تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
في زمن تتسارع فيه وتيرة التحوّل الرقمي، وتتنافس فيه الشاشات والمنصات الإلكترونية على جذب الانتباه، تقف المكتبات العامة في مصر عند مفترق طرق.
فبعد عقود من لعبها دورًا محوريًا كمراكز إشعاع ثقافي ومعرفي، بدأت تعاني من الإهمال والعزوف الجماهيري، لتتحول تدريجيًا إلى ما يشبه "بيوت الأشباح"، في مشهد يثير تساؤلات حقيقية حول مستقبل الثقافة والقراءة في المجتمع المصري.
ورغم ما تحمله الإحصاءات من مؤشرات مقلقة، لا تزال الفرص قائمة لإنقاذ هذه الصروح، عبر رؤى مبتكرة وسياسات عادلة تعيد للمكتبة العامة مكانتها الطبيعية في قلب الحياة اليومية، وتفتح آفاقًا جديدة أمام الأجيال القادمة لاكتشاف سحر الكتاب في زمن التكنولوجيا.
ويرى مراقبون أن هذه التحديات يمكن تجاوزها عبر تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني، لتطوير هذه المؤسسات وتحويلها إلى مراكز رقمية حديثة تلبي احتياجات الأجيال القادمة، انطلاقًا من مبدأ أن الاستثمار في المكتبات هو استثمار في مستقبل الوطن وثقافته.
فبعد عقود من لعبها دورًا محوريًا كمراكز إشعاع ثقافي ومعرفي، بدأت تعاني من الإهمال والعزوف الجماهيري، لتتحول تدريجيًا إلى ما يشبه "بيوت الأشباح"، في مشهد يثير تساؤلات حقيقية حول مستقبل الثقافة والقراءة في المجتمع المصري.
ورغم ما تحمله الإحصاءات من مؤشرات مقلقة، لا تزال الفرص قائمة لإنقاذ هذه الصروح، عبر رؤى مبتكرة وسياسات عادلة تعيد للمكتبة العامة مكانتها الطبيعية في قلب الحياة اليومية، وتفتح آفاقًا جديدة أمام الأجيال القادمة لاكتشاف سحر الكتاب في زمن التكنولوجيا.
ويرى مراقبون أن هذه التحديات يمكن تجاوزها عبر تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني، لتطوير هذه المؤسسات وتحويلها إلى مراكز رقمية حديثة تلبي احتياجات الأجيال القادمة، انطلاقًا من مبدأ أن الاستثمار في المكتبات هو استثمار في مستقبل الوطن وثقافته.
أرقام تكشف حجم الأزمة
وبحسب تقرير حديث صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بالتزامن مع اليوم العالمي للكتاب، فإن العالم يضم نحو 130 مليون كتاب، من بينهم 4.1 مليون كتاب صوتي، موزعين على نحو 2.5 مليون مكتبة، ويُقدَّر عدد الكتب المنشورة سنويًا عالميًا بين 500 ألف ومليون كتاب.
أما في مصر، فيوجد نحو 1409 مكتبة عامة ومتخصصة وجامعية، منها 343 مكتبة عامة، و417 مكتبة متخصصة، و649 تابعة للجامعات والمعاهد، ويبلغ عدد المترددين عليها نحو 5 ملايين شخص، أغلبهم من رواد مكتبات الجامعات والمعاهد (3.4 مليون)، يليهم مرتادو المكتبات العامة (نحو 805 آلاف).
توزيع غير عادل وفجوة ثقافية
وتعاني بعض المحافظات، خاصة الحدودية مثل شمال سيناء ومطروح، من نقص كبير في المكتبات العامة، ما يؤدي إلى فجوة ثقافية تؤثر سلبًا على سكان هذه المناطق، لاسيما الشباب الذين يفتقرون إلى مصادر المعرفة.
فعلى سبيل المثال، يبلغ عدد سكان محافظة أسوان 1.7 مليون نسمة، في حين لا تخدمهم سوى 22 مكتبة عامة وخاصة تضم حوالي 12 ألف كتاب وكتيب فقط، ما يكشف عن حجم التباين بين عدد السكان والمصادر الثقافية المتاحة.
ويقول الكاتب علاء أحمد، إن عدد مرتادي المكتبات العامة انخفض بنسبة 63% خلال السنوات العشر الأخيرة، وهو ما يعكس تأثير التحول الرقمي على سلوكيات القراء.
ويشير إلى أن غياب المكتبات في بعض المناطق يحرم الأجيال القادمة من بيئة محفزة على القراءة والتفكير النقدي، فضلاً عن تفاقم الفجوة الثقافية بين المحافظات، ما يتطلب تدخلاً عاجلاً لتحقيق العدالة الثقافية.
مدارس بلا مكتبات
ويضيف علاء، أن وزارة التربية والتعليم كانت قد وقّعت في نهاية عام 2015 اتفاقًا مع اتحاد الناشرين المصريين، لتزويد المكتبات المدرسية بكتب تتجاوز قيمتها مليون جنيه، ضمن خطة لتطوير تلك المكتبات.
إلا أن الاتفاق لم يُفعّل حتى اليوم، ومع مرور قرابة عشر سنوات، لا تزال معظم المدارس في القرى والمدن الكبرى تفتقر إلى مكتبات فعالة أو محتوى معرفي محدث.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية تكاد تكون خارج منظومة المكتبات، في وقت تتشكل فيه وعي وقيم الأطفال، وهو ما يهدد مستقبلهم المعرفي والثقافي.
التكنولوجيا تغزو عقول القرّاء
ومع الانتشار الواسع للإنترنت والهواتف الذكية، أصبح الوصول إلى المعلومات أسهل من أي وقت مضى، ما ساهم في عزوف الكثيرين عن زيارة المكتبات التقليدية، ويُفضِّل كثير من القراء البحث عن معلوماتهم عبر الإنترنت، بدلاً من التوجه إلى المكتبة.
ويُضاعف من حدة الأزمة ضعف البنية التحتية الرقمية في كثير من المكتبات، مثل رداءة خدمة الإنترنت ونقص أجهزة الحاسب الآلي، إلى جانب غياب مصادر أدبية حديثة وكتب شبابية، ما يدفع القراء للبحث عن بدائل رقمية أكثر جاذبية.
مكتبات ذكية.. رؤية مستقبلية
ومن أجل ضمان استمرارية دور المكتبات العامة، يؤكد الدكتور أشرف إبراهيم، الخبير التعليمي، أهمية تبني رؤية مستقبلية تعتمد على التحول الرقمي، وتقديم خدمات مبتكرة.
ويطرح إبراهيم فكرة تطوير المكتبات لتكون مراكز رقمية متكاملة تقدم خدمات عبر الإنترنت، وتستفيد من تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب إنشاء منصات رقمية توفر نسخًا إلكترونية من المحتوى الأدبي، وإمكانية التجول المرئي داخل المكتبة.
كما يدعو إلى إطلاق برامج تشجيعية تُعيد شغف القراءة، من خلال استضافة ندوات ثقافية، وتخصيص أركان مخصصة للقراءة داخل المكتبات، مع ضرورة إعادة توزيع المكتبات بشكل عادل على مستوى الجمهورية.
مبادرات لإنقاذ المكتبات العامة
في هذا السياق، أطلقت وزارة الثقافة، بالتعاون مع صندوق مكتبات مصر العامة، مشروع المكتبات المتنقلة في 6 محافظات (قنا، الأقصر، المنيا، البحيرة، الدقهلية، دمياط)، بهدف تقديم خدمات ثقافية ومكتبية متكاملة، تتضمن الإعارة الخارجية للكتب، مكتبات إلكترونية، أنشطة فنية، ودورات تدريبية.
وتحتوي تلك المكتبات المتنقلة – وهي عبارة عن حافلات مكيفة وعصرية – على كتب تناسب جميع الفئات، ومشغولات يدوية، ومجسمات علمية، مع توفير إنترنت فائق السرعة.
وتسعى مكتبات مصر العامة من خلال هذه المبادرة إلى دعم الشباب، وتوفير مساحات للدراسة والتفاعل، وتنظيم فعاليات ثقافية وبرامج تدريبية في التكنولوجيا والابتكار، مع إتاحة فرص للتطوع والمشاركة المجتمعية.
التوسع في المكتبات المتنقلة
من جانبه، أكد اللواء خالد اللبان، رئيس هيئة قصور الثقافة، أن الهيئة تنفذ خطة تطوير شاملة لتحسين جودة الخدمات الثقافية، مشددًا على أهمية التركيز على نوعية المحتوى الثقافي وليس فقط عدد المواقع المنتشرة.
وأشار اللبان إلى أن بعض قصور الثقافة في المناطق النائية لم تعد صالحة لممارسة أي نشاط، ما يتطلب إعادة النظر في أسلوب تقديم الخدمة وتوزيع الموارد البشرية والفنية.
ولفت إلى أن التوجه الحالي يشمل التوسع في مشروع المكتبات المتنقلة، وإطلاق قوافل ثقافية جديدة لخدمة المناطق المحرومة، إضافة إلى تطوير تطبيق إلكتروني خاص بقصور الثقافة لتسهيل وصول المواطنين للمحتوى الثقافي رقميًا.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية