تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : صور|"النصوص التأسيسية".. شواهد حيّة على عمارة مصر الإسلامية
source icon

سبوت

.

صور|"النصوص التأسيسية".. شواهد حيّة على عمارة مصر الإسلامية

كتب:ياسر علي

"النص التأسيسي".. من أهم ما يُميز الآثار الإسلامية، فهو بمثابة عنوان للمنشأة، يُسجّل عليها تاريخ البدء والانتهاء من البناء، والغرض من المنشأة، واسم المنشئ وألقابه وكنيته، وتُصنع في الأغلب من نفس مادة بناء المنشأة أو من الرخام.

وعن تاريخ النصوص التأسيسية في المنشآت المصرية يقول المؤرخ الدكتور محمد حمزة أستاذ الآثار الإسلامية، وعميد كلية الأثار الأسبق بجامعة القاهرة، إن هذه النصوص تضطلع بوظيفة إخبارية تعريفية، حيث تعرفنا بالمبنى الكائن سواء كان قبة أو جامع أو مدرسة أو خانقاه أو زاوية أو تكية أو سبيل أو كُتاب، وبذلك يُحدد النص ماهية المُنشأة، موضحا أن أقدم نصي تأسيسي تاريخيًا هو الموجود في جامع أحمد بن طولون، والمؤرخ في شهر رمضان عام 265 هـ.

وأضاف، أنه كان يُعهد لأي فريق عمل في بناء منشأة أو مبنى، وكان الفريق يضم مجموعة من المتخصصين وفق خطة للعمل، وكان كل واحد منهم مسئول عن مهنة محددة، والنقوش في المباني السلطانية كانت تحصل على موافقات من ديوان الإنشاء أولًا، وهو ما يُعادل وزارة الخارجية الآن، نظرًا لتضمن هذه الرسوم لألقاب السلطان أو الخليقة، ولذلك كان يجب الموافقة عليها أولًا، لأنها بمثابة أمور بروتوكولية بلغة اليوم.

مواد الصناعة

 وذكر الدكتور محمد حمزة، أن اللوحات التأسيسية كانت  تُصنع من مواد متنوعة ومختلفة مثل الحجر والخشب والرخام والطوب "الأَجُرّ"، وفي بعض الأحيان يتضمن المبنى الواحد مختلف مواد البناء التي تدخل في صناعة أجزاء مختلفة من المبنى، موضحا وكان طراز الخط المُستخدم في اللوحات التأسيسية يختلف من حقبة تاريخية لأخرى ليتوافق مع طراز العصر نفسه، متابعا:  وعلى سبيل المثال في مسجد أحمد بن طولون، استُخّدمَ الخط الكوفي البسيط في لوحته التأسيسية، ثم أضيفت للمسجد محاريب في العصر الفاطمي بالخط الكوفي المُذهَب وهو الخط الرسمي في العصر الفاطمي، رغم أن المسجد مبني على الطراز العباسي.

وأوضح أن هناك الكثير من اللوحات التأسيسية التاريخية التي اندثرت، وتعد لوحة قبة يعقوب شاه المهمندار، أحد أمراء السلطان قايتباي، من أخطر وأندر اللوحات التأسيسية، ويرجع تاريخها إلى 901 هـ، مشيرا إلى أن نقشها التأسيسي يصف معركة حربية وقعت بين مصر وتركيا في زمن السلطان قايتباي، والسلطان بايزيد العثماني، وتحكي عن الطريقة التي انتصر بها السلطان قايتباي على الجيش التركي وأَسَر القائد التركي أحمد بك أوغلو، وجاء به إلى القلعة مكبلًا بالأغلال.

واستطرد:  وهذا النقش من أندر النقوش لأنه يصف معركة حربية، وكيف عاد الجنود العثمانيين مكبلين بالقيود والأغلال وأكلتهم الضباع والبوم والعقبان.

أقدم نقش

وأشار المؤرخ الكبير إلى أن أقدم نقش تأسيسي في مصر كان على قنطرة عبد العزيز بن مروان، وكانت في شارع الخليج المصري المعروف الآن بشارع بورسعيد في حي السيدة زينب، من فم الخليج إلى ترعة الإسماعيلية في شبرا، وأندثر هذا النص نظرًا لردم الخليج والنقش كان مؤرخًا بعام 69 هـ، مُشيرًا إلى أن ميزة اللوحة التأسيسية لمسجد أحمد بن طولون حسمت الخلاف بين المؤرخين الذين اختلفوا في تحديد تاريخ بناء الجامع، مثل الخندي وابن تغري بردي والمقريزي وابن إياس وغيرهم، حيث أثبتت اللوحة أن المسجد بدأ بناؤه عام 236هـ، وتم الانتهاء منه في رمضان عام 265هـ. واللوحة الخارجية على واجهة المسجد وأعلى الدَرَج الخارجي أضافها الخليفة الفاطمي بدر الجمالي.

ويُعد النص الذي يصف الزلزال الذي وقع في مصر عام 1302م الموافق 702هـ، من أهم النصوص التأسيسية في المنشآت التاريخية المصرية، ذلك هكذا تحدث الدكتور جمال عبد الرحيم أستاذ الآثار الإسلامية. مضيفًا: هذا النص موجود بمجموعة السلطان قلاوون، ومكتوب عليه "أمر بتجديد هذه المئذنة المباركة مولانا السلطان الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون، وذلك عند ظهور الآيات المُنزلة وسقوط أعاليها عند حدوث الزلزلة سنة ثلاث وسبعمئة"، وهو نص تأسيسي مهم جدًا لتوثيق أحداث تاريخية.

وتابع : أما النص التأسيسي لمسجد أحمد بن طولون فهو في البائكة رقم اتنين مما يلي صحن المسجد ويبدأ بأية الكرسي، وبعد آية الكرسي نجد مكتوب على النص "قام الأمير أبو العباس المقصود به أحمد بن طولون بإنشاء المسجد". كما يوجد بالمسجد نص آخر في الواجهة، وهو خاص بأمير الجيوش الفاطمي بدر الجمالي، وكُتب في هذا النص الترميمات التي أقامها في المسجد بمساعدة أبنه شاهنشاه.

مكون فني

"تُعتبر النصوص التأسيسية إحدى أهم المكونات الفنية للمساجد في تاريخ الحضارة الإسلامية لما لها من أهمية كلوحة يُسجّل عليها تاريخ بناء المسجد وبانيه وربما محاولات التوسعة والترميم القديمة، وفي أغلب الظن لم تُضبط ثمة محاولات لتزويرها كغيرها من العناصر الفنية أو المعمارية"، هكذا قال المؤرخ سامح الزهار، مضيفًا: لقد كانت عمارة القاهرة الإسلامية هي إحدى مظاهر الحضارة التي ميزت التاريخ الإسلامي ولا تزال هذه العمارة إلى الآن شاهدة على عظمة الهوية العربية في نسختها المصرية وإنسانيتها، وهذا العنصر الفني هو شهادة ميلاد مبان القاهرة خاصة الدينية منها وربما تمتد إلى المدنية، فعمارة القاهرة التاريخية هي شكل من أشكال البناء الحضاري المصري، وفي الواقع أنها أسمى وأبقى ما للأمة المصرية من تراث، فلقد كان للعرب الذين دخلوا الإسلام تراث ومشاركة وإبداع قديم، ولكنه لم يصبح عميقًا شاملاً مضيئًا وهاجًا إلا بالتداخل الذي تم مع الفنون الإسلامية على مختلف أشكالها على يد الفنانين والمعماريين المصريين.

وتعد النصوص التأسيسية على العمارة المصرية الإسلامية – والحديث مازال للزهار - موحدة في الشكل والأسلوب والمضمون، متابعا : إلّا أن ثمة فروقًا متميزة بحسب الأقاليم والعصور وبحسب التقاليد التاريخية لكل منطقة داخل البلاد، وعليه فأظن أن التأمل في النصوص التأسيسية للعمارة المصرية الإسلامية لاسيما المساجد التاريخية هو أمر حتمي، فهي السجل الذي يستقى منه تاريخ أبنية الأقدمين، بما فيه من تقدم وازدهار، أو تراجع وتهافت.

وواصل: ومن ثم فقد سجلت لنا نصوصنا التأسيسية على عمارتنا الإسلامية تاريخ الأزمنة المتعاقبة، وأعطتنا صورة صادقة عن منشئها، ذلك أن العقيدة الإسلامية التي تغلغلت في نفوس معتنقيها لسماحتها ولأنها تناسب طبيعة النفس البشرية، ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالعمارة والتوثيق على جدرانها.

التطور العمراني

وأكد المؤرخ والباحث في العمارة والتاريخ الإسلامي، على أهمية النص التأسيسي على واجهة مسجد أحمد بن طولون بقوله: في المسجد الطولوني يقع النص التأسيسي على واجهة باب المدخل الرئيس للمسجد ونصه "بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ  ۖ  فعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ // نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيب، لعبد الله ووليه معد أبي تميم الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وعلى آبائه الطاهرين، وأبنائه الأكرمين ، أمر بتجديد هذا الباب، وما يليه عند عدوان النار على أيدي المارقين، السيد الأجل أمير الجيوش سيف الإسلام، ناصر الامام أبو النجم بدر المستنصري أدام الله قدرته، وأعلى كلمته، ابتغاء ثواب الله، وطلب مرضاته وذلك في صفر سنة سبعين وأربعمائة والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد البشير وآله الطاهرين وسلم تسليما".

وأضاف : والعجيب في الأمر بالرغم من أن القاهرة تمتلك الوثائق والمصادر المخطوطة، وتحتوي كذلك على آثار تفوق ما يملكه العالم الإسلامي، إلا أن الدراسات التفصيلية للنصوص التأسيسية ينقصها الكثير، فقد كُتبت مجلدات عديدة حول تاريخ عاصمة مصر الإسلامية، تناولت جميعها بصور مختلفة عصورها تاريخية، إلا أن التطور العمراني للمدينة وامتدادها وخططها يحتاج إلى مزيد من القراءة والفهم والتدبر.

الخطوط المستخدمة

وأكد حسام زيدان الباحث في الآثار الإسلامية، أن المصادر التاريخية لم تتحدث عن شخص مُختص بصناعة النصوص التأسيسية، ولكنه في الأغلب يتم نحته بواسطة نحاتين المنشأة، ويكتب الخط الخطاط الذي يختاره السلطان، وأغلب المنشآت لم تذكر سواء أسماء المهندسين أو الخطاطين أو الرخامين أو النحاتين، ولكن نجد أن في بعضها الاسم مذكور فمثلًا خطاط جامع محمد علي باشا هو سنكلاخ، وبالتالي هو من كتب كل النصوص بما في ذلك النص التأسيسي.

والخطوط المستخدمة في كتابة النصوص التأسيسية حتى نهاية العصر الفاطمي كانت الخط الكوفي، بأشكاله المعروفة، سواء الكوفي المورق أو المزهر، ثم بداية من العصر الأيوبي بدأ استخدام الخط اللين مثل النسخ والثلث.

 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية