تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
في فبراير 1932 عثر عالم الآثار المصري الكبير الدكتور سليم حسن، على مقبرتين أثريتين، وصفهما بعظيمتي الأهمية من الوجهة الأثرية، إحداهما يرجع تاريخها إلى نحو خمسة آلاف سنة، وهي لغلام في الثانية عشرة من عمره من أسرة الأمير "كاي" حاكم العاصمة وابن منقرع، وثانيهما لشخص يُدعى "سشمو" وهو من الأسرة الخامسة التي يرجع تاريخها إلى 4800 سنة.
ويعد سليم حسن، ابن محافظة الدقهلية، عميد الأثريين المصريين، ولد سنة 1893 وتوفي عام 1961 بعد تاريخ عامر بالعطاء في مجال التنقيب عن الآثار المصرية.
مجلة "الهلال" أجرت معه حوارًا صحفيًا معه بهذه المناسبة، ونشر في عددها الخامس بتاريخ الأول من مارس عام 1932، وكان عنوان الحوار "برنامجي في الاكتشاف.. التخمين أم المصادفة، أم اليقين؟"
موقع "سبوت" يعيد نشر الحوار بعد أكثر من تسعين عامًا على نشره أول مرة، بمناسبة مرور 63 عامًا على وفاته في 30 سبتمبر 1961، وقد أخضع الزميل ياسر علي الحوار لمعالجة صحفية خفيفة لتكثيف عدد الكلمات دون الإخلال بمعنى أو مضمون الحوار الأصلي.
- ما البرنامج الذي وضعتموه لاكتشافاتكم، وما الأساس الذي بنيتم عليه هذا البرنامج: وهل هو التخمين أو المصادفة أو اليقين؟
بدأت برنامجي بالطريق الموصل بين معبد خفرع وهرمه، وهذا الطريق يكاد يكون أهم شارع في منطقة أهرام الجيزة، ويقوم معبد خفرع على شمال السائر فيه، وبجوار هذا المعبد مقبرة زوجة خفرع وام منقرع، ولما كان هذا الطريق هو أهم شارع في تلك المنطقة، وكان هذا المعبد أول شيء يوجد على شماله، وكانت هذه المقبرة بجواره، فلا بد أن يكون الذي يليها مقبرة كبيرة. لذلك توجه فكرى إلى الحفر بجوار هذه المقبرة ففي أول يوم بدأت فيه الحفر ظهرت مقبرة (رع ور). ثم اتضح أنها أكبر مقبرة في الدولة القديمة، وأن نظامها مخالف لأنظمة المقابر الأخرى. وأنّ صاحبها - على ما ظهر - هو الكاهن الأكبر للوجهين القبلي والبحري، وهو أول شخص اكتشف له مائة وعشرون تمثالًا، وخمسون سرداباً.
فالمسألة إذن ليست مسألة تخمين أو مصادقة، بل هي مسألة يقينية مبنية على المعلومات الصحيحة التي تتعلق بالمكان الذي نقوم فيه بالحفر والتنقيب، وكان من الضروري - ونحن ننقب في منطقة كمنطقة أهرام الجيزة - أن نعثر فيها على مخلفات لعظماء الدولة القديمة.
- وهل يمكننا أن نعرف الطريقة العلمية التي تسيرون عليها في هذا الاكتشاف؟
طريقتي غايتها أن أصل إلى الشيء من أساسه بأن أقوم بتنظيف كل شيء، وهذا التنظيف على ثلاثة أدوار: تزال في الدور الأول منها طبقة الرمل العليا، ثم تزال طبقة الأحجار الصغيرة التي تحتها، فإذا أزيلت هاتان الطبقتان ظهرت طبقة المباني القديمة، فنقوم بتنظيفها وتنقيتها، وهذه المباني تكون في العادة مبنية من الأحجار أو من الآجر أو منحوتة في الصخر، فاذا انكشف كل شيء ووصلت إلى حجرة الدفن استعنت ببعض المهندسين والنقاشين والفوتوغرافيين لأخذ جميع الرسوم والصور اللازمة التي تحفظ لنا الأوضاع الأصلية لهذه المكتشفات.
- ما هي الأماكن الأثرية التي تعتقدون أن بها مخلفات فرعونية؟
فيما يختص بمنطقة أهرام الجيزة فإنها "جبانة" يغلب فيها وجود مقابر عظماء الأسرتين الرابعة والخامسة، ومعظم المدفونين بها كانوا في خدمة الملوك، فمثلًا، "رع ور"، كان في عصر ثالث ملوك الأسرة الخامسة، دفن في جبانة أهرام الجيزة، وقد اختير له هذا المكان لأنه جبلي مرتفع، وكان من عادة قدماء المصريين أن يدفنوا موتاهم في الأماكن الجبلية البعيدة عن المياه، أما فيما يختص بالمناطق الأخرى فعندنا منطقة سقارة، وهي منطقة تعد أغنى المناطق الأثرية في العالم، وتوجد مناطق أخرى غير منطقة سقارة، وهي في الجهات الجبلية الموجودة على الضفة الغربية للنيل، ومنها جهات: أسيوط، وبني حسن، ودهشور، ووادي الملوك.
- وهل تمكن معرفة نسبة الآثار التي اكتشفت إلى ما لم يكتشف؟
يكاد يكون ما اكتشف من الآثار المصرية القديمة حتى الآن نحو النصف، بل ربما كان ما لم يكتشف أكثر من النصف، وهذا ما يجب أن يحفز الهمم إلى الاجتهاد في اكتشاف هذه الآثار التي ما تزال مطمورة تحت الرمال، وما يزال تاريخها وتاريخ كثير من أصحابها غير معروف، وحبذا لو استوعبت الاكتشافات الفرعونية جميع الأماكن الأثرية الموجودة بمصر، إذن لصححنا كثيراً من الاغلاط التاريخية، ولوقفنا على ما نجهله من تاريخ قدماء المصريين,
- اقترح بعضهم بيع الآثار المصرية، والانتفاع بأموالها في تخفيف الأزمة المالية وتنفيذ بعض المشروعات العصرية، فما هو رأيكم؟
قال (وقد ظهرت عليه علائم الاستغراب): إنني اعتقد أن الشخص الذي ليس له ماضٍ لا يستحق أن يكون له حاضر، والشخص الذي يريد بيع ماضيه ونسيانه والتخلص منه لا يكون مثله إلا كمثل الذي يجهل أباه ولا يدرى من أين أتت به أمه، فنحن إذا بعنا آثار أجدادنا، فإنما نكون كأحد هذين الشخصين، ولجنينا على الأجيال القادمة، فهؤلاء الأبناء سيحرمون من كل فائدة أدبية ومادية تعود عليهم من هذه الآثار. وأنا أصرّح لك أن أهم باعث دفعني إلى القيام بهذه الاكتشافات التي أمارسها الآن هو رؤيتي للآثار المصرية، وشدّة اتصالي بها، فهي عندي أحب من أن أعرف هل نفذت موارد الثروة عندنا. وكأن صاحب الاقتراح يعتقد أن وفرة المال هي كل شيء لارتقاء الأمة إذا هي فقدت الروح الأدبية ونسيت أنها أمّة جديرة بالرقي.
- وهل تدعون إلى الاكتتاب لاكتشاف ما بقي من الآثار المصرية؟
من الغريب أن أول من اهتم بهذا الموضوع هم الأجانب، وكانت أول جمعية قامت لهذا الغرض هي "جمعية البحث عن الآثار المصرية"، بإنجلترا وقد اكتتب فيها كثير من العلماء والأغنياء الإنجليز، وامتد اكتتابها في بعض الأحيان إلى أمريكا وكان كل مكتتب يأخذ على قدر ما يدفعه. ولما حظرت مصر خروج الآثار من بلادها كان بعض الأجانب يتطوع للبحوث الأثرية بما يقدر عليه من المال دون أن يأخذ شيئا، وكل الحفائر التي قامت بها البعثات الألمانية استمدت نفقاتها من الاكتتابات، وكذلك الشأن في الحفائر التي قامت بها البعثات الأميركية، فإذا كان هذا هو شأن الأجانب وهم غرباء عن المصريين الأقدمين، أفلم يكن من واجب المصريين الذين هم ورثة الفراعنة أن يكتتبوا للحفر عن آثار أجدادهم، ولا سيما بعد ما وجد فيهم من يستطيعون أن يقوموا بهذا العمل، حبذا لو وجد أربعون غنياً من أغنيائنا يكتتب كل واحد منهم لهذا العمل بمائة جنيه، إذن لتكون عندنا أربعة آلاف جنيه، وهذا المبلغ إذا أعطى لثقة من الثقات لاستطاع أن يكتشف في منطقة أهرام الجيزة أو سقارة أو دهشور ما يساوي أضعاف أضعاف هذا المبلغ.
ويعد سليم حسن، ابن محافظة الدقهلية، عميد الأثريين المصريين، ولد سنة 1893 وتوفي عام 1961 بعد تاريخ عامر بالعطاء في مجال التنقيب عن الآثار المصرية.
مجلة "الهلال" أجرت معه حوارًا صحفيًا معه بهذه المناسبة، ونشر في عددها الخامس بتاريخ الأول من مارس عام 1932، وكان عنوان الحوار "برنامجي في الاكتشاف.. التخمين أم المصادفة، أم اليقين؟"
موقع "سبوت" يعيد نشر الحوار بعد أكثر من تسعين عامًا على نشره أول مرة، بمناسبة مرور 63 عامًا على وفاته في 30 سبتمبر 1961، وقد أخضع الزميل ياسر علي الحوار لمعالجة صحفية خفيفة لتكثيف عدد الكلمات دون الإخلال بمعنى أو مضمون الحوار الأصلي.
- ما البرنامج الذي وضعتموه لاكتشافاتكم، وما الأساس الذي بنيتم عليه هذا البرنامج: وهل هو التخمين أو المصادفة أو اليقين؟
بدأت برنامجي بالطريق الموصل بين معبد خفرع وهرمه، وهذا الطريق يكاد يكون أهم شارع في منطقة أهرام الجيزة، ويقوم معبد خفرع على شمال السائر فيه، وبجوار هذا المعبد مقبرة زوجة خفرع وام منقرع، ولما كان هذا الطريق هو أهم شارع في تلك المنطقة، وكان هذا المعبد أول شيء يوجد على شماله، وكانت هذه المقبرة بجواره، فلا بد أن يكون الذي يليها مقبرة كبيرة. لذلك توجه فكرى إلى الحفر بجوار هذه المقبرة ففي أول يوم بدأت فيه الحفر ظهرت مقبرة (رع ور). ثم اتضح أنها أكبر مقبرة في الدولة القديمة، وأن نظامها مخالف لأنظمة المقابر الأخرى. وأنّ صاحبها - على ما ظهر - هو الكاهن الأكبر للوجهين القبلي والبحري، وهو أول شخص اكتشف له مائة وعشرون تمثالًا، وخمسون سرداباً.
فالمسألة إذن ليست مسألة تخمين أو مصادقة، بل هي مسألة يقينية مبنية على المعلومات الصحيحة التي تتعلق بالمكان الذي نقوم فيه بالحفر والتنقيب، وكان من الضروري - ونحن ننقب في منطقة كمنطقة أهرام الجيزة - أن نعثر فيها على مخلفات لعظماء الدولة القديمة.
- وهل يمكننا أن نعرف الطريقة العلمية التي تسيرون عليها في هذا الاكتشاف؟
طريقتي غايتها أن أصل إلى الشيء من أساسه بأن أقوم بتنظيف كل شيء، وهذا التنظيف على ثلاثة أدوار: تزال في الدور الأول منها طبقة الرمل العليا، ثم تزال طبقة الأحجار الصغيرة التي تحتها، فإذا أزيلت هاتان الطبقتان ظهرت طبقة المباني القديمة، فنقوم بتنظيفها وتنقيتها، وهذه المباني تكون في العادة مبنية من الأحجار أو من الآجر أو منحوتة في الصخر، فاذا انكشف كل شيء ووصلت إلى حجرة الدفن استعنت ببعض المهندسين والنقاشين والفوتوغرافيين لأخذ جميع الرسوم والصور اللازمة التي تحفظ لنا الأوضاع الأصلية لهذه المكتشفات.
- ما هي الأماكن الأثرية التي تعتقدون أن بها مخلفات فرعونية؟
فيما يختص بمنطقة أهرام الجيزة فإنها "جبانة" يغلب فيها وجود مقابر عظماء الأسرتين الرابعة والخامسة، ومعظم المدفونين بها كانوا في خدمة الملوك، فمثلًا، "رع ور"، كان في عصر ثالث ملوك الأسرة الخامسة، دفن في جبانة أهرام الجيزة، وقد اختير له هذا المكان لأنه جبلي مرتفع، وكان من عادة قدماء المصريين أن يدفنوا موتاهم في الأماكن الجبلية البعيدة عن المياه، أما فيما يختص بالمناطق الأخرى فعندنا منطقة سقارة، وهي منطقة تعد أغنى المناطق الأثرية في العالم، وتوجد مناطق أخرى غير منطقة سقارة، وهي في الجهات الجبلية الموجودة على الضفة الغربية للنيل، ومنها جهات: أسيوط، وبني حسن، ودهشور، ووادي الملوك.
- وهل تمكن معرفة نسبة الآثار التي اكتشفت إلى ما لم يكتشف؟
يكاد يكون ما اكتشف من الآثار المصرية القديمة حتى الآن نحو النصف، بل ربما كان ما لم يكتشف أكثر من النصف، وهذا ما يجب أن يحفز الهمم إلى الاجتهاد في اكتشاف هذه الآثار التي ما تزال مطمورة تحت الرمال، وما يزال تاريخها وتاريخ كثير من أصحابها غير معروف، وحبذا لو استوعبت الاكتشافات الفرعونية جميع الأماكن الأثرية الموجودة بمصر، إذن لصححنا كثيراً من الاغلاط التاريخية، ولوقفنا على ما نجهله من تاريخ قدماء المصريين,
- اقترح بعضهم بيع الآثار المصرية، والانتفاع بأموالها في تخفيف الأزمة المالية وتنفيذ بعض المشروعات العصرية، فما هو رأيكم؟
قال (وقد ظهرت عليه علائم الاستغراب): إنني اعتقد أن الشخص الذي ليس له ماضٍ لا يستحق أن يكون له حاضر، والشخص الذي يريد بيع ماضيه ونسيانه والتخلص منه لا يكون مثله إلا كمثل الذي يجهل أباه ولا يدرى من أين أتت به أمه، فنحن إذا بعنا آثار أجدادنا، فإنما نكون كأحد هذين الشخصين، ولجنينا على الأجيال القادمة، فهؤلاء الأبناء سيحرمون من كل فائدة أدبية ومادية تعود عليهم من هذه الآثار. وأنا أصرّح لك أن أهم باعث دفعني إلى القيام بهذه الاكتشافات التي أمارسها الآن هو رؤيتي للآثار المصرية، وشدّة اتصالي بها، فهي عندي أحب من أن أعرف هل نفذت موارد الثروة عندنا. وكأن صاحب الاقتراح يعتقد أن وفرة المال هي كل شيء لارتقاء الأمة إذا هي فقدت الروح الأدبية ونسيت أنها أمّة جديرة بالرقي.
- وهل تدعون إلى الاكتتاب لاكتشاف ما بقي من الآثار المصرية؟
من الغريب أن أول من اهتم بهذا الموضوع هم الأجانب، وكانت أول جمعية قامت لهذا الغرض هي "جمعية البحث عن الآثار المصرية"، بإنجلترا وقد اكتتب فيها كثير من العلماء والأغنياء الإنجليز، وامتد اكتتابها في بعض الأحيان إلى أمريكا وكان كل مكتتب يأخذ على قدر ما يدفعه. ولما حظرت مصر خروج الآثار من بلادها كان بعض الأجانب يتطوع للبحوث الأثرية بما يقدر عليه من المال دون أن يأخذ شيئا، وكل الحفائر التي قامت بها البعثات الألمانية استمدت نفقاتها من الاكتتابات، وكذلك الشأن في الحفائر التي قامت بها البعثات الأميركية، فإذا كان هذا هو شأن الأجانب وهم غرباء عن المصريين الأقدمين، أفلم يكن من واجب المصريين الذين هم ورثة الفراعنة أن يكتتبوا للحفر عن آثار أجدادهم، ولا سيما بعد ما وجد فيهم من يستطيعون أن يقوموا بهذا العمل، حبذا لو وجد أربعون غنياً من أغنيائنا يكتتب كل واحد منهم لهذا العمل بمائة جنيه، إذن لتكون عندنا أربعة آلاف جنيه، وهذا المبلغ إذا أعطى لثقة من الثقات لاستطاع أن يكتشف في منطقة أهرام الجيزة أو سقارة أو دهشور ما يساوي أضعاف أضعاف هذا المبلغ.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية