تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : "الملعقة" بـ 10 جنيهات.. تبغ الرصيف ملوث ومغشوش
source icon

سبوت

.

"الملعقة" بـ 10 جنيهات.. تبغ الرصيف ملوث ومغشوش

كتب:نهى العليمي

بين أزقّة وسط البلد، وفي زحام شارع كلوت بيك المتفرّع من ميدان رمسيس، يتصاعد دخانٌ كثيف تحمل رائحته نسماتٌ متباينة بعضها نفّاذ يوحي بتبغٍ "طازج "، وبعضها الآخر يفضح ما خالطه من شوائب. 

وعلى مرأى المارة تفترش أوعية بلاستيكية مفتوحة تُعرض فيها أوراق تبغٍ مفروكة، يشتريها الناس "بالكيس " أو "بالجرام" وكأنها حبوب فول أو عدس في سوق شعبية.

وتزامنًا مع ارتفاع أسعار السجائر، وجد كثيرون في هذا التبغ الخام حلًا ماديًا مؤقتًا، لكن هذا الحل يحمل بين طيّاته تساؤلات لا تقل خطورة عن دخانه الكثيف؛ ما مدى أمان هذا التبغ؟ وهل ما يُباع في أكياس بلا علامات تجارية يمكن أن يُعدّ منتجًا صالحًا للاستهلاك؟ وما الذي يُضاف إليه ليمنحه اللون أو الرائحة؟
بين الحاجة الاقتصادية وخطر التجهيل، تقف هذه الظاهرة على مفترق طرق، فهي من جهة تمثل متنفسًا لفئات غير قادرة على شراء السجائر التجارية، ومن جهة أخرى تفتح بابًا واسعًا للتلاعب والغش، في ظل عرض غير منظم، وتداول لا يخضع لأي معلومة واضحة عن الجودة أو المصدر.


وبعد ارتفاع أسعار السجائر حتى جاوزت المائة جنيه للعلبة الواحدة، فوجد كثيرون ضالتهم في هذا التبغ القطاعي الرخيص، غير أنّ ما يبدو مخرجًا اقتصاديًّا سرعان ما يتكشّف عن مأزق صحيٍّ خطير يهدّد صدور المدخنين ومن حولهم على السواء، كيف تحوّل هذا "الحل الشعبي " إلى قنبلةٍ معلّقة في الهواء؟ ولماذا غابت الرقابة بينما انتشرت الأوعية؟ جولة ميدانية وحوارات مع بائعين وزبائن وأطباء تكشف ما وراء دخان الأرصفة.

التبغ بالملعقة  
بجولة قصيرة على امتداد شارع كلوت بيك، تتكرر نفس الصورة: بائعون يفترشون الرصيف، وأمامهم عبوات كبيرة ممتلئة بالتبغ المفروك، تختلف ألوانه ما بين الفاتح والغامق. الزبائن يقفون بانتظام، يطلبون “ملعقة بـ 10 جنيهات” أو “ربع بـ 25 وكأنهم يشترون سلعة غذائية يومية.

يقول أحد البائعين وهو شاب في أواخر الثلاثينيات: "الناس مش قادرة تشتري علبة سجاير بـ 100 أو 150 جنيه، فيأخذوا مني بـ 20 جنيه تمشيهم يومين ثلاثة واللي بيشتري ما بيسألش عن اسم ولا نوع، هو بس عايز دخان.

وتابع البائع بابتسامة هادئة "أنا بكسب رزقي بالحلال، وببيع حاجة الناس مقبلة عليها، ومفيش حاجة فيها ضرر طالما هو تبغ خام ".

وبسؤال أحد الزبائن وهو موظف أربعيني قال: «الفرق في السعر كبير جدًا، وفيه نوع اسمه تبغ شعبي بنص ثمن أقل علبة سجاير وبصراحة، أنا ما بحبش أشتري المستورد المليان كيماويات التبغ ده أفضل».

تجارة بلا رقابة
ورغم أن بعض البائعين يحرصون على التأكيد بأنهم يبيعون "تبغًا نقيًا"، فإن آخرين يعترفون – بشرط عدم ذكر أسمائهم – أن هناك من يخلط أنواع التبغ بأشياء أخرى لزيادة الكمية أو تحسين الرائحة والمظهر.

وأضاف البائع "في ناس بتضيف أعشاب مجففة أو أوراق شجر، أو بواقي تبغ من فلاتر وسجاير مستعملة، عشان يزيد الوزن أو يضيف ريحة فريش أنا شخصيًا بعامل ربنا ومش بعمل كده بس غيري بيعمل".

وأكمل البائع" المشكلة مش في مكونات التبغ فقط، بل تمتد إلى ظروف عرضه وتخزينه فمعظم الأنواع تُباع مكشوفة، وفي عبوات بلاستيكية رخيصة، معرضة للغبار والهواء الطلق وعوادم السيارات، بل أحيانًا تُعرض على الأرض مباشرة.

الرأي الطبي
يحذر الدكتور محمد سيف النصر، استشاري الصحة العامة والوقاية، من هذه الظاهرة قائلًا: التبغ الذي يُباع بهذه الطريقة يمثل خطورة مزدوجة؛ أولًا لأنه غير معلوم المصدر أو التركيب، وثانيًا لأنه يُعرض في ظروف بيئية ملوثة، مما يزيد احتمالات احتوائه على بكتيريا، أو معادن ثقيلة من العوادم، أو مواد كيماوية مجهولة.

وأضاف د. سيف النصر أن التبغ في حد ذاته يحتوي على مواد مسرطنة، فما بالك إذا خُلط بأعشاب غير آمنة، أو بقايا سجائر مستخدمة؟ الأخطر من ذلك أن تدخينه دون فلتر – كما يحدث غالبًا – يزيد من امتصاص الرئة للسموم، مقارنة بالسجائر الجاهزة التي تحتوي على فلتر يقلل، ولو جزئيًا، من الأثر الضار، ويؤكد أن هذه الظاهرة تُعد مدخلًا لمشكلات صحية مستقبلية قد تشمل التسمم الرئوي، وتليّف أنسجة الرئة، وزيادة خطر الإصابة بالأورام الصدرية.

بين التوفير والخطر
ما يبدو في ظاهره بديلًا رخيصًا ومُتاحًا، يخفي في جوهره سلسلة من المخاطر الممتدة، تبدأ من تركيبة التبغ وتنتهي بآثاره على الصحة العامة وبينما يسعى المواطن لتوفير القليل من نفقاته اليومية، يفتح دون أن يدري بابًا نحو مشكلات صحية طويلة الأمد قد تتجاوز في كلفتها ما حاول توفيره.

إنّ تداول التبغ "القطاعي" بهذه الصورة يضع المجتمع أمام معادلة معقّدة فقراء يستهلكون دون حماية، وبائعون يربحون دون مسؤولية، وسوقٌ غير منظّم يفرض نفسه على واقعٍ لم يستعد له بعد
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية