تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
في السنوات الأخيرة، شهدت الصيدليات المصرية ارتفاعًا ملحوظًا في صرف الأدوية المهدئة والمنوّمة، خصوصًا بين فئتين بارزتين؛ الأمهات اللاتي يعانين من ضغوط الحياة اليومية، والشباب الباحثين عن مخرج مؤقت من القلق والتوتر، وبينما يرى البعض في هذه الأدوية وسيلة "سريعة" للهروب من الأرق أو القلق، يحذر الأطباء من أنها قد تكون بداية طريق خطير نحو الاعتماد النفسي والجسدي، وربما الإدمان الكامل.
يقول الدكتور أحمد حسين، استشاري الطب النفسي بمستشفى العباسية للصحة النفسية، إن "استخدام المهدئات والمنومات خارج الإشراف الطبي أصبح ظاهرة مقلقة"، مشيرًا إلى أن نسبة من المرضى الذين يراجعون العيادات النفسية حاليًا بدأوا رحلتهم مع هذه الأدوية بسبب ضغوط أسرية أو مهنية أو مشاكل نوم بسيطة.
ويضيف: "المشكلة أن كثيرين لا يدركون أن هذه الأدوية ليست وسيلة علاج دائم، بل تُستخدم لفترات محدودة وبجرعات مضبوطة، استخدامها المستمر يسبب اعتمادًا نفسيًا، وقد يؤدي إلى أعراض انسحابيه خطيرة عند التوقف المفاجئ.
الأمهات بين ضغوط الحياة والمهدئات
من جهتها، ترى الدكتورة نهى السعيد، استشاري الطب النفسي، أن النساء، وخاصة الأمهات، يمثلن شريحة متزايدة في قائمة من يتناولن المهدئات والمنومات، وتوضح أن كثير من الأمهات يعانين من توتر مستمر بسبب مسئوليات المنزل والأبناء والعمل، ومع قلة الدعم النفسي والاجتماعي، تلجأ بعضهن إلى المهدئات كحل مؤقت، تبدأ الجرعة بقرص واحد قبل النوم، ثم تتطور مع الوقت لتصبح عادة يصعب التخلص منها.
تحذر د. السعيد من أن المهدئات مثل البنزوديازيبينات (كالزاناكس والفاليوم) أو المنومات (كالزولبيديم) قد تسبب خللاً في كيمياء المخ إذا تم تناولها دون إشراف طبي، كما أنها تؤدي إلى فقدان التركيز والذاكرة قصيرة المدى، فضلًا عن الشعور بالنعاس الدائم والكسل خلال النهار.
وتشير إلى أن بعض السيدات لا يُصرحن باستخدام هذه الأدوية حتى لأزواجهن أو أطبائهن، ما يجعل اكتشاف المشكلة متأخرًا، فنرى حالات تصل إلينا بعد أشهر من الاستخدام، تكون فيها المريضة غير قادرة على النوم أو الاسترخاء دون الحبوب.
راحة مؤقتة
أما فئة الشباب، فقد بدأت أيضًا في استخدام هذه الأدوية بطرق خاطئة، كما يؤكد الدكتور محمود عبد الرازق، استشاري الطب النفسي والإدمان، موضحًا أن المهدئات والمنومات أصبحت ضمن قائمة العقاقير التي يُساء استخدامها بين بعض طلاب الجامعات والشباب العاملين، خصوصًا من يعانون من ضغوط امتحانات أو أعباء مهنية أو علاقات اجتماعية مضطربة.
ويقول د. عبد الرازق، تصلنا حالات كثيرة من شباب بدأوا بتجربة حبوب منومة 'ليلة الامتحان' أو بعد نوبات أرق بسبب القلق، ثم وجدوا أنفسهم بعد أسابيع لا يستطيعون النوم بدونها، البعض يخلطها مع الكحول أو مشروبات الطاقة، مما يضاعف خطورتها وقد يؤدي إلى توقف التنفس أثناء النوم أو غيبوبة.
ويرى أن غياب الوعي الصحي والرقابة الصيدلانية الصارمة يسهمان في تفاقم المشكلة، مضيفًا: "رغم أن هذه الأدوية تُصرف بوصفة طبية فقط، فإن بعض الصيدليات تبيعها بسهولة، خاصة في المناطق الشعبية أو عبر وسطاء على الإنترنت."
مضاعفات قاتلة
يحذر الدكتور محمود حبيب، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، من الانتشار الواسع لاستخدام المهدئات والمنوّمات بين الأمهات والشباب، مؤكدًا أنها تؤثر بشكل مباشر على المخ وتؤدي إلى الاعتماد النفسي والجسدي الذي قد يتطور إلى الإدمان الكامل.
ويضيف من أخطر ما تسببه هذه الأدوية هو تأثيرها على الذاكرة والتركيز، خاصة في ساعات الصباح الأولى، إذ يعاني كثير من متناوليها من ضعف التركيز والنعاس أثناء القيادة أو أداء الأعمال اليومية، مما يزيد من احتمالية حدوث الحوادث والإصابات.
وأوضح د. حبيب أن التوقف المفاجئ عن استخدام المهدئات والمنومات قد يسبب أعراضًا خطيرة تصل إلى التشنجات العصبية، محذرًا من التعامل معها باستهتار، وقال: "هذه الأدوية لا تضر المخ فقط، بل تمتد تأثيراتها لتشمل الكبد والكلى، خصوصًا عند استخدامها لفترات طويلة أو بجرعات غير مضبوطة."
وأشار إلى أن تناولها مع أدوية أخرى أو أي نوع من المخدرات قد يؤدي إلى تسمم دوائي حاد أو الوفاة نتيجة الجرعة الزائدة (Overdose)، موضحًا أن ذلك يحدث في بعض الحالات دون وعي المريض بخطورة التفاعل بين الأدوية.
وشدد على ضرورة أن يكون وصف المهدئات أو المنومات تحت إشراف طبيب متخصص فقط، مؤكدًا أن التوقف عنها يجب أن يتم تدريجيًا وبإشراف مباشر من الطبيب النفسي أو طبيب المخ والأعصاب. وأضاف للأسف، نلاحظ أن بعض الأطباء من تخصصات أخرى مثل الباطنة أو القلب يصفون المهدئات دون إدراك كافٍ لتأثيراتها العصبية، وهو أمر شديد الخطورة.
أضرار جسدية ونفسية متراكمة
تتعدد أضرار المهدئات والمنومات عند استخدامها لفترات طويلة أو بجرعات عالية، وتشمل - بحسب الأطباء، هبوط ضغط الدم، ضعف الذاكرة والتركيز، اضطرابات التنفس أثناء النوم، الاعتماد النفسي، وزيادة خطر الاكتئاب، كما أن التوقف المفاجئ عنها قد يؤدي إلى نوبات قلق حادة، رعشة، صداع، أو حتى تشنجات عصبية.
ويحذر الدكتور أحمد حسين من أن الاستخدام العشوائي يجعل الشخص عالقًا في "حلقة مفرغة"، فالحبوب تمنح راحة مؤقتة، لكنها لا تعالج السبب الحقيقي للأرق أو القلق، بعد فترة، يحتاج الشخص لجرعة أكبر لتحقيق نفس التأثير، فيتحول الاعتماد النفسي إلى جسدي.
التوعية هي الحل والبدائل الآمنة متاحة
تُشدد الدكتورة نهى السعيد على أهمية التوعية المجتمعية ومتابعة الأمهات والشباب نفسيًا قبل اللجوء للأدوية: "بدلًا من أن تكون الحبوب وسيلة للهروب، يجب تعزيز مهارات التكيف مع الضغوط، مثل ممارسة الرياضة أو التأمل أو طلب المساعدة النفسية، الطبيب هو الوحيد الذي يقرر متى يحتاج المريض لمهدئ أو منوم، وبأي جرعة ولمدة كم.
كما دعت إلى حملات إعلامية لتوضيح مخاطر الاعتماد على الأدوية النفسية دون وصفة، وتفعيل الرقابة على بيعها في الصيدليات.
يوصي الأطباء بعدة بدائل غير دوائية لعلاج الأرق والقلق، أبرزها العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، الذي يهدف إلى تغيير الأفكار السلبية المرتبطة بالنوم أو القلق، إضافة إلى تنظيم مواعيد النوم، تقليل الكافيين، ممارسة النشاط البدني، والابتعاد عن الشاشات قبل النوم.
ويختتم الدكتور محمود عبد الرازق حديثه قائلاً: "الأدوية المهدئة والمنومة ليست عدوًا بحد ذاتها، لكنها أداة يجب استخدامها بحذر وتحت إشراف طبي دقيق، المشكلة ليست في الدواء، بل في الاعتماد عليه كوسيلة سهلة للهروب من الواقع، الراحة الحقيقية لا تأتي من قرص دواء، بل من مواجهة الأسباب الحقيقية للتوتر والقلق.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية