اليونسكو تُعلن النجم
في خطوةٍ استراتيجية نحو تعزيز مكانتها على خريطة الإبداع، اختارت منظمة اليونسكو محافظة الجيزة لتكون ضمن شبكتها للمدن الإبداعية لعام 2025 في مجال السينما.

وبحسب محافظة الجيزة، تضم شبكة اليونسكو أكثر من 350 مدينة من مختلف أنحاء العالم، مما يجعل هذا الاختيار خطوةً مهمة تفتح آفاقًا جديدة للتعاون الدولي في مجالات الإنتاج السينمائي، والتبادل الثقافي، وتطوير الكوادر الشابة في الفنون البصرية والإعلامية.

ورغم أن الجيزة ليست المحافظة المصرية الأولى في هذه الشبكة – إذ سبقتها أسوان والقاهرة في مجال الحرف والفنون الشعبية – فإنها تُعد أول مدينة مصرية تنضم في مجال الفيلم، لتنال لقب المدينة المصرية الأولى من نوعها في هذا المجال الإبداعي.

السينما تحت ظلال الأهرامات
وفقًا لمحافظة الجيزة، تمتلك المحافظة مقومات فريدة أهّلتها لهذا التتويج، أبرزها؛ مواقع تصوير طبيعية وتاريخية، حيث تحتضن الجيزة أهراماتها الشهيرة، إحدى عجائب الدنيا السبع وأهم مواقع التراث الإنساني العالمي، إلى جانب مناطق أثرية أخرى ذات جاذبية كبيرة لتصوير الأعمال الروائية والتسجيلية العالمية.

الريادة التاريخية والمؤسسات
وتتمتع الجيزة بريادةٍ تاريخية في مجال السينما والإنتاج الفني، حيث تضم مؤسساتٍ مهمة مثل المركز القومي للسينما ومدينة السينما واستوديوهات الأهرام والنحاس ومصر، أحد أقدم البلاتوهات السينمائية، التي تعود إلى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، كما تحتضن المحافظة المعهد العالي للسينما بأكاديمية الفنون، الذي أسهم في تخريج أجيال من المبدعين.

وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور هاني أبو الحسن، مستشار رئيس مدينة الإنتاج الإعلامي، أن الأهرامات والمتحف المصري الكبير يمثلان مقومات ذات تأثير عالمي وجاذبية لتصوير العديد من الأعمال السينمائية المهمة.

جهود حكومية ورؤية تنموية
لم يأتِ اختيار الجيزة من فراغ، بل بُني على ملف قوي قدمته المحافظة بدعم من وزارة التنمية المحلية، فبعد إعلان اليونسكو عن فتح باب الترشح، قامت الوزارة بتعميم الدعوة على المحافظات الراغبة، لاختيار مجالٍ إبداعي واحد من ثمانية مجالات (منها الفيلم، الأدب، الموسيقى...).

واختارت الجيزة مجال الفيلم لأنها تُعد مركزًا أساسيًا لصناعة الأفلام في مصر والعالم العربي، وتمتلك إرثًا سينمائيًا عريقًا، كما قدّمت المحافظة ملفًا يُبرز رؤيتها لاستخدام الفيلم كأداةٍ للتنمية المستدامة، ولدعم فرص العمل والسياحة الإبداعية.

الدعم المؤسسي
يقوم فريق إدارة التعاون الدولي بالوزارة بفحص ملفات المحافظات والتأكد من مطابقتها للمعايير، بالتنسيق مع اللجنة الوطنية المصرية لليونسكو، وتشدد الوزارة على أهمية إشراك جميع مؤسسات المجتمع – الحكومية والخاصة والمدنية – في إعداد الملف.

شهادة النقاد
يؤكد الناقد الفني محمود قاسم أن الجيزة هي بالفعل "هوليوود الشرق"، وأول منطقة في صناعة السينما، حيث نشأت بها الاستوديوهات الضخمة مثل استوديو مصر واستوديو الأهرام واستوديو النحاس، وكذلك استوديو الفنان يوسف وهبي.

ويشير قاسم، إلى أن وجود هذه الاستوديوهات شجع الفنانين، مثل محمود ياسين وفريد شوقي، على السكن بالقرب منها، ما جعلها منطقة خاصة بالسينمائيين، حتى إنهما شكّلا جمعية سينمائية بيعت لاحقًا للشيخ صالح.

"لوكيشن" من ذهب
يضيف قاسم أن شارع الهرم كان نموذجًا للمنظر الطبيعي، حيث كانت الأهرامات تظهر من بدايته حتى عام 1967 قبل اجتياحه بالمباني، وتم فيه تصوير العديد من الأفلام.

كما تضم الجيزة مركز الفنون الشامل ومدينة الإنتاج الإعلامي والمركز القومي للسينما الذي يحتفظ بأرشيف جميع الأفلام المصرية، إضافة إلى دار الأوبرا والمركز القومي للثقافة ومسرح الطفل.

هذه المقومات جعلت من الجيزة أرضًا خصبة للإبداع، وشاهدًا على أعمالٍ فنيةٍ خالدة، منها، وقيدت ضد مجهول (1981) – للفنان محمود ياسين، الذي تناول سرقة الهرم الأكبر، حكاية حب – للفنان عبد الحليم حافظ، صُوّر في فندق مينا هاوس، الحب فوق هضبة الهرم، في بيتنا رجل (مشهد كوبري قصر النيل)، السفارة في العمارة، وعدة أفلام تم تصويرها داخل جامعة القاهرة مثل ثورة البنات.

أفلام عالمية
كما تم تصوير أفلامٍ مصرية وعالمية في الجيزة، منها، الجاسوسة التي أحبتني، ابن كليوباترا (إنتاج مصري–إيطالي)، أبو الهول، كريم ابن الشيخ (1964)، وكلها صُوّرت في مناطق الأهرامات والمواقع الأثرية الأخرى.

ويُعد انضمام الجيزة إلى شبكة المدن الإبداعية خطوة مهمة نحو تعزيز مكانتها على خريطة الإبداع العالمية، وتخطط الحكومة المصرية لتعظيم الاستفادة من هذه العضوية من خلال مشروعاتٍ وبرامج ثقافية وسينمائية تهدف إلى: تعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات مع المدن الأعضاء، جذب الاستثمارات في صناعة الفيلم والسياحة الثقافية، خلق فرص عمل جديدة وتمكين الشباب في المجالات الفنية والإعلامية، لتستمر الجيزة، بفضل إرثها العظيم ورؤيتها التنموية، في تأكيد مكانتها كأحد المراكز الإبداعية الرائدة في المنطقة.