تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
يُعد الفيبرومالجيا من أكثر الحالات الطبية تعقيدًا وإثارةً للجدل، حيث يُسبب آلامًا مزمنة في مختلف أنحاء الجسم دون سبب عضوي واضح. وعلى الرغم من عدم تصنيفه كمرض مناعي ذاتي أو التهابي، إلا أنه يشكل تحديًا كبيرًا في التشخيص والعلاج، تتداخل أعراضه مع العديد من الأمراض الأخرى، بينما يبقى العامل النفسي أحد المحركات الرئيسية لظهوره وتفاقمه، مما يضعه في منطقة وسطى بين الاضطرابات الجسدية والنفسية. فهل الفيبرومالجيا مرض عضوي أم نفسي؟ وكيف يمكن التعامل معه بفعالية؟
تحدي طبي
يُشكل الفيبرومالجيا تحديًا للأطباء لأنه لا يظهر في الفحوصات الطبية التقليدية، ولا توجد تحاليل مخبرية أو أشعة تكشفه بشكل مباشر، هذا الغموض يجعل بعض المرضى يشعرون بأن أعراضهم غير مفهومة أو مشكوك فيها، مما يزيد من معاناتهم النفسية.
أسباب نفسية
أكد الدكتور حسام الديب، استشاري الروماتيزم والمفاصل، أن الفيبرومالجيا ليس مرضًا مناعيًا ذاتيًا، موضحًا أن تشخيصه يعتمد على الأعراض والفحوصات الطبية، حيث لا يوجد تحليل محدد يثبت الإصابة به. وأشار إلى أنه يشترط أن تكون جميع التحاليل سليمة، لأن وجود أي خلل في الفحوصات يستدعي البحث عن سبب آخر للأعراض، ولا يمكن حينها تشخيص الفيبرومالجيا.
وأضاف أن هناك فرقًا واضحًا بين الفيبرومالجيا والأمراض المناعية مثل الذئبة الحمراء والروماتويد، حيث إن هذه الأمراض تؤثر على المفاصل والأنسجة وقد تسبب تشوهات، وتستلزم أحيانًا الحجز بالمستشفى، أما الفيبرومالجيا، فهو اضطراب مزعج لكنه غير مؤذٍ، ولا يؤدي إلى تلف أو تشوهات في المفاصل أو الأنسجة.
وأوضح د. حسام أن السبب الأساسي للفيبروميالجيا هو التعرض المستمر للضغوط النفسية، التوتر، الاكتئاب، والانفعالات الشديدة، بالإضافة إلى اضطراب مواعيد النوم لفترات طويلة، وليس مجرد اضطراب قصير المدى في النوم.
أما عن العوامل الوراثية، فقد أكد د. حسام أنه حتى الآن، لم تثبت أي علاقة مباشرة بين الفيبرومالجيا والعوامل الوراثية أو الجينية، لذا لا يمكن الجزم بوجود تأثير وراثي أو نفيه تمامًا.
أعراض شائعة
أوضح د. حسام أن أبرز أعراض الفيبرومالجيا تشمل آلامًا في جميع أنحاء الجسم، مع وجود نقاط محددة أكثر عرضة للألم، مثل الرقبة، الصدر، الكوعين، أسفل الظهر، منطقة الوسط، والركبتين من الداخل، كما يعاني المصابون به من صداع متكرر، إرهاق مستمر، اضطرابات في الجهاز الهضمي مثل القولون العصبي، إضافة إلى اضطرابات النوم، حيث يكون النوم غير مريح ومصحوبًا بالقلق.
وأضاف أن مرضى الفيبرومالجيا يعانون من أعراض متغيرة ومفاجئة، فقد تشتكي المريضة من آلام في القلب، صعوبة في التنفس، وتسارع في ضربات القلب، ولكن عند مراجعة طبيب القلب تكون الفحوصات سليمة، ثم تظهر شكوى جديدة مثل آلام في الأذن، أو في أي مكان بالجسم، ولكن بعد الفحص الطبي لا يظهر أي مشكلة عضوية، من العلامات المهمة أيضًا أن مجرد اللمس قد يسبب ألمًا شديدًا، رغم أن الفحوصات والأشعة لا تكشف عن أي خلل واضح في الجسم.
أكثر شيوعًا بين السيدات
تختلف شدة المرض من شخص لآخر، فهناك حالات شديدة، وأخرى متوسطة، وبعض الحالات تستجيب للعلاج بينما لا تستجيب أخرى، وذلك وفقًا للعوامل المؤثرة، لكن المرض أكثر شيوعًا بين السيدات، بينما الرجال يصابون به بنسب أقل.
تأثير مزعج على الحياة اليومية
المرض مزعج جدًا، حيث تعاني المريضة من التفكير المستمر في النوم، القلق، الألم المستمر، وفي الوقت نفسه لا تجد تفهمًا من المحيطين بها، وكما أكد د. حسام، فإن كثيرًا ما تسمع المريضة تعليقات مثل: "كل فحوصاتك سليمة، فلماذا تشعرين بالألم؟"، مما يزيد من معاناتها النفسية.
طرق العلاج
حتى الآن، تعتمد العلاجات المتاحة على أدوية الأعصاب، التي أثبت بعضها فاعلية في التخفيف من الأعراض. لكن المرضى يتخوفون من هذه الأدوية عندما يعلمون أنها تُستخدم لعلاج الاكتئاب، الصرع، الصداع، والغضروف، إلا أن وظيفتها الأساسية في حالة الفيبرومالجيا هي تقليل الإحساس بالألم العصبي، وهو ألم يختلف عن الألم العادي، إذ لا تستجيب المسكنات التقليدية له.
وأضاف د. حسام أن هناك عدة أدوية أثبتت فاعليتها، لكن من المهم معرفة أن الفيبرومالجيا مرض مزمن يحتاج إلى استمرارية في العلاج، كما أن نسبة التحسن من الأدوية ليست كبيرة مقارنة بالأمراض الأخرى، فمن بين كل 10 مريضات، قد تتحسن واحدة بشكل واضح، بينما تحتاج البقية إلى تعديلات في العلاج، أو إضافة أدوية أخرى لتحقيق نتيجة أفضل.
أبحاث وعلاجات مستقبلية
تجري حاليًا أبحاث حول أدوية جديدة لعلاج الفيبرومالجيا، ولكن حتى الآن لا يوجد علاج نهائي للمرض، الدعم النفسي من الأسرة والمحيطين بالمريضة له دور كبير في تحسين حالتها وزيادة فرص التحسن، ونصح د. حسام المرضى بالابتعاد عن الأشخاص أو الأماكن التي تزيد من الضغط النفسي، مختتمًا حديثه بأن الفيبرومالجيا ليس مجرد ألم جسدي، بل حالة معقدة تتطلب تفهمًا، دعمًا نفسيًا، ونهجًا علاجيًا متكاملاً لتحسين حياة المرضى.
اضطراب نفسي جسدي
من جهته، يؤكد الدكتور وائل فؤاد، استشاري الطب النفسي، أن الفيبرومالجيا ليس مجرد مرض عضوي، بل يُصنف ضمن الاضطرابات النفسية والجسدية، حيث تلعب العوامل النفسية مثل التوتر، القلق، والاكتئاب دورًا رئيسيًا في ظهوره وتفاقمه.
وتابع أن الضغوط النفسية المزمنة والصدمات العاطفية قد تكون من المحفزات الرئيسية لظهور المرض، حيث تؤدي هذه العوامل إلى اضطرابات في الجهاز العصبي المركزي، مما يسبب حساسية مفرطة للألم وانتشار الأوجاع في الجسم، كما أن المرضى الذين يعانون من القلق المزمن والاكتئاب أكثر عرضة للإصابة بالفيبرومالجيا، وهو ما يفسر تداخل أعراضه مع بعض الاضطرابات النفسية.
العلاج النفسي ودوره في تحسين الحالة
بما أن الفيبرومالجيا مرتبط بالحالة النفسية، فإن العلاج لا يقتصر فقط على المسكنات أو العلاجات الدوائية. وأوضح الدكتور وائل أن العلاج يتضمن عدة نقاط، وهي:
العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد المرضى على التعامل مع الألم والتوتر بطريقة أكثر إيجابية.
تقنيات الاسترخاء والتأمل: مثل اليوغا، وتمارين التنفس العميق، التي تقلل من استجابة الجسم للألم.
تنظيم نمط الحياة: تحسين جودة النوم، وممارسة الرياضة الخفيفة، واتباع نظام غذائي صحي.
الدعم النفسي: سواء من خلال العلاج النفسي الفردي أو المجموعات الداعمة، حيث يشعر المريض بأنه ليس وحده في معاناته.
في النهاية، يبقى الفيبرومالجيا حالة معقدة تتطلب فهمًا شاملاً وتفهمًا من المجتمع الطبي والمحيطين بالمريض، لتحسين جودة حياة المصابين به.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية