حلقة مفرغة
لا يخفى على أحد أن فقدان الوزن أصبح هدفًا عامًا، لكنه أحيانًا يتحول إلى فخ حقيقي، خاصة حين يقع الشخص في شرك الحميات القاسية، من هنا يظهر مصطلح "دايت اليويو" – أو "دورة الوزن" – كواحد من أخطر الأنماط الغذائية، حيث ينخفض الوزن سريعًا مع بداية النظام، لكنه سرعان ما يعود للارتفاع، وغالباً بصورة أكبر مما كان.

هذا ما أكده الدكتور محمد ممدوح، استشاري الباطنة والكلى، حيث يشبه هذه الظاهرة بـ "حركة لعبة اليويو" نزول حاد في الوزن يتبعه صعود متسارع.

ويفسر ذلك بأن الأنظمة الغذائية القاسية التي تقوم على الحرمان الشديد تربك الجسم، ما إن تنتهي الحمية، حتى يبدأ الجسم بتخزين الدهون بكفاءة أعلى، كرد فعل طبيعي على ما يعتبره مجاعة مؤقتة، ويضيف أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية تسهم في الوقوع في هذا الفخ:
- الأنظمة غير الواقعية: مليئة بالممنوعات، مما يجعلها غير قابلة للاستمرار.
- نقص الوعي الغذائي: حيث يجهل الكثيرون كيفية بناء نظام متوازن يناسب احتياجات أجسامهم.
- الضغط النفسي: الذي يؤدي إلى الملل و "الأكل العاطفي" أو فقدان الحافز، مما يفسد النظام الغذائي.

خسارة عضلات لا دهون
ومن جانبها تشرح لنا الدكتورة سماح شديد، أخصائية التغذية العلاجية، الفرق بين "الدايت السريع" و"الدايت الصحي"، فالأول يسبب فقدان سريع في الوزن أغلبه من الماء والعضلات، ويؤدي لاحقاً إلى شراهة غذائية وزيادة سريعة في الوزن، أما الدايت الصحي، فيعتمد على فقدان الدهون تدريجيا، مع الحفاظ على الحالة النفسية وبناء العضلات.

وتوضح، الدهون حجمها كبير لكنها أخف وزنًا، بينما العضلات أثقل وأصغر حجمًا لذا، فإن القياس بالمتر قد يكون أصدق من الميزان.

آثار صامتة 
وتتابع، أن دايت اليويو لا يترك تأثيره على الوزن فقط، بل يضرب الصحة من أعماقها. فحسب د. سماح هناك تباطؤ في معدل الحرق، وارتفاع في خطر الإصابة بأمراض القلب بسبب التقلبات السريعة في الوزن. إلى جانب:
- الآثار النفسية السلبية: مثل الإحباط والشعور بالفشل.
- فقدان الكتلة العضلية: إذ يبدأ الجسم في استهلاك العضلات بدلا من الدهون أثناء الريجيم القاسي

الوجه المظلم
تشير دراسات طبية حديثة إلى أن "دايت اليويو" لا يقتصر تأثيره على الوزن فقط، بل يمتد إلى القلب والتمثيل الغذائي بشكل خطير:
فقد أظهرت دراسة نشرتها Journal of the American Heart Association أن تقلبات الوزن الحادة لدى مرضى القلب زادت من خطر النوبات القلبية بنسبة 117% والسكتات الدماغية بنسبة 136%، في حين كشفت دراسة أخرى نشرت في دورية Circulation أن النساء بعد سن اليأس اللواتي خضعن لتقلبات وزن كن أكثر عرضة للوفاة القلبية المفاجئة بثلاثة أضعاف.
كما ربطت أبحاث منشورة على موقع Healthline بين دايت اليويو وزيادة خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني، بينما أظهرت دراسة من جامعة جورجيا أن هذه الدورة تؤثر سلبا على وظائف القلب والكلى وتزيد مقاومة الجسم للأنسولين، -وفي دراسة لجامعة كوبنهاجن، وجد أن الخلايا الدهنية تحتفظ بما يشبه "ذاكرة السمنة"، مما يفسر ميل الجسم لاستعادة الوزن بسرعة بعد فقدانه.

حرب داخل الجسد
من وجهة نظر الدكتورة حسناء الدباوي، طبيبة نفسية ومتخصصة في التغذية، فإن "دايت اليويو" يشبه حالة طوارئ مستمرة داخل الجسم ويسبب:
- انخفاض معدل الأيض (الحرق): الجسم يبطئ حرق السعرات لحماية نفسه.
- اختلال الهرمونات: انخفاض هرمون الشبع "الليبتين" وزيادة هرمون الجوع "الغريلين".
- مقاومة الدهون: الجسم يصبح أكثر استعدادا لتخزين الدهون بعد فقدانها.
- فقدان العضلات: يؤدي إلى ضعف في البنية الجسدية وانخفاض معدل الحرق

مخاطر المستقبلية
وتوضح الدكتورة سارة نصر الدين، استشاري الباطنة والتغذية الإكلينيكية، أن الحميات القاسية تفقد الجسم توازنه الطبيعي، وتزيد الشهية بشكل مبالغ فيه بعد انتهاء الحمية، كما تؤكد أن هذه الدورة تؤدي إلى:
- زيادة دهون البطن.
- ارتفاع خطر الإصابة بالكبد الدهني.
- اضطرابات في القلب والسكري.
- فقدان الثقة بالنفس.
- تكون الحصوات.
- ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول.
- اضطرابات الأكل والاكتئاب

الخروج من دوامة اليويو
تقترح د. سارة مجموعة من الخطوات العملية لتفادي هذه الحلقة المفرغة:
- غير نمط حياتك تدريجيا، لا دفعة واحدة.
- استشر متخصصا لصياغة خطة تناسبك.
- راقب المقاسات لا الوزن فقط.
- مارس تمارين المقاومة للحفاظ على الكتلة العضلية.
-دعم الصحة النفسية لا يقل أهمية عن الغذاء.

وتقترح بعض الأنظمة الصحية البديلة مثل، حمية البحر المتوسط، الصيام المتقطع، الحمية النباتية المتوازنة، ونظام التحكم في الحصص، وجميعها أنظمة مرنة تراعي الصحة العامة.