تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
تواجه المدارس المصرية، خاصة في المناطق الحضرية المكتظة، والقرى ذات الكثافة السكانية العالية، أزمة متصاعدة، بسبب ازدحام الفصول الدراسية، حيث يتجاوز عدد الطلاب في الفصل الواحد أحيانا 70- 80 تلميذًا، في مساحات شُيدت لتستوعب نصف هذا العدد، مما يحول الفصول إلى بيئة خانقة، تتراجع فيها القدرة على التعلم الفعال، وتتضاعف فيها معدلات الإجهاد النفسي والبدني لدى الطلاب والمعلمين على حد سواء.
في هذه البيئة، تصبح التهوية الطبيعية شبه معدومة، وتغيب فيه أنظمة التهوية الحديثة أو أجهزة التكييف، ومع ارتفاع درجات الحرارة، تتحول الفصول إلى بيئة غير صالحة للتعلم، خاصة خلال موجات الحر، كل ذلك يتسبب في تراجع التركيز وتدهور القدرة الاستيعابية، هذه البيئة الضاغطة تنعكس مباشرة على التحصيل الدراسي، حيث يعاني الطلاب من ضعف الفهم والتفاعل، وترتفع معدلات الغياب أو التسرب في بعض المناطق.
نفسيًا، تزيد هذه البيئة من معدلات التوتر والقلق، وتولد شعورًا بعدم الأمان أو الراحة في المدرسة، وتربويًا تؤثر في سلوكيات الطلاب على المدى الطويل، وكذا تفاعلهم الاجتماعي، وتتراجع ثقتهم في المؤسسة التعليمية، مما يتطلب تدخلًا عاجلًا بخطة تشمل بناء فصول جديدة، وتعيد توزيع الكثافة بين المدارس، وتحدث البنية التحتية، ودمج وسائل تعليمية رقمية لتخفيف الضغط على الحضور التقليدي، لخلق بيئة صفية صحية.
كل ما سبق، يولد عددًا من الأسئلة، منها هل هناك مدارس خضراء، أو مبادرات تعليمية بيئية واعية؟، وهل يمكن إنقاذ أطفال مصر من التغير المناخي بالفصل الدراسي؟ وكيف يمكن للمدرسة أن تصبح حائط صد بيئي ونفسي للأطفال في مواجهة أزمة التغير المناخي، خاصة في المناطق الفقيرة؟ وما أثر البيئة الحالية على التحصيل الدراسي والصحة النفسية؟ وكيف نبني مدرسة تصلح للمستقبل؟
مدارس خضراء
لمواجهة الوضع القائم، تقدم الدولة نماذج لمدارس خضراء، حسب الدكتور أشرف إبراهيم، الخبير التعليمي، منها؛ المدارس الخضراء الصديقة للبيئة في مطروح: تحت إشراف وزارة التربية والتعليم، بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، وتشمل زراعة الأسطح، وإنشاء فصول مفتوحة، وتركيب أنظمة للطاقة الشمسية.
مدارس تكنولوجية خضراء في "القرية الكونية": كانت وزيرة التخطيط قد أعلنت عنها، ببناء 5 مدارس ذكية وخضراء في القرية الكونية بالتعاون مع القطاع الخاص، حيث يوفر الصندوق السيادي الأراضي للمستثمرين لبناء هذه المدارس، التي تركز على التعليم الفني المستدام.
وكذلك مدرسة رأس غارب الخضراء: وهي أول مدرسة خضراء في مصر، والتي تم إنشاؤها بالشراكة بين وزارة البترول والهيئة العامة للبترول وجمعية الأورمان، وتتضمن محطة للطاقة الشمسية لتغذية المدرسة بالكهرباء، ومساحة تعليمية واسعة تشمل فصولًا وملاعب ومرافق متعددة.
مبادرات واعية
انطلقت بالفعل مبادرات تعليمية واعية بيئيًا، منها مبادرة "مصر الخضراء" في الإسكندرية، التابعة لمديرية التربية والتعليم بالإسكندرية، بالتعاون مع اتحاد شباب الوطن، وهي مبادرة توعية بمدرسة عمر بن الخطاب لغات، لتعزيز التشجير وزيادة المساحات الخضراء، تزامنًا مع الحملة الوطنية "اتحضر للأخضر".
وكذلك مبادرة التعليم في الهواء الطلق، ضمن برامج رياض الأطفال، للمساهمة في تنمية الوعي البيئي، حيث يتفاعل الأطفال مع البيئات الطبيعية، ويتعلّمون من خلال العمل اليدوي والتجربة المباشرة.
معايير التغير المناخي
حذر الدكتور محمد صالح الإمام، أستاذ المناهج التعليمية، مستشار وزير التربية والتعليم الأسبق لعلم النفس والتربية الخاصة، من أن التغير المناخي، رغم ارتباطه بالبيئة في الوعي العام، إلا أن له تأثيرات على العملية التعليمية، وصحة الطلاب النفسية والجسدية، وأوضح أن تكدس الفصول، وضعف التهوية، وغياب الإرشاد النفسي، يمثلون بيئة خصبة لزيادة التأثيرات السلبية، ليس فقط على التحصيل الدراسي، بل على السلوكيات والانضباط داخل المدارس.
وأشار د. الإمام، إلى أنه في عام 2013 شارك في وضع معايير، تربط بين علم الاجتماع والتغير المناخي في مناهج الثانوية العامة، مشيرًا إلى أهمية إدراج موضوعات مثل البيئة السياحية في مصر، وسيكولوجية السعادة، ضمن المناهج التعليمية لمواكبة التحديات الراهنة.
الأمن التعليمي
وانتقد د. الإمام غياب البرامج الفعلية فيما اسماه بـ "الأمن التعليمي"، فالكثير من الدورات التدريبية الموجودة حاليًا بالمديريات والمدارس، بعيدة عن الممارسة الميدانية الحقيقية، ولا تراعي التغيرات المناخية، أو التحولات الرقمية التي يعيشها المجتمع.
ودعا د. الإمام، إلى استثمار التكنولوجيا الرقمية بشكل إيجابي، للحد من التغيرات المناخية والسلوكية السلبية، موضحًا أن المبادرات المدرسية مثل "أنا على خلق"، التي تركز على الأحاديث الأخلاقية، وأساليب النظافة، يمكن أن تشكل خط دفاع قوي لحماية الطلاب، وتحويل التغيرات السلبية إلى فرص إيجابية.
وأضاف أن مصر تتميز باستقرار مناخي نسبي مقارنة بدول أخرى، إذ لا تشهد فيضانات أو أعاصير أو أزمات كهرباء شديدة، مما يتيح فرصة أكبر لترسيخ الانضباط الداخلي، ومكافحة التنمر، وربط المناخ "الأخلاقي" بالمناخ "البيئي"، بما يضمن قدرة المجتمع على التكيف مع أي طوارئ مناخية مستقبلية.
روشتة بيئة داعمة
ويرى الدكتور عادل النجدي، عميد تربية أسيوط، الخبير التعليمي، أن المدرسة لكي تتحول إلى حائط صد بيئي ونفسي للأطفال في مواجهة التغيرات المناخية، تحتاج إلى أن تؤدي دورًا يتجاوز التعليم التقليدي، لتصبح بيئة داعمة تحمي وتهيّئ التلاميذ بدنيًا ونفسيًا لمواجهة التحديات الجديدة، وقال النجدي، أن ذلك يمكن أن توافر من خلال الآتي:
1- مشروعات مدرسية خضراء: مثل تشجير الساحات، زراعة أسطح المدرسة، وتشجيع الطلاب على العناية بالنباتات لخفض درجة الحرارة وتحسين جودة الهواء.
2- ترشيد الطاقة والمياه: عبر إدخال أنشطة عملية يتم تنفيذها داخل المدرسة، ومنها إعادة التدوير، استخدام الطاقة الشمسية، ليكتسب الطلاب عادات بيئية مستدامة.
3- تعليم مهارات التأقلم مع الكوارث: عبر تنفيذ تدريبات إخلاء، وخطط طوارئ، وورش عمل حول التصرف أثناء الكوارث البيئية.
4- التثقيف البيئي الإيجابي: بدلًا من بث الخوف، من خلال تقديم المعلومات بأسلوب يركز على الحلول والأمل، مما يقلل القلق المناخي عند الأطفال.
5- تخصيص أنشطة فنية أو مسرحية أو كتابة حرة: ليعبر الطلاب عن مشاعرهم تجاه البيئة والتغيرات المناخية.
6- تنمية مهارات المرونة النفسية: من خلال تنفيذ استراتيجيات إدارة التوتر، التفكير النقدي، والعمل الجماعي، حتى يشعر الأطفال بالقدرة على التحكم في جزء من المشكلة.
7- تعزيز الشعور بالانتماء والمشاركة: من خلال الربط بالمجتمع المحلي، من خلال تنظيم حملات بيئية مشتركة مع الأهالي والمؤسسات المجتمعية.
8- وجود أخصائي نفسي مدرسي مدرّب: على التعامل مع آثار الكوارث الطبيعية والضغط النفسي الناتج عن التغيرات المناخية
حائط صد
ويقول عميد تربية أسيوط، أن المدرسة يمكنها القيام بالعديد من المبادرات، التي تساهم في أن تصبح حائط صد ضد التغيرات المناخية، من خلال أنشطة مدرسية طلابية متميزة مثل:
1- تخصيص "يوم بلا بلاستيك" في المدرسة يمنع فيه نهائيا استخدام منتجات البلاستيك.
2- تنفيذ مشروع “حديقة الصف"، حيث يزرع كل فصل نباتات خاصة به، ويتم تنفيذ مسابقات لاختيار أفضل حديقة صف بالمدرسة.
3- إنشاء نادي أصدقاء المناخ بقيادة الطلاب.
4- تنفيذ برنامج "راصد المناخ الصغير" لتسجيل أحوال الطقس يوميا، والتعرف على التغيرات المناخية فيه، بل وتوزيعها على المجتمع المحلي، للاستفادة منها في عمليات الزراعة والري وغيرها.
5- عقد شراكات مع منظمات بيئية، لتدريب التلاميذ على اكتساب السلوكيات البيئية التي تساهم في الحفاظ علي المناخ، والتوعية بخطورة التغيرات المناخية.
مدرسة المستقبل
وعن تصوره لمدرسة المستقبل التي ينبغي أن تبنى لتكون صديقة للبيئة، قال د. عادل النجدي، لابد أن تتوافر فيها معايير محددة، وهي:
1- تصميم المباني بمواد صديقة للبيئة، وعزل حراري لتقليل استهلاك الطاقة.
2- استخدام الطاقة الشمسية للإضاءة والتشغيل.
3- أسطح خضراء، وحدائق عمودية لخفض الحرارة وتحسين الهواء.
4- دمج مفاهيم التغير المناخي، إعادة التدوير، والطاقة النظيفة في المناهج المدرسية.
5- مختبرات بيئية صغيرة لتجارب الطلاب، مثل تجربة تحلية المياه، أو إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية.
6- تنظيم مسابقات ابتكار بيئي، مثل تصميم منتج من مواد معاد تدويرها.
7- تخصيص حصص أنشطة فنية وموسيقية للتعبير عن القضايا البيئية.
وقال د. النجدي أن المدارس تحتاج لطفرة خضراء، لإكساب طلابنا السلوكيات البيئية السليمة، فما نعانيه من سلوكيات سيئة بالمجتمع الآن، هو نتاج تدهور دور المدرسة في القيام بدورها القيمي.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية