تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : انسحاب صامت.. حين يغيب الزوج عن البيت بدون أسباب
source icon

سبوت

.

انسحاب صامت.. حين يغيب الزوج عن البيت بدون أسباب

كتب: مروة علاء الدين

لم يعد الخطر الأكبر على العلاقات الزوجية هو الخلاف، بل الانسحاب. هذا السلوك الذي يبدأ بصمت عابر ثم يتحول إلى تباعد دائم، ويُعد من أكثر الظواهر إرباكًا للزوجات؛ إذ يخرج الزوج من المنزل لساعات طويلة دون رغبة في الحديث أو العودة.

وفي مصر والعالم العربي تزايدت شكاوى النساء من هذه الفجوة غير المرئية التي لا تحمل صراخًا، لكنها تترك فراغًا نفسيًا وعاطفيًا أكبر من أي مواجهة. في هذا التقرير لا نتعامل مع الهروب كاتهام، بل كعرض نفسي واجتماعي مركب يحتاج قراءة هادئة وحلولًا ذكية تعيد للبيت وظيفته الأساسية: الاحتواء لا الاستنزاف.

تراجع منزلي
كشفت دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن 53% من الخلافات الزوجية سببها الإهمال المتبادل، ووصفت غياب الزوج المتكرر بأنه نتيجة مباشرة لفقدان لغة الحوار، وتحول التواصل إلى صمت ممتد يشبه الانسحاب العاطفي.

ويُعد هذا السلوك شكلًا من أشكال التجنب النفسي الذي يُعرف في علم العلاقات بـ الانكماش التعبيري؛ أي تراجع قدرة الطرفين على تحويل المشاعر إلى كلمات أو أفعال، حتى لو كان الحب موجودًا.

كما أشار استطلاع للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2023 إلى أن 37% من النساء اشتكين من غياب أزواجهن لفترات طويلة خارج المنزل بين ضغط العمل وجفاف العلاقة. وهذا يعني أن المشكلة ليست في غياب المكان فقط، بل في نفسية هذا المكان أيضًا.

انطفاء عاطفي
يرى الدكتور عبد المجيد عويس، استشاري العلاقات الزوجية، أن بعض الأزواج لا يغادرون المكان، بل يغادرون مناخَه النفسي أولًا، ويقول: "عندما يتحول المنزل إلى مساحة تحميل نفسي، يفقد الزوج معنى العودة. نحن أمام ما نسميه اليوم برد المشاعر، حيث لا يختفي الود لكنه يتجمد. الرجل لا يرفض الشراكة، لكنه يرفض المناخ الشعوري الخانق. وهنا يظهر الهروب الناعم، كبديل للمواجهة الصاخبة؛ إذ يختار الزوج الحركة خارج البيت بدلًا من الاحتكاك داخله".

ويؤكد أن من أخطر ما يواجه الأسر اليوم التصحر الأسري؛ أي اختفاء الطقوس الصغيرة التي كانت تصنع القرب؛ الحديث العابر، المجاملة، الجلوس بلا مناسبة. ومع غياب هذه التفاصيل يبدأ الزهد المنزلي، لا كرفض للأسرة، بل بحثًا عن مخرج أقل ألمًا.

ويضيف أن إدمان العمل لا يكون دائمًا شغفًا مهنيًا، بل قد يكون تعويضًا نفسيًا يُعرف بـ التغطيس المهني؛ أي الارتماء في الإنجاز للهروب من الإشباع العاطفي المفقود.

ضوضاء داخلية
وتوضح الدكتورة شيرين درديري، استشارية نفسية، أن خروج الأزواج قد تكون له أسباب غير منطوقة، بل غير واعية أحيانًا. فالزوج الذي يطيل البقاء خارج البيت قد يكون ضحية اضطراب المشهد، حين يتحول المنزل إلى مساحة من المنغصات اليومية بدلًا من أن يكون مكانًا للراحة.

وتشير إلى أن بعض الزوجات لا يخطئن عمدًا، لكنهن يقعن في الإشباع السلبي؛ أي تقديم الاهتمام بصيغة الشكوى واللوم بدلًا من الاحتواء. ومع تكرار ذلك يدخل الزوج في الشرود الدفاعي، وهي آلية نفسية لحماية الذات من الإرهاق العاطفي.

وتقول: "هناك نوع جديد من الضغوط يُنتج هذا السلوك، أسميه تلوّث المشاعر؛ حيث تتشوّه الرسائل العاطفية حتى لو كانت النية طيبة، فتصل للطرف الآخر كحمل نفسي لا كلغة ود. وهكذا يظهر نمط الهجرة اليومية المؤقتة؛ ليست رغبة في الرحيل، بل رغبة في استعادة السيطرة النفسية بعيدًا عن منطقة النزاع المتكرر"، وتضيف أن أول سؤال علاجي يجب أن يُطرح هو كيف يستقبل البيت عودته؟

جسر مفقود
أما الدكتورة نانسي ماهر، استشاري العلاقات الزوجية، فترى أن العلاقة حين يصيبها فتور تفقد الانتماء للمكان قبل الشخص. وتقول إننا بحاجة إلى ما يسمى اليوم الذكاء الوجداني الترميمي؛ أي قدرة الزوجين على إصلاح التصدعات العاطفية دون تحويلها إلى معارك كلامية، وتوضح أن بعض الأزواج غير قادرين على طلب الدعم، ولا على رفض العلاقة، فيختارون الخروج كترجمة للصمت.

وتؤكد أن الحل ليس في مطاردة الزوج لإعادته جسديًا، بل في إعادة بناء بيئة عاطفية داخل البيت تجعله يشعر بأنه مرحب به، لا مُدان، كما تحذر من أن الزواج إذا لم يجد التقدير يدخل مرحلة الشيخوخة الشعورية المبكرة، حتى لو كان عمره قصيرًا. المشكلة ليست أزمة حب، بل أزمة لغة، والحل يبدأ حين نعيد تعريف البيت بأنه مصدر حياة نفسية لا محطة التزامات.

دفء مستعاد
إذا كان السؤال هو "كيف يستقبل البيت عودته؟"، فإن الإجابة في خطوات عملية يقدمها الدكتور وليد ذكي، أستاذ علم الاجتماع، مؤكدًا أن العلاقات الزوجية لا تفقد دفئها فجأة، بل عبر انسحاب وجداني تدريجي، ويقول إن إعادة النبض للحياة الزوجية لا تحتاج قرارات ضخمة، بل طقوسًا يومية بسيطة:

للزوجين معًا
الإنصات بلا دفاع: أن تستمع لشريكك دون استعداد للهجوم أو التبرير.
الحديث بلا اتهام: استخدام "أنا أشعر…" بدلًا من "أنت دائمًا…" لتقليل التوتر وتحويل الحوار للمشاركة الوجدانية.

التذكرة الذهبية
يؤكد د. وليد أن العلاقات لا تُبنى على اللحظات الكبيرة فقط، بل على التفاصيل الصغيرة التي تبدو هامشية لكنها هي القلب النابض للزواج. وكل خطوة بسيطة تُعاد يوميًا قادرة على صنع تغيير عاطفي عميق.

الهروب ليس دائمًا خيانة للبيت، بل قد يكون احتجاجًا نفسيًا عليه. والزواج علاقة تحتاج صيانة مستمرة، فالزواج كائن حي يشيخ إذا لم يجد من يغذيه بالحب كل يوم.


 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية