تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
ملابس متسخة ومتقطعة، شعر منكوش، نظرات تائهة، مشهد مألوف في كثير من شوارع مصر؛ لرجل أو سيدة تجلس على الرصيف تتحدث مع نفسها أو تتجول بلا وجهة، تلك المأساة الصامتة التي اعتادها المارة قد تتفاقم اليوم.
في ظل ارتفاع تكاليف العلاج النفسي وتزايد الأعباء الاقتصادية، يبرز تساؤل خطير؛ هل سيؤدي القرار الأخير لوزير الصحة، بشأن تحمل المريض جزءاً أكبر من تكلفة العلاج داخل المستشفيات، إلى تفاقم الأزمة؟ وهل نحن مُقبلون على موجة جديدة من المرضى النفسيين والمُدمنين في الشوارع؟
تفتح هذه الأسئلة باب القلق حول ما إذا كان المجتمع المصري مهدداً بأن يصبح أكثر هشاشة، وهل يمكن أن يتحول الإهمال في ملف الصحة النفسية إلى قنبلة اجتماعية تهدد الأمن والنسيج الإنساني في البلاد، وتزيد من معدلات العنف أو الجريمة أو العزلة الاجتماعية.
في ظل ارتفاع تكاليف العلاج النفسي وتزايد الأعباء الاقتصادية، يبرز تساؤل خطير؛ هل سيؤدي القرار الأخير لوزير الصحة، بشأن تحمل المريض جزءاً أكبر من تكلفة العلاج داخل المستشفيات، إلى تفاقم الأزمة؟ وهل نحن مُقبلون على موجة جديدة من المرضى النفسيين والمُدمنين في الشوارع؟
تفتح هذه الأسئلة باب القلق حول ما إذا كان المجتمع المصري مهدداً بأن يصبح أكثر هشاشة، وهل يمكن أن يتحول الإهمال في ملف الصحة النفسية إلى قنبلة اجتماعية تهدد الأمن والنسيج الإنساني في البلاد، وتزيد من معدلات العنف أو الجريمة أو العزلة الاجتماعية.
زيادات غير إنسانية
القرار المثير للجدل هو اللائحة المالية والإدارية الموحدة الخاصة بصندوق تحسين الخدمة بمستشفيات الصحة النفسية ومراكز علاج الإدمان، والصادرة بقرار وزير الصحة رقم 220 لسنة 2025، والتي بدأ تطبيقها فعلياً مطلع أغسطس الماضي، اللائحة الجديدة تنتكس بحقوق المريض النفسي وتتناقض مع توجيهات الرئيس.
هذا ما أكده الدكتور أحمد حسين، مدير رعاية حقوق المرضى بالأمانة العامة للصحة النفسية سابقًا ومُنسق حملة " مصيرنا واحد"، إن اللائحة الجديدة رفعت تكاليف العلاج والإقامة داخل المستشفيات النفسية إلى مستويات غير مسبوقة، موضحًا أن المصروفات اليومية تتراوح بين 150 - 550 جنيهاً، لتصل شهرياً إلى ما بين 4500 - 16 ألف جنيه حسب درجة الإقامة، دون احتساب تكلفة الأدوية أو الفحوص الطبية.
وأكد أن هذه الزيادات تتجاوز قدرة أغلب المرضى وأسرهم على التحمل، لا سيما أن معظمهم غير مشمولين بأي تغطية تأمينية، كما أن قرارات العلاج على نفقة الدولة لا تُطبق داخل مستشفيات الصحة النفسية.
وحذر د. حسين من أن القرار سيدفع كثيراً من المرضى ومرضى الإدمان إلى العزوف عن تلقي العلاج أو الانقطاع عنه، واصفاً اللائحة بأنها تنتكس بحقوق المريض النفسي وتعيده إلى عصور التهميش والوصم، بما يحمله ذلك من مخاطر اجتماعية واقتصادية وأمنية تهدد استقرار المجتمع.
وأضاف د. حسين أن استمرار العمل بهذه السياسات سيؤدي إلى تفاقم الأزمة، في ظل ارتفاع نسبة الإدمان إلى نحو 3.1% من السكان، ومعاناة ربع المصريين من أعراض نفسية متفاوتة.
وأوضح أن الإهمال في إدارة هذا الملف قد يترتب عليه تزايد أعداد المرضى النفسيين المتشردين في الشوارع، وتراجع معدلات المتابعة والعلاج، إلى جانب اندماجهم في دوائر الفقر والعزلة الاجتماعية، كما قد يؤدي تفاقم الحالات غير المعالجة إلى سلوكيات عنيفة أو غير متوقعة، بما ينعكس على معدلات الجريمة والحوادث.
وأشار كذلك إلى أن تفاقم الأزمة سيؤدي إلى تزايد الوصم والخوف المجتمعي من المرضى النفسيين، مما يُضعف قيم التكافل ويهدد تماسك النسيج الاجتماعي، فضلاً عن زيادة الضغط على الأجهزة الأمنية والاجتماعية للتعامل مع حالات تتطلب رعاية طبية وليست تدخُّلات شرطية.
وحذر من أن هذه السياسات تُكرس لواقع خطير، تتحول فيه الصحة النفسية إلى خدمة لمن يستطيع الدفع فقط، لتبقى الفئات الأضعف خارج مظلة الرعاية.
باختصار، كما يقول د. حسين، إذا لم تُدار الأزمة بشكل إنساني وعادل، فستتحول ظاهرة المرضى النفسيين في الشوارع من مشهد مألوف إلى أزمة متفاقمة تهدد استقرار المجتمع المصري كله.
قنبلة اجتماعية تهدد الأسر المصرية
حذر الدكتور مصطفى شحاتة، استشاري الطب النفسي، من التداعيات الخطيرة لقرار رفع أسعار الخدمات العلاجية والفندقية في مستشفيات الصحة النفسية، مؤكدًا أن هذا القرار يضر بلا شك بقطاع كبير من المجتمع المصري، ويؤدي إلى نتائج كارثية على الأسر التي يعاني بعض أفرادها من اضطرابات نفسية.
وقال د. شحاتة، إن زيادة أسعار الخدمات تأتي في وقت تشهد فيه البلاد ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار الأدوية، لا سيما الأدوية النفسية، ما يجعل عبء العلاج مُضاعفاً على المرضى وأسرهم، ويزيد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية عليهم، وأشار إلى أن تلك الأعباء قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات العنف والجريمة والانتحار داخل المجتمع المصري، في ظل غياب القدرة على الوصول إلى العلاج النفسي الملائم.
وأضاف أن الخدمات التي تقدمها مستشفيات الصحة النفسية الحكومية، وفي مقدمتها مستشفى العباسية للصحة النفسية، تمثل طوق نجاة لآلاف المرضى يوميًا، وأوضح أن العيادة الخارجية بالمستشفى تستقبل أكثر من ألف مريض يوميًا، من بينهم مرضى نفسيون، ومدمنو مواد مخدرة، وأطفال، ومراهقون، وكبار السن، ومرضى الشيخوخة، ويحصل هؤلاء على العلاج الدوائي والنفسي المناسب مقابل رسوم رمزية.
لكن بعد تطبيق التسعيرة الجديدة للخدمات الطبية النفسية، بحسب د. شحاتة، أصبح كثير من المرضى وأسرهم غير قادرين على الوفاء بتكاليف العلاج، وهو ما ينذر بكارثة مجتمعية حقيقية تمس تماسك الأسرة المصرية وترابطها وتكافلها الاجتماعي.
وضرب مثالًا بأن سعر تذكرة الكشف الذي كان يُقدر بجنيه واحد فقط، ارتفع إلى 10 - 20 جنيهاً، دون أن يشمل قيمة العلاج أو أي خدمات إضافية، أما أسعار الإقامة والتنويم بالمستشفيات النفسية فقد شهدت قفزة هائلة، من 150 جنيهاً شهرياً إلى نحو 3500 جنيه، وهو ما يفوق قدرة معظم الأسر المصرية التي تعاني بالفعل من ضغوط اقتصادية متزايدة.
وأكد د. شحاتة أن هذه الزيادات ستدفع العديد من المرضى النفسيين، الذين يواجهون في الأصل رفضًا مجتمعيًا وأسريًا إلى الانقطاع عن العلاج أو ترك المستشفيات، ما يعني عودة كثير منهم إلى الشوارع بلا مأوى أو رعاية، لتتحول الأزمة من مشكلة صحية إلى كارثة اجتماعية وأمنية.
واختتم حديثه محذرًا من أن «إهمال ملف الصحة النفسية في هذا التوقيت سيجعل المجتمع المصري أكثر هشاشة، ويهدد نسيجه الإنساني القائم على التكافل والتراحم، لأن المريض النفسي إذا تُرك بلا علاج، فلن يكون الخطر عليه وحده، بل على الجميع».
لا مساس بالخدمات المجانية
ومن جهة أخرى أكد الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان، أن قرار تعديل أسعار خدمات العلاج داخل مستشفيات الصحة النفسية دخل حيز التنفيذ رسميًا منذ الأول من أغسطس الماضي، في جميع المستشفيات التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية بوزارة الصحة.
وأوضح د. عبد الغفار، أن القرار لا يقتصر على المرضى الجدد فقط، بل يشمل أيضًا المرضى المقيمين بالفعل داخل المستشفيات، حيث تتم محاسبتهم وفق الأسعار الجديدة الصادرة بقرار وزير الصحة، مشيرًا إلى أن الهدف من القرار هو تحسين جودة الخدمات واستدامتها دون المساس بحقوق المرضى غير القادرين، فهذا القرار يخص القسم الاقتصادي فقط، والذي يمثل نحو 30% من إجمالي المرضى، بينما لا يطبق على القسم المجاني الذي يخدم النسبة الأكبر من المرضى وتصل إلى 70%، مؤكدًا أن الخدمات المجانية مستمرة كما هي دون أي تغيير.
كما أشار د. عبد الغفار إلى تشكيل لجان متخصصة من وزارة التضامن الاجتماعي لبحث أوضاع المرضى غير القادرين، موضحًا أنه سيتم إعفاء نحو 25% من المرضى من دفع أي رسوم، وفقًا لمعايير محددة، من بينها أن يكون أحد الأبوين من ذوي الإعاقة أو أن تكون الأسرة مشمولة ببرامج الدعم مثل «تكافل وكرامة».
مضيفاً أن الوزارة تدرس أيضًا توسيع نطاق العلاج على نفقة الدولة للمرضى النفسيين المحجوزين بالمستشفيات، لضمان استمرار حصول الفئات غير القادرة على العلاج المجاني والرعاية الكاملة دون انقطاع، مؤكدًا أن اللجان الطبية والأخصائيين سيقومون بتقييم الحالات وتحديد مدى الحاجة إلى البقاء بالمستشفى أو إمكانية خروجها مع المتابعة الخارجية.
وختم د.عبد الغفار تصريحه بالتأكيد على أن الدولة ملتزمة بتقديم خدمات الصحة النفسية كحق أساسي للمواطنين، وأن رفع الأسعار في القسم الاقتصادي لا يعني تقليص الدعم، بل يهدف إلى تحسين بيئة العمل وجودة الخدمة دون تحميل غير القادرين أي أعباء مالية إضافية.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية