز كله ينصب على الآخرين، بينما تتآكل هوية الإنسان نفسه من الداخل.
لذة اكتشاف أسرار الناس
وحذرت الاستشاري النفسي من لحظة التحول الأخطر، حين يبدأ الفرد في الشعور بالمتعة أثناء ممارسة الفضول، لا بدافع الفهم، بل بسبب لذة اكتشاف أسرار الناس وخفاياهم، وتوضح أن هذه اللذة رغم أنها تبدو في ظاهرها بسيطة إلا أنها علامة نفسية مقلقة، لأن الشخص حينها لا يبحث عن الحقيقة، بل عن إحساس بالانتصار أو التفوق بعد معرفة أسرار غيره.
وعندما يشعر بالسعادة الغامرة بعد اكتشاف ذلك السر، هنا يبدأ الفضول في اتخاذ شكل مرضي واضح، لافتة إلى أن بعض الأشخاص يوظفون كل طاقتهم الذهنية والعاطفية في البحث عن أسرار غيرهم، خاصة في زمن السوشيال ميديا.
فمجرد أن تصبح شخصية عامة "تريند"، ينشغل البعض في التنقيب عن ماضيها، والبحث في صورها القديمة، أو حياتها الخاصة، وكأنهم يسعون لتقليص صورتها أمام الآخرين.
وتصف الدكتورة هذا السلوك بأنه نوع من الإشباع المرضي للفضول، هدفه ليس المعرفة، بل السيطرة أو المقارنة أو تقليل شأن الآخر.
وتتابع موضحة أن الشعور بالفراغ أو الوحدة أو الملل قد يكون أحد أهم دوافع الفضول المفرط، فالإنسان الذي يعيش عزلة عاطفية أو يشعر بعدم التقدير، يحاول ملء هذا الفراغ بالتسلل إلى حياة الآخرين.
وإذا لم يجد تجاوبًا من الطرف الآخر، يبدأ في توليد مشاعر سلبية من الغضب أو الرفض، وكأنه يعتبر تجاهل الآخر دليلاً على أنه "غير محبوب" أو "غير مرغوب فيه".
أعراض مرضية
وترى د. إيمان أن الفضول يصبح حالة مرضية عندما يتحول إلى رغبة يومية ملحّة يصعب السيطرة عليها، أو عندما يسبب لصاحبه قلقًا وضيقًا أو تشتتًا ذهنيًا إذا لم يشبع، بل إن البعض قد يعاني من فقدان التركيز أو اضطراب النوم بسبب هذا الانشغال الدائم بحياة الآخرين.
وتربط د. إيمان بين هذا النمط من الفضول وبين عدد من الاضطرابات النفسية، مثل اضطراب الشعور بالنقص والمقارنة المستمرة بالآخرين، والفراغ العاطفي والوحدة المزمنة، والشك المرضي وفقدان السيطرة على الدوافع، إلى جانب بعض أنماط اضطرابات الشخصية التي تدفع أصحابها إلى مراقبة الآخرين بحثًا عن طمأنينة زائفة.
العلاج ضرورة
وتؤكد في ختام حديثها أن العلاج في هذه الحالات ضروري، خصوصًا عندما يعترف الشخص بأنه لا يستطيع التوقف عن هذا السلوك رغم وعيه بأضراره، فإذا فقد السيطرة على نفسه أو شعر بأن الفضول أصبح أقوى منه، يجب عليه التوجه فورًا إلى مختص نفسي.
فالعلاج هنا لا يهدف إلى "قتل الفضول"، بل إلى إعادة توجيهه نحو الذات، حتى يتحول من طاقة مهدرة في مراقبة الآخرين إلى طاقة إيجابية تدفع الإنسان لفهم نفسه وتطويرها.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية